مع انهيار النظام الرأسمالي الإمبريالي بدءاً من إعلان رامبوييه 1975 والإنهيار الإشتراكي الذي رافقه بل وسبقه بدءاً بصعود خروشتشوف، رجل العسكر والطبقة الوسطى، رأس السلطة في الإتحاد السوفياتي في العام 1954، فقد رافق بالضرورة هذين الإنهيارين انهيار ثالث هو انهيار ثورة التحرر الوطني التي كانت نهايتها الأخيرة تعني تفكيك النظام الرأسمالي الإمبريالي في العالم، كان هدفها هو نفس هدف الثورة الإشتراكية العالمية لكن بلا اشتراكية كما طمح قادتها خلافاً لحقائق العصر ولما استهدفت قاعدتها.
الإشكال السياسي الذي تعاني منه شعوب العالم الثالث اليوم وبشكل خاص الشعوب العربية هو أن عامة السياسيين، وكانوا بمختلف أطيافهم منخرطين في أعمال التحرر الوطني، قد عزّ عليهم أن يعلنوا إفلاسهم ويغلقوا دكاكينهم نهائياً، فلم يجدوا مخرجاً سوى الإدعاء باستمرار جذوة العمل الوطني رغم أن معظمهم يعلم تماماً أنه يكذب على نفسه قبل الجماهير فيتنادون إلى بعث القضية القومية التي ما تنادوا إلى بعثها لولا علمهم بأنها ماتت وشبعت موتاً. ومن المثير حقاً أن يشاركهم الشيوعيون quot; سابقاً quot; في مثل هذا الترائي التضليلي.
من أوجب واجباتنا ألا نترك الجماهير لضلالة السياسيين وأن نشرح للسياسيين أنفسهم من الذين لم يتأكدوا بعد من موت المسألة الوطنية، أن نشرح لهؤلاء وأولئك كيف ولماذا ماتت المسألة الوطنية وأنها لم تعد مسألة تحتاج إلى حلّ. من أجل تيسير مثل هذا الأمر لا بد لنا من أن نتفحص في مراجعة تاريخية (retrospect) جوهر المسألة الوطنية ومكوناتها.
الدولة كوحدة سياسية لم تكن موجودة في التاريخ القديم إلا في شكل الدولة البطريركية وهي التي كانت الإمبراطورية العثمانية آخر أمثلتها وتفككت فقط في صدر القرن العشرين بفعل الحرب العالمية الأولى. في ظل الدولة البطريركية العثمانية ومثيلاتها المملوكية والعربية الإسلامية (الخلافة) لم يعرف الناس quot; الوطن quot; ولا أي معنى من معاني الوطن. عاشت التجمعات السكانية في ظل هذا الشكل من الدولة قروناً طويلة مظلمة دون أية علاقة تربطها بعضاً ببعض حتى المتقارب منها بالجهة وباللغة والثقافة. فما كان يربط القدس مثلاً باسطنبول كان أقوى بكثير مما كان يربطها بدمشق ؛ كان ما يقرر مصائر الناس في دمشق هو ما تقرره اسطنبول وليس له أدنى علاقة بما يجري في بيروت أو في حلب. لم يكن هناك مصالح مشتركة بين أي مدينتين من هذه المدن العربية وحتى تلك الواقعة في منطقة جغرافية واحدة. وكان ما يؤكد ذلك هو العداء المستحكم مثلاً بين أهل البادية وسكان الحواضر في بلاد الشام إذ كان السلطان العثماني يرسل الحاميات التركية لتحمي الفلاحين في الحواضر الشامية من اعتداءات القبائل البدوية في بادية الشام ومن حملات الغزو والنهب التي تشنها القبائل البدوية ضد الفلاحين.
