يلومنا البعض بشدة عن سبب كلّ هذا التركيز على المشاهد المأساوية في كُردستان، نزولاً ـ كما يذهبون ـ عند رغبة مضمرة بإخفاء الفضيحة، لتفويت الفرصة على العدى شماتتهم!


أي أن السكوت عن الفضائح والمآسي في كُردستان، واجبٌ قومي، ولكي لا يسعد الآخرون الذين يتربصون بالأكراد الدائرة، ويتحينون الفرصة للقهقهة بنوازلهم!


تلك أيضاً مصيبة جلل، ولكن عظيم المأساة، فضلاً عن تسارع تدحرج كرة المصائب والمحن من فوق جبل ذنوبنا، يُعيد فرصة إستيقافٍ تحقيقي للمسائلة بهدف معاينة وعلاج هذا النوع من المرض، إلى مربع الصفر من حيث القيمة والمحتوى في أحشاء جوف مسنن بالأشواك تجرح الجسد والروح، في كلّ شبرٍ وفي كلّ حركة ومن كلّ جانب.


تلك هي كُردستان، بقعة في الأرض، يمشي فيها الموت الصامت حرّاً طليقاً، والناس ما عادوا يهتمون لتكبيله، لأن الضرر إذ يعمّ والخسارة إذ تتسع، يُعيدان بعض البهجة إلى تلك المخلوقات البشرية، التي تعمقت في نفوسهم أهوال الجنح، وآثام الإنسلاخ: الإنسلاخ من قيم الروح والتحول إلى جسدٍ موبوء يحمل الشرّ عن طواعية مكرهة، ليقيم.


الحالات والأحداث التي تحدثتُ عنها في السابق، وفي هذا، وفي اللاحق، ليست معزولة في نسيجٍ متآلف يرى القصر ندراً والعيب شططا.
إنها حركة مجتمع تحولت إلى ظاهرة. نَعم الظاهرة (Norm) التي إن تكاملِ وجودها وفق النمط المذكور، حتى أصبح الشفاء منها في صعاب إزالة جبل بأيادي عارية!

قبل أيام وفي مدينة أربيل، حدثت للمرة الألف بعد الألف، جريمة أخرى من جرائم عالم الطب المنفصل تماماً عن كلّ ضميرٍ وأخلاق، سوى جشع اللذة والإستكان في هوس النيل من الآخر بتعذيبه وإزالته.


في مستشفى خصوصي يُزوَّد أحد المرضى بكمية من الدم. وبما أن لون الدم غير طبيعي، مائلاً إلى الوردي، فإن أقارب المريض يحتجون قبل إجراء التزويد.


لكن الممرضة فضلاً عن الطبيب ينهرانهم بثقة مستكبرٍ أمام (العبيد)، ويتهمانهم بالجهل وعدم معرفة الطب وعلومه!
لكن الدم كان قد مضت عليه أعوام، متحولاً إلى مادة مسمومة، مما يعني أن حدس وملاحظة الأهل (الجهلة) كانت في صواب!
بعد إدخال الدم في الشرايين، يبدأ المريض بالإرتجاف. لكن ذلك لا يقلق (الطبيب) على أنها حالة طبيعية كما قال! فيأمر الأهل أن يذهبوا إلى الصيدلية لشراء أبرة معينة مضادة للرجفة! فيتسارع الأهل لجلب الدواء، لكن ذلك لا ينفع، حتى يلفظ المريض تحت يدي الطبيب العليل أنفاسه الأخيرة، ويفارق الحياة!


قصة نقص الأجهزة والمعدات في كُردستان لها رزيتها. فقبل فترة وأثناء إقامتي في كُردستان، قصدت أكبر مستشفى في مدينة أربيل لإجراء فحوص مختبرية. وجدت الممرضة تعقّم الأنبوب الزجاجي على لولب غازي قديم، يشبه القناديل التي كان أهالي القرى يستعملونها للإنارة في قديم الزمان، يستعمله الأكراد اليوم للإضاءة والتعقيم!!
سألت الممرضة بإستغراب، عن جواز هذا النوع من التعقيم؟!


quot; من يبالي؟!quot; ردّت الممرضة بإهمالٍ مُغطى بضجر عميق، وكآبةٍ غارقة في اليأس!
الأطباء والممرضات في كُردستان لهم قيمهم وسلوكهم الخاص. بالطبع نستثني قلّة قليلة منهم من أصحاب الأخلاق والضمير من الذين يمارسون إنسانيتهم، فإن الأغلبية تمارس الطب في عالم سفلي خالٍ من قيم الأخلاق الإنسانية.
قد يستغرب البعض في إطلاق هذا الحكم القاسي على شريحة، من المفروض أن تكون ملائكية، في مجتمع بحاجة حقاً إلى من يرأف به.


لولا أنني وأقاربي ومعارفي عايننا ولاقينا أحداثاً كثيرة من هذا النوع، لما كنتُ أصدق أن عالم الطب في كُردستان هو أحط خلقاً من عالم السياسة.
أحد الأطباء، وهو مؤمنٌ خلوق، ترك مهنة الطبابة بعدما لم يقدر من تحمل ثقال الإنحطاط، الذي بدر من الأطباء والممرضين على الدوام.


روى لنا حادثة واحدة من تلك الحوادث الكثيرة التي عايشها، والتي يشيب منها الولدان. يهئ مرّة مريضة لإجراء العملية، عن طريق التخدير بالأبرة. ما إن يعود إليها بعد هنيهة حتى يلاقي ثلاثة من الأطباء الذكور يلاعبون المريضة المخدّرة في وضع ليس له شبيه حتى في عالم الحيوان!


