هل لو عاد الصحابة إلى عصرنا الآن، كان سيرضيهم حال المسلمين السيئ، من صحوة دينية كاذبة مع غياب كامل للعقل والحكمة الدينية والدنيوية معاً؟هل كان سيرضيهم تمسكنا بقشور ديننا بعيدين عن جوهره ومقصده لسعادة البشرية؟ هل كانوا سيسعدون بما يروه من تطويل للحي وتقصير للعقول، وارتداء للنقاب والحجاب، ومن إعلاء لأصوات الميكروفونات للصلاة، وإذاعة الصلوات الخمس في الميكروفونات وصلاة التسابيح طوال ليل رمضان، إلى افتراش الطرقات كل يوم جمعة أمام المساجد وتعطيل حركة سير المرور لأداء الصلاة؟هل كان سيرضيهم النصب الإقتصادي المتعمد من المتأسلمين بإدعاء أن فوائد البنوك حرام، لدفع الناس لوضع أموالهم عند النصابين المتأسلمين في quot;بنوك التقوىquot; لسرقتها؟ هل كان سيعجبهم حال المسلمين من تكميم لأفواه المفكرين والمبدعين وتهديدهم الدائم بسيف الردة البغيض، وترويج لثقافة الكراهية وإصدار فتاوى إراقة عباد الله، واحتقار المرأة وجعلها قاصرة أبدية وquot;ناقصة عقل ودينquot;؟.


الرعيل الأول من الإسلام كان أكثر منا ذكاءً وفطنة لمقاصد الشريعة، وفهموا أن المصلحة هي المحك والمعيار حتى ولو تعارض ذلك مع ظاهر النص، لأن مقصد الشريعة هو الصالح العام للناس، ولعل أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ، وأم المؤمنين عائشة، ضربوا لنا أروع الأمثلة على ذلك-في حين أنه لم يفصل بينهم وبين عهد النبوة إلا وقت قصير- فنسخوا الآيات التي لم تعد صالحة لروح عصرهم لمسايرة عجلة الزمان التي لا تكف عن الدوران، فكانوا أكثر جرأة منا في نسخ الآيات لأن علم أصول الفقه لم يكن قد وضع أصلاً، فهذا العلم قد وضع بعد ذلك بفترة طويلة، ووضعه الفقهاء تحت ضغوط سياسية وإجتماعية عليهم، فلماذا نقتدي بالفقهاء الذين قيدوا الإسلام بفقههم، وضيقوا علينا واسعاً، ولا نقتدي بسلفنا الصالح الذي تربي في مدرسة النبوة وعلي يد الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة؟.الصحابة الذين قال عنهم صلى الله عليه وسلم: quot;أصحابي كالنجوم بأيهم أقتديتم اهتديتمquot;، نعم يا رسول الله سنقتدي بسنتك-قبل أن تعبث بها يد العابثين والمنتفعين المتاجرين بالدين-و بصحابتك الميامين، فأبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، نسخ آية المؤلفة قلوبهم رغم وجود النص الصريح لهذا الحق في قوله تعالى: quot;إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهمquot;. وقدم لذلك حجة عقلية رائعة، بأن الإسلام قد قوى وليس بحاجة لإستئلاف قلوبهم. وكذلك فقد خالف عمر سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في إيقاع الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد باعتباره ثلاث طلقات لا طلقة واحدة، برغم أن الآية القرآنية واضحة وصريحة في قوله تعاليquot;الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسانquot; ففي عهد رسول الله كان الرجل إذا طلق ثلاثاً في مجلس واحد اعتبرت طلقة واحدة، أما في عهد عمر وعندما استخف الناس بالطلاق وأصبحوا يكثرون من إيقاع الطلاق ثلاثاً بكلمة واحدة، فخرج عن سنة الرسول ورأي زجرهم بإيقاع الطلاق ثلاثاً بائنا قائلاً قولته المعروفة: quot;إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم. فأمضاه عليهمquot;.وموقف عمر من عدم قطع يد السارق والسارقة في عام المجاعة، رغم وجود الآية صريحة quot;والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهماquot; فلماذا لم يتهم أحد أبوبكر وعمر لنسخهم لآيات كان معمولاً بها في عهد الرسول بالتآمر على الإسلام؟ لأنهم كانوا يعرفون أن النص متفاعل مع الواقع وليس منفصل عنه، وكانوا يدورون مع العلة وجوداً وعدماً.


وأزيد المزايدين من المتأسلمين بعض الأمثلة لباقي الصحابة، الذين قال عنهم المبعوث رحمة للعالمينquot;بأيهم اقتديتم اهتديتمquot;، من تأخير إمام المتقين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه توقيع القصاص على قتلة عثمان، ولا من قصاص عثمان من عبيد الله ابن عمر لقتله الهرمزان، وما روي عن زيد بن ثابت من أنه لا تقام الحدود في دار الحرب، فقد روي عن علقمة قال: غزونا أرض الروم ومعنا حذيفة وعلينا رجل من قريش فشرب الخمر، فأردنا أن نحده [أي نقيم عليه الحد] فقال حذيفة: تحدون أميركم وقد دونتم من عدوكم فيطمع فيكمquot;.


وروي أن عثمان رضي الله عنه، رفض ترك قصر الصلاة في السفر، رغم ثبوت ذلك بالسنة قائلاً:quot;بلى ولكنني إمام الناس فينظر إليّ الأعراب وأهل البادية أصلي ركعتين فيقولون:هكذا فرضتquot;. حتى عائشة أم المؤمنين رغم وضوح أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، بعدم منع النساء من الذهاب إلى المساجد بقوله: quot;لا تمنعوا إماء الله مساجد الله quot;الحديث، فلما مر الزمان وتغير حال النساء قالت عائشة:quot;لو أدرك رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ما أحدثت النساء لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيلquot;. فقد رأت أم المؤمنين أن الواقع يقتضي تغيير حكم الرسول السابق، ولا يخالف ذلك الشريعة حرصاً على مصلحة المسلمين، بل إن إبنا لإبن عمر يعارض أباه وهو يستشهد بحديث الرسول-صلى الله عليه وسلم- quot;أئذنوا للنساء في المساجد بالليلquot; فيقول:quot;والله لا نأذن لهن فيتخذنه دغلا، والله لا نأذن لهنquot;.


هذه الجرأة لم تكن تطاولاً لا على الله ولا على رسول الله ولا على دين الله، ولكنها كانت حرصاً على مصلحة المسلمين، وتغير أحوال المسلمين-وهي المتغيرة دائماً- دونما خوف أو اتهام بالكفر أو التطاول على دين الله كما يروج متأسلمي اليوم، فهل نملك جرأة وحصافة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة رضوان الله عليهم وننسخ كل ما تقادم من آيات قرآننا الكريم، من إلغاء لفقه النحر والإنتحار، وفقه تحقير المرأة لمساوتها بجميع نساء العالم، إلى نسخ كل الآيات التي تحث على كراهية الآخر لنساوي المسلم بغير المسلم في الحقوق والواجبات، أم إننا عندما نطالب بذلك سنتهم بالعمالة والخيانة للإسلام والمسلمين؟! ولماذا لم يتهم المسلمون الأوائل الصحابة بالخيانة وهدم الدين، عندما نسخوا كثير من الآيات في وقت قصير، وهم الجيل المؤسس والذي حضر فترة التنزيل، كما نتهم نحن الآن؟لأن المتأسلمين الذين عوضوا حزب المنافقين بقيادة عبد الله بن سلول لم يكونوا موجودين في ذلك العصر؟

أشرف عبد القادر
[email protected]