النظام الإقطاعي الذي سند الدولة البطريركية أخذ بالإنهيار مع ظهور المدن البورجوازية(Bourgs) في أوروبا وازدهار صناعة المانيفاكتورة فيها خلال القرنين السادس والسابع عشر وما تبع ذلك من نشاط تجاري (Mercantilism) راكم رؤوس أموال كبيرة لم يُعهد مثلها من قبل، وهو ما وفر شروط قيام النظام الرأسمالي وتكامل تطور الدولة الحديثة خلال ذينك القرنين. الدولة الحديثة التي نعرفها اليوم لا علاقة لها بالدولة القديمة في أوروبا قبل القرن السابع عشر، وقبل الحرب العالمية الأولى والثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين بن علي في الشرق الأوسط. تلكم كانت دولاً بطريركية تخص قبائل وأجناس بعينها وموظفة ضد مواطنيها من قبائل وأجناس أخرى.
ثمة خلاف نوعي بين الدولة الحديثة ونظيرتها الدولة القديمة، اللتين لا تتماثلان حتى بقوة القمع لدى كلتيهما. فالدولة الحديثة تتشكل تبعاً لنفوذ طبقة إجتماعية ذات وسيلة للإنتاج كافية بمقدار أو بآخر على تلبية احتياجات المجتمع من أسباب العيش. بالعكس تماماً من نظيرتها الدولة القديمة التي تشكلت تبعاً لمقدرة عرق معين أو قبيلة معينة في البطش ونهب منتوجات الأعراق والقبائل الأخرى. الدولة الحديثة تستخدم قوى القمع تحت سيطرتها لحماية نمط معين من أنماط الإنتاج وتمهيد الطريق لتقدمه ونموه، على العكس من الدولة القديمة التي تستخدم وسائل القمع تحت سيطرتها لمنع مختلف وسائل الإنتاج من التطور من خلال نهب عوائدها التي هي العامل الحدي في تطورها. الإنتاج الزراعي والحرفي في الحواضر الشامية في العام 1916 لم يختلف كثيراً عنه في العام 1516، أي قبل أربعة قرون لدى اجتياح العثمانيين بلاد الشام. الدولة الحديثة هي دولة الطبقة المنتجة والدولة القديمة هي دولة العرق الطفيلي أو القبيلة التي تعتاش على النهب وقطع الطرق، هي الدولة المعادية بطبيعتها لكل وسائل الإنتاج.
الخارطة الجيوسياسية في العالم كله لم ترسم إلا في ظل الدولة الحديثة ولم تتعرّف الشعوب على مفهوم الوطن وعلى مفهوم الأمة إلا بعد تنامي النظام الرأسمالي كوسيلة إنتاج يشارك فيها كل أفراد المجتمع بشرائحهم المنتجة المختلفة. الولايات الألمانية المتحاربة لم تتوحد لتتشكل الأمة الألمانية وألمانيا الوطن إلا مع تنامي نظام الإنتاج الرأسمالي. وكذلك الحال مع الإمارات المستقلة في إيطاليا. مفهوم الأمة العربية لم يدخل في الثقافة العربية قبل أن تطرح الصناعات الحرفية الشامية مشروعها القومي في الثورة العربية الكبرى بقيام المملكة المتحدة وملكها الحسين بن علي كوطن لهذه الأمة. وما هو جدير بالإعتبار في هذا السياق أن مفهومي الوطن والأمة لدى قيام الثورة 1916 اقتصرا فقط على المجال الحيوي (catchment) للصناعات الشامية في المشرق العربي باستثناء مصر وجميع البلدان العربية في أفريقيا.
