لا تخلو صفحات و كواليس النزاع الإثيوبي / القطري و الذي أدى في النهاية لقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين من جوانب طريفة و مثيرة للتأمل، فإثيوبيا هي إحدى الأطراف الإقليمية المتورطة في النزاع الصومالي الطويل وهي القوة العسكرية المحتلة التي أسقطت نظام المحاكم الإسلامية الطالباني الصومالي ودورها في القرن الإفريقي هي بمثابة الوكيل الشرعي عن المصالح الأميركية!

فبعد أن كانت دولة ماركسية منغلقة خلال عهد الطغمة العسكرية التي أسقطت عرش يهوذا عام 1974 و طوت صفحة الإمبراطور هيلا سيلاسي، تحولت بعد سقوط الدكتاتور ( هيلي مريام منغستو ) لتكون أكثر إنفتاحا و لتمنح إرتيريا حق تقرير المصير و الإستقلال عام 1991 رغم إبتعادها بعد ذلك عن أية إطلالة سواحلية بحرية و لكنها رغم المتغيرات لم تتخل عن نظرتها و طبيعتها الإمبراطورية القديمة و حرصها الدائم على مصالحها في شرق أفريقيا لذلك كان التحول و التقرب من الغرب يحقق لها منافع ستراتيجية كبرى في ضوء حالة الإنهيار الشامل و الحرب الأهلية في الصومال المجاور و الذي تستفيد أثيوبيا إستفادة جمة من إستمرار الصراع فيه لإشغال الصوماليين عن موضوع إقليم ( أوغادين ) الصومالي الذي نشبت عام 1977 حرب بين البلدين للهيمنة عليه أنتهت بهزيمة نظام الدكتاتور الصومالي السابق محمد سياد بري كما هو معروف، و بعد سقوط بري و إنهيار الصومال كدولة موحدة و بروز عصابات و أمراء الحرب تحول البلد بأسره لنقطة جذب ستراتيجية للعصابات من كل حدب وصوب سواءا كانت عصابات لتهريب الأسلحة أو عصابات دولية منظمة لتحويل الصومال لمقلب زبالة دولي كبير عن طريق دفن النفايات النووية في أراضيه في ظل صمت دولي و نزوح هائل للشعب الصومالي طلبا للجوء في الخارج ثم أضحت الصومال مقرا مفضلا لهوائم الجماعات الإرهابية و السلفية المتشددة التي لها تربة صالحة للغاية في النمو هناك بل و التناسل و تفريخ المزيد من خلايا الإرهاب الدولي التي تسربت و تسللت للغرب عن طريق مظلة اللجوء لذلك إنتشرت جماعات الإرهاب المقيمة و المنطلقة في ومن الصومال من أوسلو شمالا و لندن غربا حتى نابولي جنوبا، و كان من الطبيعي أن تتحرك الولايات المتحدة التي فشلت في التعاطي مع الحالة الصومالية إلا من خلال إستعمال القوة المفرطة و التي بدورها لم تحقق نتائجا إيجابية و أنتى التدخل الأمريكي و عملية عام 1993 بكارثة إنسانية مروعة نظرا لخصوصية الحالة الصومالية، فكان لا بد من التعامل مع تلك الحالة من خلال وكلاء ( معتدلين ) من أهل المنطقة و يمتلكون العمق الستراتيجي و البشري و ليس هنالك في القرن الأفريقي بأفضل من إثيوبيا الدولة الكبيرة و الراسخة في عمق التاريخ و مقر الثقافة المسيحية الشرقية القديمة رغم مشاكلها الإقتصادية المعروفة، فكان دورها المباشر المعروف في إسقاط حكم المحاكم الإسلامية الأصولي المتطرف بالتعاون مع أمراء الحرب السابقين من الجماعات القبلية المتنافرة و المتناحرة و بتأييد ودعم أمريكي لا تخفي العين الخبيرة قراءة دلالاته و مضامينه، و دولة قطر بدورها التي لا تقارن أبدا من حيث الإمكانيات الستراتيجية بإثيوبيا و لكنها تتشابه في حالتها السياسية العامة من حيث التحالف مع الغرب و دورها الستراتيجي في الخليج العربي بإعتبارها المقر الرئيسي لقيادة القوات الأمريكية في الشرق الأوسط و المركز الأساسي في تخطيط عمليات الإحتلال الأمريكية في العراق! و القاعدة الجوهرية و المركزية في أية عمليات عسكرية جديدة في المنطقة قد تشمل توجيه ضربات ستراتيجية مركزة للنظام الإيراني دون أن نتجاهل أن هنالك في مخازن قاعدتي العديد و السيلية و بالقرب من مقر قناة الجزيرة ( المجاهدة ) قدس سرها تكمن صواريخ نووية ستراتيجية قد تشعل العالم في أية حماقة غير منتظرة أو مفاجئة!! و لكن الغرابة و التناقض بين الموقفين الإثيوبي / و القطري تكمن في أن دولة قطر بإمكانياتها الإقتصادية الكبيرة تتطلع للعب أدوار دبلوماسية و سياسية مثيرة للجدل ووفق سياسة الصدمات الكهربائية قد جمعت كل الأضداد و المتناقضات على سطح واحد، و جمعت الحلال و الحرام في سلة واحدة، و هي في الوقت الذي تحولت فيه لمطار أمريكي دائم فإنها في عين الوقت قد أضحت قاعدة للثوار و المناضلين و الإرهابيين و الفقهاء بدءا من جماعة الإنقاذ الجزائرية و إمامهم عباسي مدني ومرورا بخالد مشعل الحمساوي أو بقادة الشيشان الذين قتل أحدهم في عملية إرهابية إرهابية نفذتها المخابرات الروسية في الدوحة قبل سنوات قليلة أو جماعات البعث العراقي الراحل أو جماعة النهضة التونسية و الأخوان المسلمين المصرية و جماعات السلف الخليجية و المحاكم الإسلامية الصومالية دون أن ننسى جماعة الطالبان الأفغانية و جماعة العلماء المسلمين في العراق و مخالفيهم من أهل المنطقة العراقية الخضراء!!.. إ

