بدون مقدمات طويلة وعريضة وبدون تقديم رويتني ممل و عربي بامتياز عندما يقول المذيع او مقدم الحفل ' سيداتي وسادتي '. هذه المفردات المملة والمكررة وحتى الفارغة المحتوى في عالمنا الفكري العربي العقيم كانت وستبقى بلا معنى حقيقي او دقيق، لكنها اليوم في عالمنا العربي العجيب بدت وكأنها نكتة من نكات هذا عصرنا العربي المسخ من نوع المبكي المضحك على حد سواء. فلا سيادة لنا نتكلم بها على الارض او للانسان العربي نفسه بل وطبعا واكيد حتى الى سمائه المفتوحة رغم تكدس ' سكراب ' او خردة الحديد تلك التي تسمى الطائرات الحربية العربية او صواريخ ارض جو او غيرها من الاسلحة العربية والتي كما يقول المثل العراقي الشعبي ' انها لاترش ولاتنش '!!.
السيادة الحقيقة اليوم في بلادنا العربية تراجعت بشكل مخيف لتصل الى ' رغيف الخبز وحبة الباذنجان ' والمصيبة الكبرى نحن مازلنا غافلين ولانعرف ولاندري ولانريد ان نعرف او ندري ان المصائب الكبرى تحيط بنا وتستوطننا. ان الرفيقين الخبز والباذنجان كنا والظاهر سيبقى رمز من رموز الهزيمة العربية الشنيعة حيث تكون هذه الوجبة البسيطة هي الارخص في كل شيء لذلك حافظت على مركز الصدارة كطبق رئيسي لاغلب ابناء هذه الامة المغلوبة على أمرها من الباب الى المحراب.
' وحش الطاوة ' والطاوة تعني المقلاة في العراق. والوحش يعني الباذنجان وقد ابتكر هذه الاسم اللطيف والحزين في أن واحد العراقيين الاكارم في ايام الحصار الداخلي والخارجي حيث كانت النسبة الساحقة منهم مضطرين لتناول هذا الوحش بشكل قسري صباحا ومساء لرخض ثمنه انذاك. لكن اليوم وعلى مستوى الامة فان الامور قد تراجعت بشكل مخيف وحساس جدا، حتى او بدا البعض من بلدان النفط غير معنية وغير مهتمة بهذه الحقائق الكبرى. لكن ذلك عدم المبالاة حقيقة الامر شوطه ليس طويل وانه ' الى حين ' ليس الا.. والا ليس من المعقول الغرب وغيره سيتفرج على مليارات النفط العربي وسعر البرميل الواحد قد تجاوز 120 دولار. فهناك الف طريقة وطريقة اضافية لاستنزاف هذه الزيادة او القفزة الكبرى باسعار النفط.
لقد كانت صرخة المواطن المصري الغلبان التي نقلتها شاشة قناة العربية، صرخة تدمي القلب وتؤلم الضمير وبذات الوقت صرخة انذار كبرى يجب ان يستوعبها الجميع قبل الوصول الى نقطة الاعودة في الهلاك العربي النهائي المرتقب. فهل من المعقول ان أبن النيل يصرخ لاجل رغيف الخبز ومن زيادة سعره، ومثله ابن الرافدين العراقي الذي بدأ يستورد حتى الطماطة والبرتقال من ايران وايضا هكذا حال ابن سلة العرب الزراعية السودان!! وفي حقيقة الامر هذا هو حال الامة جميعها وان كانت الحالة بشكل نسبي متفاوت لكن جميعنا نشترك بصفة واحدة ناكل مما لانزرع ومما لانصنع حتى من الاجبان والزبدة. فالى اين نحن ذاهبون؟ وماذا فعلت بنا هذه حفر النفط التي خدرت عقولنا وابطلت سواعدنا؟ وماذا ايضا فعلت بنا الانظمة الشمولية والاستبدادية، حتى اصبح من العسير التفريق بين نظام لتوريث الحكم او نظام جمهوري ينافس في التوريث لكن فرقه عن الاول هي مزايدات الشعارات الفارغة المحتوى والمضمون.