طالما أن شبكة الإنتاج الرأسمالية هي ما يحدد مفهومي الوطن والأمة وكيانهما، فهي ذاتها أيضاً ما يحدد التكوين النفسي والثقافي للأمة. من هنا يتحتم الإعتراف بأن المسألة الوطنية، وهي موضوع بحثنا، تتعلق مباشرة بشبكة الإنتاج الرأسمالية. الموضوع الرئيسي لكل مسألة وطنية هو تجديد شبكة الإنتاج الوطنية وتنميتها أو المحافظة على استمراريتها ومثل هذه العملية تستبطن دون شك صراعاً طبقياً يتمحور حول مثل هذا التجديد. هكذا كانت طبيعة المسألة الوطنية في مشرقنا العربي حيث رغبت البورجوازية الشامية بعد انعتاقها من نير العبودية العثماني في الإنتقال بصناعاتها الحرفية اليدوية إلى صناعة حديثة ممكننة على الطريقة الرأسمالية بداية أو طريقة quot; الإشتراكية quot; البورجوازية أخيراً. في الصين تحالف الكومنتانغ والشيوعيون في الحرب على المحتلين اليابانيين من أجل تحرير الصين كشرط أولي لإقامة شبكة إنتاج رأسمالية بتخطيط الكومنتانغ أو اشتراكية بتخطيط الشيوعيين. وقاتل عبد الناصر الإمبريالية بحرب لا هوادة فيها لإقامة شبكة إنتاج رأسمالية في مصر قبل العام 1961 وشبكة إنتاج اشتراكية بعدئذٍ. البورجوازية الوطنية تميل غالباً إلى السكوت على أهدافها الحقيقية من معركة التحرر والاستقلال والاكتفاء بالتأكيد على الأهداف الرومانسية في الحرية والسيادة والاستقلال. إلا أن جماهير العمال والفلاحين التي تشكل الجيش الحقيقي في معركة التحرر ليس لها شأن بهذه الأهداف الرومانسية إلا بمقدار ما تكون أدوات في تحقيق التنمية وشبكة الإنتاج التي تنتج خبزاً.
فيما قبل انهيار العوالم الثلاث في السبعينيات، وخلال ثورة التحرر الوطني 1946 ـ 1972، توفر نمطان من التنمية لا ثالث لهما للدول المستقلة حديثاً وهما التنمية الإشتراكية أو التنمية الرأسمالية، إما أن تنتج البروليتاريا بقرارها الحر فتستورد التكنولوجيا والأموال اللازمة من المعسكر الإشتراكي وإما أن تنتج مأجورة فتستورد التكنولوجيا والأموال من المعسكر الرأسمالي، ولو أن الخيار الرأسمالي لم يكن متاحاً إلا لعدد محدود من الدول وهي تحديداً تلك التي كانت كوريدورات مفتوحة للثورة الاشتراكية مثل ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية وبلدان جنوب شرق آسيا فيما بعد، حيث كانت التنمية الرأسمالية شرطاً لازماً لمقاومة الشيوعية. في تلك الأجواء المحمومة، أجواء المعسكرات الثلاث المتحاربة شكلت المسألة الوطنية قضية الساعة وبلغت من السخونة حد اندفاع 29 دولة أسيوية وأفريقية إلى الإجتماع في باندونغ ـ اندونيسيا في إبريل 1955 للتباحث في التعاون الإقتصادي من أجل ما أدّعي بأنه تنمية مستقلة ـ وهي ليست كذلك. في ذلك المؤتمر تشكل ما عرف بمعسكر عدم الانحياز أو العالم الثالث. المسألة الوطنية انحصرت داخل حدود هذا المعسكر وتجسدت حقيقة بالطريق نحو بناء تنمية مستقلة في كل دولة من دول العالم الثالث، تنمية تكون الأساس الصلب الذي تستند إليه كل معاني الحرية والسيادة والإستقلال.
بعد انهيار العوالم الثلاث وانهيار المعسكر الإشتراكي بشكل خاص، وهو سند حركات التحرر الوطني الوحيد والقوي، أصبحت المسألة الوطنية أثراً بعد عين. كل الشروط التي توافرت خلال فترة التحرر الوطني التالية للحرب العظمى الثانية اختفت اليوم تماماً. لقد أضحت التنمية الحقيقية أو بناء القاعدة المادية للإنتاج مستحيلة أو شبه مستحيلة وذلك للأسباب التالية:
1.باختفاء المعسكرين الرأسمالي والإشتراكي من على المسرح الدولي لم يعد بإمكان البورجوازيات الوطنية وهي تقود ثورة التحرر الوطني أن تناور بين المعسكرين وتقوم بالابتزاز لصالح تنميتها الخاصة على النمط البورجوازي الرأسمالي.
2.مع انتهاء مشروع البورجوازية الوطنية قبل إكتماله انتكست البورجوازيات الوطنية لترضى بالشروط القائمة بما في ذلك روابط التبعية، وتحولت القيادات النافذة فيها إلى كومبرادور وضيع، وباعت ثورتها بثلاثين قطعة من الفضة بمثل ما باع أنور السادات ثورة مصر الناصرية.