إن ممارسة الجنس والإعتداء على المرضى وخصوصاً الإناث، أمرٌ مشاع في (مستشفيات) كُردستان بكثرة.
النساء الحوامل، يلاقين أشد أنواع القساوة والإهانة والضرب، من لدن الممرضات والأطباء أثناء الولادة.
الطبيب في كُردستان يبدو كممثلٍ فاضح، يعرض الأبهة والتكبر على مجتمع من (العبيد)، لذلك فلا يتردد في توجيه أنواع الإهانات اللفظية إلى المرضى وذويهم!

وصف الأدوية الخاطئة، نسيان الأدوات في أحشاء المريض بعد العملية، رفع الأسعار على المراجعين من دون رقيب، إهمال المرضى، التسلي والنسيان وقت الخطورة والطوارئ، الجهل بحقيقة الطبابة والتطورات العلمية وفضائح أخرى كثيرة هن صفات الأطباء والعاملين في هذا الحقل بكُردستان.


في الواقع إن الطبابة هي من أنبل المهن، وأكثرها رحمة ورأفة. هذا ما يلاحظه المرء في المجتمعات الحرّة التي ما إن يدخل واحدنا المستشفيات أو المستوصفات حتى يشعر أن العاملين فيها كأنهم ملائكة الرحمة.
وفي هذا الواقع الأسود إذ يخرج المواطن خالي الوفاض، ممتلئاً بالحسرة والقهر، تجد الحكومة غائبة تماماً!
وبالطبع ليست هناك في كُردستان حكومة على أرض الواقع، وما هو موجود قلناه في السابق، أنه حكمٌ متخلف يديره رجال مسلحون شربوا حليب الحياة من أثداء العشائر المتخلفة والميليشيات، التي تتسلى بنشر الموت فنّاً وبطولةً.
الأنكى من ذلك في هذا الحزن والقهر المحتبس، هناك أحياناً توافق وتعاون كاملين، بين الأطباء وبعض السياسيين في تدبير الجريمة.
فأحد الأطباء المعروفين وهو حزبيّ ويشغل منصباً رفيعاً، إنكشفت عنه فضائح التستر على جرائم الإغتصاب بحق الفتيات الكُرديات، من قبل مسئولي الحزبين الحاكمين!


والحال فإن كُردستان أصبحت مختبراً وساحة، لتجارب وجرائم الأحزاب ومسئوليها. وما يتبقى يتولاه الأطباء و التجار في (عملية أنفال) حقيقية ولكنها تجري بصمت!

الصحافة الكُردية ممتلئة بأخبار هذه الكوارث، التي في الواقع ليس لها مثيل ـ ربما ـ في منطقة أخرى في هذا العالم!
والسبب في هذا التفوق الكُردي!، عائدٌ إلى الفوضى والتخلف والبداوة والشرور المستحكمة بأرواح، وقلوب المستحوذين على المسئوليات العامّة.


عدد الفضائح والمآسي والجرائم يفوق التصور، والإعلام الكُردي خير شاهد على ذلك.
قبل أيام، كشفت الصحافة الكُردية فضيحة أخرى أكبر من كارثة حلبجة. ففي تركيا، بمدينة غازي عنتاب، كانت الدولة التركية قد بنت مؤسسة لتزوير المطبوعات والإعلانات. هذه المؤسسة مهمتها وضع مطبوعات مزورة تظهر تأريخاً جديداً على الأغذية التي انتهت صلاحيتها، والمتحولة إلى سموم ومن ثم إرسالها إلى كُردستان عن طريق التجار الأكراد أنفسهم!!


وصرّح وزير الصحة أن quot;هذه الأغذية تتسبب في إنتشار أمراضٍ فتاكّة بين الأكرادquot; قد لا يكون العقم والسرطان من أخطرها!
وليس سرّاً قول الوزير نفسه أن معدلات الأعمار في كُردستان تتراوح بين الخمسين والستين للرجال والنساء، أفضل من الصومال بقليل وفق تصريح الدكتور زريان، وزير الصحة، للصحافة الكُردية.


السلطة الكُردية، ووزرائها الإثنين والأربعون، ساكتة سكوت الغلام الأمرد اللعوب، الذي لا يهمه أمر هذا الشعب المسكين!
والسرّ في ذلك أن هذه السلطة المزورة قوميّاً، متواطئة مع أعداء الشعب الكُردي، لذلك فإن مسئوليها هم الذي يتعاملون مع دول الجوار، التي تبعث السموم والأدوية الفاسدة والأغذية المليئة بالأمراض، في تجارة رابحة يعود ريعها إلى جيوب المسئولين والتجار الأكراد، فضلاً عن الدول المجاورة التي تحارب وجود الكُرد القومي!


لهذا فإن مسئولين من هذا النمط لا يهمهم إذا كان الأطباء والممرضات قد تحولوا إلى جزّارين بحق شعبٍ أعقف الزمان ظهره، وألوت المآسي عنقه بإستمرار.

الشعب الكُردي اليوم يواجه حملة إبادة حقيقية بيد الوحوش المفترسة. وللأسف فإن عناصر من الأكراد: ساسة، أطباء، ممرضات وتجار تحولوا إلى مطايا لعبور الموت والكارثة من تخوم الأعداء نحو شعبٍ فاقدٍ للإرادة!


نعم شعبٌ فاقد الإرادة يملك مثقفين (إلا القلّة) ديدنهم الذل، ومحتواهم الفضاوة، وهمهم عطاء سلطة مخنثة!
هل أدل على ذلك من عدم قيام مظاهرة واحدة، منذ سنين طويلة، وكلّ هذه الكوارث تفتك بهذا الشعب؟!

علي سيريني

[email protected]