منذ تحرير العراق وإنخراط القادة الكرد في العملية السياسية الجارية في العراق الجديد، ووصولهم الى مراكز القرار السياسي في بغداد، أصادف الكثير من المقالات والآراء خصوصا في بعض المواقع الكردية يوجه كتابها إنتقادات غير منطقية وغير عقلانية تصل الى حد التخوين والعمالة للقادة الكرد الذين يعملون اليوم من أجل بناء العراق الجديد.


وكالعادة هناك بعض الكتاب القومجيين الذين إعتادوا على تسويق وإلصاق تهم جاهزة الى هؤلاء القادة من خلال وصفهم بـ( العراقجية) على وزن ( القومجية) ويستكثرون على هؤلاء القادة دورهم السياسي في بغداد وسعيهم المخلص لوضع طابوقة على بناء العراق الجديد على أنقاض العراق الدكتاتوري الشمولي الذي طالما تسبب لهم بالكثير من المآسي والعذابات وصلت الى حد إبادتهم في جرائم الجينوسايد، مثل الأنفال والقصف الكيمياوي.

ولقصر نظر هذه الشرذمة الصغيرة من الحالمين بالأمجاد القومية الكردية الزائفة، على غرار الأمجاد العروبية الأزيف منها، يتصورون سواء بدراية أو عن جهالة، أن الدور السياسي للقادة الكرد في العراق لايستفيد منها الشعب الكردي، والأولى بهم أن يهتموا ببناء بيتهم الداخلي) كردستان)، وأن لا يضيعوا وقتهم بالإنهماك في مشكلة العراق وإعادة بناء البلد الذي يدمره أبنائه من الطوائف والمكونات الأخرى بأيديهم!.


ولكن هؤلاء ينسون عن غفلة أن العراق الجديد يختلف عن العراق القديم، وأنه لولا هذا المد الإرهابي الجارف القادم من الغرب العربي، لكان العراق أصبح نموذجا رائعا يحتذى به في جميع الدول العربية التي ما زال الكثير منها يرزح تحت وطأة سلطات دكتاتورية وشمولية مستيدة وقامعة، ولكان حال العراق سيستقر الى أبد الآبدين بإنضوائه تحت تجربة مدعومة بدستور دائم سيطوي الى الأبد صفحة اللاستقرار الذي عاشه العراق طوال ثمانين سنة من تأسيس دولته الحديثة.

أستغرب كثبرا عندما أقرأ مقالات تعزف على هذا الوترالقومجي، لأني أعتقد أن ما تحقق للشعب الكردي خلال السنوات الخمس الماضية لم يكن يحلم بها حتى لو واصل هذا الشعب نضاله القومي المسلح لخمسة قرون أخرى، يكفي دليلا على ذلك أن آخر إمبراطورية كردية حكمت في المنطقة، قد إندثرت منذ أكثر من ألفي سنة، ولم تقم للحكم الكردي كيان قومي مستقل طوال الألفيتين الماضيتين، ما عدا بعض الإمارات الصغيرة الضعيفة المنقسمة على نفسها، والمتآمرة بعضها على بعض في كثير من الأحيان، ولكن اليوم يتمتع الأكراد بدولة ونصف الدولة إذا جاز التعبير..

فالقادة الكرد يقودون اليوم أهم مفاصل الدولة العراقية، طالباني رئيسا للبلاد، وبرهم صالح نائبا لرئيس الوزراء وهو أعلى منصب تنفيذي في الحكم الجديد، والخارجية يقودها هوشيار زيباري وهو الذي يرسم العلاقات الدولية للعراق الجديد، وهناك نائب لرئيس البرلمان وكتلة برلمانية لها ثقل واضح ووزراء مهمين في الدولة العراقية، أضف إليهما حكومة إقليمية صغيرة يقودها الأكراد بأنفسهم من دون تدخل الغير ويحكمون ثلاث محافظات كبيرة في العراق، ويستلمون ميزانية معتبرة تفوق ميزانيات ثلاث دول عربية، ولهذا الإقليم رئيس يستقبل في كثير من دول العالم إستقبال الرؤساء المعتبرين.
فماذا يريد الكرد أكثر من ذلك؟؟!..