وفي مقاربة بسيطة فلقد نقلت قناة الفيحاء العراقية خبر اشتراط الاتحاد الاوربي على تركيا ان تضع قطعة حبة الباذنجان الواحدة في كيس بلاستك على ان لاتزيد طول الحبة الواحدة على 30 سنتيم. كاحد الشروط لدخول تركيا الى الانحاد وايضا كشرط أساسي لتصديره الى دول الاتحاد في الوقت الحالي. وهنا يقف المرء حائرآ متحسرآ مابين ابن النيل و ابن الرافدين وبقية العرب وبين ابن الغرب. فذلك الاول وحسب الفقه المتداول ' مؤمن ' اما الاخر وحسب فقه السفهاء فانه بامتياز ' كافر '!! لكن هولاء قادة الكفار يعملون جاهدين ليل ونهار وبكل الطرق المستقيمة والملتوية لاجل خدمة ' كفارهم ' من شعوبهم فيسود الرخاء والصحة والامان والاطمئنان والعلم والنور والتفاؤل بالغد وبالمستقبل. و 'المؤمنين ' يعملون ليل ونهار وايضا بكل الطرق السرية والعلنية على نهب ثروات بلادهم والتفريط بها فيسود الجوع والقلق والجريمة والتخلف والظلام والظلمة والخوف من الغد وغيرها من الامور. مما يدفع مثلا وحسب قياسات السفهاء، اكثر من عشرين مليون عربي ' مؤمن ' يهجر بلاده ليعيش في بلاد ' الكفار '!! فأين العلة واين الخلل. بصراحة وبدون لف ولا دوران ان المسؤول الغربي ليس اشرف ولااحسن من المسؤول العربي،بل الاثنين من جنس الانسان وحب التملك وحب الثروة والمال سمة اساسية لهذا المخلوق العجيب، الا ما قدر ربي وكان خارج هذه السمة الحيوانية في الانسان. لكني اعتقد ان السبب الرئيسي لهذا الاخلاص عند المسؤول الغربي هو خوفه من القضاء المستقل وارتعاده من صوت الاعلام الحر وايضا خشيته من نتائج صناديق الانتخابات التي جاءت به. اما سبب عدم المبالاة عند المسؤول العربي والتي تصل الى درجة الخيانة العظمى، هي اولا نحن الشعوب المصفقه المهلله المزغرده على الحق والباطل ثم بعد ذلك غياب أسس وسمات الدولة الحديثة وعنوانها الكبير الممارسات الديمقراطية والاعمال التي يحكمها الدستور والقانون. فالحاكم العربي هو حاكم بالمطلق على طريقة ' مصون وغير مسؤول ' ومع ذلك هو في الصباح بطل التحرير القومي وهو نفسه في المساء بطل السلام المشرف!! هو عبد الله المؤمن وهو طويل العمر وهو ايضا امام الامة ومرشدها ومفكرها بل وحتى شاعرها!! وكل هذه الالقاب وغيرها لاتوفر خبزا ولاعيشآ كريمآ.
وفي كتابنا الكريم ' الانسان خليفة الله في الارض ' وحرمته ' اهم من حرمة الكعبة المشرفة نفسها ' ومع كل ذلك وغيره الباذنجان المحفوظ بشكل علمي وصحي يذهب الى ' الكافر ' ويبقى المؤمن يلهث ليل ونهار للبحث عن رغيف الخبز الى الافواه الجائعة والبطون الخاويه. فاين التوزيع العادل للثروات واين تكافؤ الفرص في بلادنا. ان بين صرخة ابن النيل على السيدة رغيفة وبين شرط الاتحاد الاوربي لتعليب الباذنجان. بون أنساني شاسع وكبير و فرق بين رقي وتخلف علمي كبير بل وتخلف ديمقراطي ودستوري أضخم. بل والادهى من ذلك فرق هائل بين شروط الايمان وسمات الكفر. ' فحاكم كافر عادل أفضل من حاكم مسلم جائر ' فلمن اطلق هذه الصرخة أمير المؤمنين علي بن ابي طالب 'ع'. وهل يوجد بعدها شرح وكلام.
محمد الوادي
[email protected]
التعليقات