برغم أن قناة الجزيرة الفضائية كانت قد استعدت جيداً، وحشدت أسطولها الإعلامي الفخم، quot;قبالة الرأي العام المصريquot;، ومهدت بقصف إعلامي مركز ومكثف شديد، وهيأت للحدث و لصالح الإضراب العام الذي كان مزمعاً القيام به صباح يوم الأحد بتاريخ 4/4/2004، ودعا إليه الفرع المصري للتنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين، وعلى لسان مرشده العام السيد محمد مهدي عاكف، فإن شيئاً لم يحدث من تلك الإثارة الإعلامية، والخبطة الصحفية، وquot;الكوموناتquot; الشعبية اللاهبة الموعودة التي ستزلزل نظام الرئيس حسني مبارك الشائخ، والذي بلغ من العمر عتياً، ويستعد حالياً، للتوريث.
وفي السعودية، أيضاً، لم تستطع، ما تسمى بحركة الإصلاح، أن تتقدم ولو خطوة واحدة للأمام خلال تاريخها برغم استقوائها بالفكر الديني، وبرغم عدم افتقارها لوسائل وأدوات إعلامية للولوج إلى الداخل السعودي وإيصال خطابها إليه. وقد كانت حجة جميع المعارضات العربية، في وقت ما، لتبرير فشلها، هو التعتيم عليها، ومحاصرتها من قبل الأنظمة، وعدم قدرتها على الوصول إلى quot;أهدافهاquot;، أما اليوم فقد انتفت هذه الحجة مع وسائل الاتصالات السريعة، وتدفق المعلومات بدون حواجز، ولا جمارك سلطوية.
وفي الجزائر فشل عباسي مدني وعلي بلحاج الزعماء التاريخيين للحركة الإسلامية الجزائرية في زعزعة النظام الجزائري، أو ثنيه عن أي من مواقفه برغم ارتكازهم، واتكائهم على خطاب دعوي إسلاموي ناري لاستثارة الجماهير ودغدغة عواطفها، لكسب سياسي يبدو أنه، ما زال، عصياً وبعيد المنال، حتى الآن. وينطبق هذا الوضع على أكثر من بلد في منظومة الاستبداد الشرق أوسطي.
وفي سوريا، فشلت حتى الآن مختلف فصائل المعارضة السورية وquot;منتفعاتهاquot; الأصولية، والقومجية، واليساروية، والمتقلبة إيديولوجيا، والتائهة عقائدياً، في إحداث أي نوع من الاختراق في الشارع السوري. و فشل إعلان دمشق إلى حد كبير في استقطاب أي من النخب السورية المميزة الأخرى، اللهم تلك التي تهلل وتسوق للحل الشرق أوسطي وتعول عليه، وانخرطت فيه باعتباره quot;الأملquot; الوحيد لخلاصها المنشود.
وتمتلك، مثلاً، إحدى فصائل المعارضة السورية، اليوم قناة فضائية متواضعة مهنياً وفكرياً، وتبث من لندن، غير أنها لم تستطع أن تؤثر، وخلال أكثر من عشر سنوات، في الرأي العام السوري أو تصل إليه، أو تستقطب أحداً من الأسماء والوجوه السورية البارزة ذات المصداقية العالية، والقبول والتاريخ النظيف، وتعتمد في أدواتها، على كوادر غير سورية، وغير معروفة أبداً في الشارع والوسط السوري، وتتلطى لذلك وراء شعارات قومجية بائدة أكل عليها الدهر وشرب، لتدارك فشلها المريع. وهذا ما أعرض جل المتابعين السوريين عنها، ناهيك عن افتقارها الملحوظ للمهنية الإعلامية، وما زال خطابها لا يخرج عن أطر الخطاب العشائري والقبلي والبدوي الحشوي التحريضي المعروف.
وتزمع، أيضا،ً إحدى فصائل المعارضة الأخرى، إنشاء قناة فضائية، ذات بنية و توجه إخواني وخطاب أصولي فئوي دعوي تراهن عليه كرأس حربة ضد النظام السوري. ولا يعتقد أن يكون لها تلك الشعبية والتأثير الموعود، بسبب كيدية وعشوائية توجهاتها ومنطلقها الشخصي، وإعراض كثير من السوريين عنها وعن رموزها، ولعدم طرحها لبرنامج وطني عام واضح المعالم يقنع الشارع العام بصوابيته وقدرته على انتشاله من الاستعصاء المعيشي.
فلقد كان الدرس العراقي درساً قاسياً وبليغاً للجميع نخباً وأفراداً ومجتمعات وأنظمة. أعطت فصائل المعارضة العراقية، من خلاله، أنموذجاً سيئاً عن البديل المزعوم لهذه الشعوب لجهة توحش وتخلف نخبها المعارضة التي بزت النظام البائد طائفية واستبداداً وعشائرية وقبلية ونهبوياً وفساداً واصطفافات ما قبل وطنية شرخت الجدار وهددت وحدته وترابه الوطني. وصارت الشعوب تتوجس من أي تغيير غير محسوب ولا مدروس سيفضي، حتماً، إلى فوضى quot;ألتراquot; هدامة، ولم تساهم إلا في خلقا الكانتون الطائفي.
إذن، هناك توجس وحذر، و إشكالية، وخلل ما، في مفصل ما في عمل هذه المعارضات، يتبدى من خلال هذا التلكؤ والقصور الحركي، وهو ناهيك عن منشئه الذاتي والبنيوي، فهناك أيضاً ظرف موضوعي يطغى فيه الجانب السلطوي مع امتداده الدولي. فهل هو بوادر لتفتح وعي ما لدى هذه الشعوب حول انكشاف حقيقة وتهافت معارضاتها، وضحالة منطلقاتها وبؤس خطابها الشعبوي الدعوي وأحياناً، السوقي؟ وعدم قدرتها على الفعل دون ارتهان ودعم خارجي، ما يضع المسألة برمتها في حيز الانحراف الوطني المفضي للاستقواء بالأجنبي، وما لهذا الأمر من بعد هام جله قيمي وخلقي؟ وأخيراً، هل اكتشفت هذه الشعوب أن هذه المعارضات quot; الأبويةquot;، أيضاً، ليست بريئة، ولا تختلف كثيراً لا إيديولوجياً، ولا سلوكياً، أو بنيوياً و هيكلياً وتنظيمياً، عن تلك الأنظمة التي تحاول أن تزيحها، وتحل مكانها، وتسوقها على أنها الشيطان الأكبر الرجيم؟
نضال نعيسة
التعليقات