في مقال سابق عقدت مقارنة بسيطة بين برهم صالح نائب رئيس الوزراء الحالي، وبين طارق عزيز نائب رئيس الوزراء السابق الذي يمثل أمام محكمة جنائية عليا بتهم تتعلق بجرائم الإبادة البشرية، واليوم يحق لي أن أعقد مقارنة ولو بسيطة جدا بين الرئيس طالباني وبين صدام حسين، وشتان ما بينهما في المقارنة، ولكن لو إمتلك الإنسان ذرة من الضمير والإحساس بالمواطنة في العراق، لا بد أن يعترف بأن طالباني هو أفضل بآلاف المرات من صدام حسين.. ألا يكفي حرصه وتفانيه من أجل إشراك جميع القوى السياسية والمكونات الأساسية في العراق في مراكزالحكم؟. ألا يكفي أنه أول رئيس عراقي منتخب في تاريخ العراق؟!. ألا يكفي أنه أول رئيس عراقي يرفض المصادقة على أحكام إعدام العراقيين؟. ألا يكفي أنه ضامن المشاركة السياسية لكل المكونات العراقية في الحكم؟.


من من الشيعة أو المسيحيين أو التركمان كان يحلم في زمن صدام حسين أن يطالب بحقه القومي أو الديني أو الطائفي المشروع ليس بالمشاركة في حكم البلاد وتقرير سياساته، بل حتى أن يجلس على مقعد ولو مزيف في برلمانه الكارتوني؟!.

أليست الوقائع والأحداث الماضية ماثلة أمام أعين العراقيين، وهم يستذكرون تلك السياسة الخارجية الخاطئة التي تنتهجها وزارة الخارجية المقيدة بتوجيهات الدكتاتور مع دول العالم لتزيين الوجه القبيح للدكتاتورية، وتبرير مطامع النظام الدكتاتوري في أراضي دول الجوار، والتمهيد لشن حروب كارثية ضدها، وكيف أصبحت السياسة الخارجية للعراق اليوم في ظل هوشيار زيباري الذي يعمل على إقامة أفضل علاقات الجيرة مع دول المنطقة على الرغم من الأذى الذي تلحقه هذه الدول بالعراق، وصل الى حد إستيراد الإرهابيين من مختلف الدول العربية وتسليحهم وتزويدهم بالمال لإرسالهم الى العراق لتدميره من الداخل؟!.


بهذا الحرص والجهد المضني يعمل القادة الكرد في بغداد من أجل إرساء أسس الدولة الديمقراطية الصحيحة في العراق الجديد،فلماذا يغيض الثقل الكردي في المعادلات السياسية القائمة في العراق صدور هؤلاء القومجية، فيريدون سواء عن جهالة أو غباء إعادة حرمان الشعب الكردي من حقوقه الدستورية المشروعة تحت يافطة التمسك بالخصوصية والتغني بالأمجاد الزائفة، فيسمحون من دون أن يشعروا بعودة المآسي السابقة الى كردستان من خلال معاودة عمليات الأنفال والضربات الكيمياوية؟!.


أعتقد أنه لولا الوجود الكردي في بغداد منذ سقوط النظام الدكتاتوري، لما تمكن الكرد من إستحصال حقوقهم القومية المشروعة دستوريا، وهي حقوق ما زالت الكثير من القوى السياسية العراقية تستكثرها على الشعب الكردي، عدا عمن يعاديها بصراحة ووضوح؟!.

أعتقد أن وجود القادة الكرد في بغداد يشكل ضمانة أساسية لعدم عودة قتل وتشريد الشعب الكردي مجددا ومسح وجودهم من على وجه الأرض الكردستانية، والعراق الجديد جميل بتآلف مكوناته ووحدته الوطنية..

شيرزاد شيخاني

[email protected]