3.انعدام أي مركز يورّد التكنولوجيا ورؤوس الأموال اللازمة للتنمية الوطنية، فلم تعد هناك أية جهة في العالم مهتمة بتنمية البلدان المتخلفة لأي سبب من الأسباب. أما القول بأن البورجوازية لم تكن راغبة بفك الروابط مع الرأسمالية الإمبريالية الدولية فهو زعم باطل ومجافٍ للحقيقة إذ لا يمكن القول بأن جمال عبد الناصر لم يكن راغباً بفك الروابط مع الإمبريالية. بل حتى أنور السادات نفى تلك المزاعم وكانت حجته أن المعسكر الإشتراكي بقيادة الإتحاد السوفياتي لم يعد راغباً ولا قادراً على حماية الثورة الوطنية وإنجازها، وهذا سياسة صريحة أرساها خروشتشوف في المؤتمر الحادي والعشرين للحزب الشيوعي السوفياتي في العام 1959 الأمر الذي لا يساعد على تكذيب أنور السادات.
4.خططت البورجوازية الوطنية لأن تقيم تنمية وطنية داخل أسوار جمركية عالية ومثل هذه الأسوار غدت اليوم مستحيلة وممنوعة تحت مظلة منظمة التجارة العالمية (WTO) وبغياب الأسوار الجمركية العالية تستحيل التنمية الوطنية. لقد غدا استقلال التنمية مستحيلاً بعد أن أصبح متعذراً فك الروابط مع الإقتصاد الدولي وقد كان ذلك شرطاً أولياً وأساسياً في ثورة التحرر الوطني.
5.عمد إعلان رامبوييه نوفمبر 1975 (G 5) إلى تعميم الإقتصاد الإستهلاكي (consumerism) في العالم كله وفي ظل تأصّل عادات الإستهلاك الواسع في الشعوب بمختلف أجناسها ـ عدا الجنس الأصفر ـ انعدمت كل فوائض الإنتاج وتحقق عجز الإدارة الوطنية عن تحقيق أي تنمية بل العكس تماماً هو المتحقق وهو ما أخذ يضطر هذه الإدارات إلى البحث عن مصادر الإستدانة من أجل استيراد ما يفي بإشباع احتياجات الشعب للإستهلاك الواسع.
6.الطبقة البورجوازية هي الطبقة المبادرة للثورة من أجل التحرر الوطني وذلك بسبب طموحها في الحلول محل الإمبريالية في استغلال مواطنيها من العمال والفلاحين الذين يتطوعون في هذه الثورة وهم يعلمون تماماً أن استغلالهم من قبل البورجوازية الوطنية سيكون أقسى وأكثر جوراً من استغلال الإمبريالية، يتطوعون في النضال ضد الإمبريالية من أجل تفكيكها عالمياً وانتصار الإشتراكية بصورة نهائية، إنتصار مشروع لينين في ثورة أكتوبر 1917. اليوم وقد غاب شبح الإشتراكية من كل آفاق العالم في الأمد المنظور على الأقل لم يعد هناك ما يستدعي العمال وفقراء الفلاحين للتطوع في أي معركة وطنية بافتراض وجودها وهي ليست موجودة في كل الأحوال.
للباحث في المسألة الوطنية أن يذهب أبعد من هذا فيتساءل عن طبيعة المستنبت الذي نبتت فيه المسألة الوطنية. تشكّلت المسألة الوطنية في البلدان التي خضعت للإمبريالية وكان حلّها يعني مباشرة التحرر من الهيمنة الإمبريالية. لكن ما الجديد الذي مكّن هذه البلدان من التحرر بعد أن خضعت للهيمنة الإمبريالية منذ البداية ولأمد طويل؟ الجديد هو تنامي بورجوازية كبيرة على هامش العلاقة بين المركز الرأسمالي والسوق المحلية. لا يتمكن المركز الإمبريالي من استعمار واستغلال البلد التابع دون إيجاد شرائح وطنية محلية تتعامل معه. مثل هذه الشرائح تنمو كطبقة بورجوازية قادرة تطمح للحلول محل الإمبريالية في استغلال مواطنيها من العمال والفلاحين من خلال بناء إقتصاد رأسمالي وطني مستقل. من هنا يمكن القول بكلمة أن المسألة الوطنية إنما هي تنامي طبقة إجتماعية ذات قدرات تتجاوز علاقات الإنتاج السائدة في بلادها والتي هي من نسيج المستعمر. في جميع البلدان التي نهضت تطالب بالحرية والإستقلال كانت الطبقة الناهضة فيها هي طبقة البورجوازية الكبيرة.
