كما ترمى شبكة صيّاد في لجة البحر، فتخرج من ثمّ مُحمّلة ً بصيد كريم، أو بخيبة من فضلات مُهملة ؛ كذلك هوَ عالم الإنترنيت، فيه الغث والسمين. على أنّ المسألة هنا، لا تتعلق بالجيّد، أو السيء، من الأعمال المكتوبة على أثير شاشة الكومبيوتر، وإنما بإنتحال البعض لأعمال الآخرين، ووسمها ببساطة بإسمائهم ودونما رادع من ضمير أو مسؤولية. تشديدي على المفردة الأخيرة، مبعثه أنّ حقل الإنترنيت ما فتأ مباحاً لكلّ من هبّ ودبّ، ينتهب ما يحلو له من مواد منشورة، غير آبه لخطورة ما يفعله، أخلاقياً، ما دام على بيّنة من إنعدام المساءلة، قانونياً.
مناسبة الحديث، ما كان من دهشتي، حينما حركتُ سهم quot; غوغل quot; على مقالة لي، فنية، نشرتها quot; إيلاف quot; مؤخراً. مقالتي هذه، كانت ْ إذاً قد ظهرت في الموقع، تحت عنوان: quot; النصّ والسينما: الكرنك لعلي بدرخان quot;. ففي صباح هذا اليوم، (الجمعة 25 ابريل / نيسان 2008)، طالعني المقال نفسه منشوراً في صحيفة quot; الثورة quot; اليمنية، الرسمية، منعوتاً بعنوان محوّر بشكل طفيف: quot; النصّ والسينما.. في فيلم quot; الكرنك quot; للمخرج الكبير علي بدرخان quot;. وتحت العنوان ظهرَ إسمُ كاتبٍ وحيد، على الشكل التالي: متابعة / أحمد الشرفي..! فيما متن المقال المنحول، جميعاً، مُطابق لمقالي لأصل وبلا أيّ تعديل. ولو أنّ إسقاط إسمي، المتواضع، كان سهواً في صفحة quot; المتابعة quot; ـ كذا، لكان حرياً بالناشر، المحترم، ألا ينسى كتابة مصدر المقالة ؛ وهوَ موقع quot; إيلاف quot;، كما هيَ الأصول المتبعة ـ أو المفترض أنها كذلك ـ في عالم الإنترنيت!
صديق لي، يعملُ محرراُ للصفحة الثقافية في موقع إنترنيتيّ آخر، كان قد أخبرني، في الأسبوع الماضي، عن واقعة مُشابهة طرأتْ له. إذ عثرَ بدوره، في quot; غوغل quot;، العتيد، على إحدى مقالاته المنشورة سابقا، وقد إنتحلها أحدهم وقام ببيعها لصحيفة معروفة، قطرية! المقالة المعنية، كانت عن شاعرة كلاسيكية، من كردستان الإيرانية، ؛ هيَ الأميرة quot; ماه شرف خان، تضمنتْ ترجمة لقصائدها عن اللغتين الكردية والفارسية. صديقي هذا، شاعرٌ بدوره وضليع بهاتين اللغتين، ولديه عدد كبير من الترجمات عنهما، منشورة في مختلف الصحف وصفحات الإنترنيت. وعلى أيّ حال، فإنه بادر للإتصال بالصحيفة تلك، القطرية، ووضع مسؤوليها في صورة المسألة / القرصنة. وقد أجابوه من ثمّ بأن طلبوا منه المقال الأصل، واعدين إياه بأنهم سيحترمون حقوقه. ويبدو أنّ أسابيعَ مرّتْ دونما جواب، وعلى الرغم من تلبية طلب الصحيفة تلك، وما كان من الإيميلات، المتكررة، التي أرسلها صديقنا لها. الأدهى، أنّ quot; كاتب quot; المقالة، المنتحِل، ليسَ فقط على جهل باللغة الفارسية ـ كونه من كرد سورية ـ بل وأيضاً على إسم، شبه مجهول، في عالمَيْ الصحافة والإنترنيت!
وقائع كتلك، مُشابهة، يكتظ بها عالم الإنترنيت، بشكل خاص، وتعرض لنا بشكل دوريّ، حتى لقد باتتْ من quot; مسلمات quot; حياتنا الثقافية. فبفضل توفر هذه المطبعة، البيتية، المُسماة quot; كومبيوتر quot; ـ علاوة على ملحقها quot; الإنترنيت quot; ـ فإنّ كثيرين من الأدعياء، البائسين، باتوا يستسهلون إنتحال أعمال الغير ووسمها بأسمائهم، التي ما أنزلَ بها في أيّ خريطةٍ، جغرافية كانت أو أدبية! وعندي، أنّ المسؤولية، أخلاقيا وقانونيا، إنما يتحمّلها بالدرجة الاولى محررو الصحف ومواقع النيت ؛ هم المُفترض بهم إمتلاك رقابة، يقظة، على كلّ ما يرد إليهم من مقالات وترجمات وأشعار، وغير ذلك من مواد ثقافية. خصوصاً، انّ القرصنة الآن أضحتْ أسهلَ منالاً، وما على المُنتحل إلا أن يعمد إلى طرقة هيّنة على سهم المؤشر، لتكون المادة المطلوبة تحت تصرفه، يفعل بها ما يشاء تنويعاً أو تحويراً أو حتى نسخاً! أما لو أننا هنا، في المشرق، كما في الغرب، المتحضر، لدينا ضوابط للنشر ـ قانونية بشكل أساس ـ فإنّ المنتحل لا بدّ ان يتردد كثيراً قبل الإقدام على فعلته، الخرقاء، متفكرا قبل كل شيء بالعواقب المحتملة.
دلور ميقري
التعليقات