نها الشوربة القطرية العجيبة التي تحتضن المعارضة الجزائرية و تسلح الجيش الجزائري!! و التي تحتضن أهل الجهاد و حماس و تستقبل بالأحضان الإخوة الصهاينة مثل الرفيق المناضل المجاهد إيهود أولمرت و الرفيقة المناضلة تسيفي ليفني ( حفظها الله و رعاها )!!.. وكذلك تدعم حزب الله اللبناني و تشيد يمقاومته البطولية في دحر قوات الرفيق أولمرت في حرب صيف 2006!!!

و مع الخلطات السابقة التي تشكل حالة فظيعة من عسر الهضم يمتد الدعم القطري ليحيي الموتى و يحيي العظام وهي رميم أي دعم جماعة المؤتمر القومي العربي السفيانية التي تسلمت دعما قطريا مباركا و سخيا قدره ثلاثة ملايين دولار حلالا زلالا كما قال المناضل الرفيق ( محمد صالح المسفر ) قدس سره الباتع!!، و الطريف أن قطر لا تكتفي يصولاتها السياسية المتكهربة أبدا بل أنها دخلت على خط الرياضة و الشباب و أتبعت ستراتيجية سريعة تقوم على إحراز الإنتصارات الرياضية بأسرع وقت و خلال أسبوع واحد فقط ففريق كرة القدم القطري مثلا فريق أممي بكل معنى الكلمة يعبر عن النظام الدولي الجديد فاللاعبين لا تجمعهم لغة و لا ثقافة واحدة بل ثقافات متعددة فالهجوم برازيلي لاتيني!!

و خط الوسط أوروبي و الدفاع عربي!! و النتيجة هي سمك / لبن / تمر هندي!!، كما أن بطل رفع الأثقال القطري أشقر البشرة سلافي العرق إرثوذكسي الديانة!! بلغاري الأصل!! و الجنسية القطرية مفتوحة لكل المشهورين بدءا من كاظم الساهر و ليس إنتهاءا بأهل السامبا و التانغو و بلاد السند و الهند و ما وراء النهر..! بينما تعرضت قبيلة عربية قطرية كاملة وهي فخذ الغفران من بني مرة لعملية طرد و سحب جنسية لأسباب تتعلق بحيازتهم لجنسية عربية أخرى وهي الجنسية السعودية!!

رغم أن البرازيليين المتجنسين لم يتخلوا أيضا عن جنسيتهم البرازيلية و لا عن لغتهم البرتغالية!!

و لا عن عن عقيدتهم الكاثوليكية!! ومع ذلك لم يسألهم أحد أو يهددهم بسحب الجنسية و التشريد!! و تلك لعمري من العجائب و الغرائب في دنيا السياسة القطرية!!، الصراع الإثيوبي / القطري صراع عقيم لأنه لا يستند لأسس واضحة رغم الحيثيات المعروفة فالنتيجة واحدة رغم إختلاف الأدوار.

داود البصري