في سائر الدول التي وصفت سابقاً بالبلدان النامية ومنها الدول العربية ليس هنالك اليوم من طبقات نامية. في المرحلة الحالية الطارئة على التاريخ جميع الطبقات المنتجة في مختلف المجتمعات قد تراجعت متخلفة حتى في وسائل إنتاجها. طبقة العمال إنكمشت لدرجة خطيرة، وطبقة الفلاحين تلاشت تقريباً، وطبقة الرأسماليين تشظت إلى فلول مهزومة. قبالة هذه الطبقات الإنتاجية الثلاث المتراجعة تنامت طبقة استهلاكية نمواً سرطانياً هي الطبقة الوسطى. الطبقة الوسطى بخلاف كل الطبقات الأخرى تدفع بالمجتمع إلى التخلف وهي مثل الطفيليات ودود العلق تتغذى على دماء الطبقات المنتجة. الطبقة الوسطى لا تنتج ثروة بل تستهلكها ولذلك يتخلف الشعب أكثر كلما تنامت الطبقة الوسطى فيه. ما يثير الحنق والسخرية معاً في آن واحد هو أن الغاوين في امتهان السياسة ومنهم الشيوعيون سابقاً ينادون اليوم إلى بعث المسألة الوطنية ـ لعلمهم أنها ماتت دون الإقرار بذلك ـ يدعون بذات الوقت إلى توسيع الطبقة الوسطى وحماية وسائل عيشها وتطويرها!!
ليس مناكفة بالغاوين في امتهان السياسة بل إزاحة للغشاوة التي تغطي أبصارهم نشير إلى أن بعث quot; المسألة الوطنية quot; بعد أن شبعت موتاً يتم فقط بفينيق quot; المسألة اللاوطنية quot; وهو ما يعني استبدال العدو الخارجي الذي لم يعد موجوداً بالعدو الداخلي الذي أخذ يتهدد مصائر الأمة بالخطر الماحق ألا وهو الطبقة الوسطى. quot; النظام quot; الإقتصادي الذي تأتي به الطبقة الوسطى هو الإقتصاد الإستهلاكي (consumerism) من حيث أن الطبقة الوسطى تستهلك الثروة ولا تنتجها. وفي ظل مثل هذا التراجع في وسائل الإنتاج لا يمكن أن تنمو أي طبقة من طبقات الإنتاج المعروفة على الإطلاق ولا يمكن تبعاً لذلك أن تتعرف الأمة على أي مسألة وطنية من أي نوع جديد.
غياب التشخيص الصحيح للمسألة اللاوطنية في وقت مبكر من شأنه أن يدفع بالعالم إلى مصائر مجهولة ليس غائباً عنها الفناء التام لكل البشرية. كلما تأخرت الطبقات الإنتاجية المعروفة في الإتحاد في أعرض جبهة تعمل على اجتثاث سرطان الطبقة الوسطى كلما تقلصت فرص الإنقاذ. المسألة الوطنية الأكثر إلحاحاً اليوم هو تحويل المجتمع من مجتمع استهلاكي تسوده الطبقة الوسطى إلى مجتمع إنتاجي، مجتمع الوفرة، يسوده تآلف من طبقات الإنتاج الثلاث التقليدية، العمال والفلاحين والرأسماليين، في ديموقراطية شعبية أو أي طبقة من هذه الطبقات الإنتاجية الثلاث.
فـؤاد النمري
www.geocities.com/fuadnimri01
التعليقات