بعد معاناة قاسية امتدت لخمس سنوات، من دمار وعنف وارهاب، شهدتها الساحة العراقية بفعل تدخلات الدول المجاورة، وباشراف من سلاطين جائرين من أهل الحكم لتلك الدول، ذبحوا العراقيين وأرادوا أن يقضوا على الوجود العراقي، خاصة من دولة إيران، التي مدت الجماعات الارهابية والمسلحة بكل أشكال الدعم، لتعيد أمجاد امبراطورية داريوس، مشاركة مع دول عربية لذبح وقتل النفوس البريئة من العراقيين، بعد أن نالوا حريتهم واستعادوا كرامتهم مع سقوط صنم الاستبداد والطغيان، بعد معاناة طويلة استرد العراق عافيته.


أجل، بعد خمس سنوات أثبت العراق صلابته في امتصاص التحديات الكبيرة التي وجهت له، وأثبت العراقيون وطنيتهم العالية وتمسكهم الخارق بالوطن الواحد والامة الواحدة، فاخذ العراق ينهض من جديد، مستندا الى مرتكزاته الوطنية والدستورية، هذا العراق بدأ يخرج مرفوع الرأس ليعيد بناء كيانه، وبناء امته على اسس جديدة للحياة مستندة الى نهج انساني ونظام ديمقراطي تعددي فيدرالي.


هذا النهوض، يأتي في وقت، استعمل بعض العرب كل أوراقهم الماسخة الغارسة في الجرح العراقي، واستعملت إيران كل أوراقها القذرة لافتعال الفتن والحروب الطائفية، لكن مع النهوض المتسم بالحيوية العراقية، بدأت كل تلك الأوراق بالتساقط، وبدأت تعري أصحابها وتظهرهم على حقيقتهم المتسمة بالشر ونكران الجميل.
ومن باب المنطق، نقول ان هذه الحقائق لا نسردها من فراغ، بل من حقائق أخذت ترسخ نفسها على أرض الواقع، والمشهد الأخير لاحداث البصرة وبغداد بخصوص جيش المهدي والمجموعات المسلحة المارقة، أثبت بأدلة دامغة التدخل السافر للدول المجاورة بالشأن العراقي، واتهام وزير الدفاع عبد القادر العبيدي جميع دول الجوار بالتقاسم في عملية دعم الجماعات المسلحة في العراق، وتأكيده إن معظم دول الجوار تسلح وتمول مجموعات مسلحة عراقية بأسلحة ثقيلة أو تقوم بتدريب أفرادها أو تمويلهم، لم يأت من فراغ.


ورد المتحدث باسم خطة فرض القانون اللواء قاسم عطا في مؤتمر مشترك مع الادميرال دريسكول الناطق باسم القوات متعددة الجنسيات حول سؤال لـ quot;الصباح الجديدquot; البغدادية عما اذا كانت القوات العراقية قد عثرت على اية ادلة تثبت التورط الايراني في الاحداث قال انه quot; تم العثور على اسلحة ايرانية المنشأ في مناطق مختلفة من بغداد وكذلك الحال في البصرة quot;.


هذا في وقت سابق، قال الأدميرال مايكل مولن قائد هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي إن العمليات العسكرية الأخيرة في البصرة أظهرت تورط قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في دعم المسلحين، وأنه إطلع على معلومات إستخبارية بخصوص الأسلحة القادمة من إيران.


هكذا نجد ان تدخلات الدول المجاورة في الشؤون العراقية مكشوفة ومفضوحة، خاصة لايران، وهذه التدخلات، والحمدلله بدأت بالتراجع بعد أن وصلت الى ذروتها، بفضل صمود العراقيين، وتقديهم ضريبة غالية من دمائهم وأرواحهم الزكية، ولكن هذا لا يعني ان نقف مكتوفي الأيدي وأن نكتفي بالموقف العراقي ضد التدخلات الإيرانية، وان يقف العرب متفرجين على الساحة بينما الامتداد الإيراني بدأ يضرب بالعمق، في العراق ولبنان وفي سوريا وفي الخليج، بينما الموقف العربي منكمش ومتراجع، خاصة الموقف الخليجي، الذي بدأ بالإنكماش من فترة طويلة، ولم يكتف الخليجيون بهذا، بل يصرون على بقاء الديون واستقطاع التعويضات من العراق في ظل الواقع المرهق الذي يمر به.


لذا أجد من باب أولى، ومن باب الحكمة، ان يفيق العرب من سباتهم وان ينهض أهل الخليج من انكماشهم، للوقوف بوجه الهجمة الايرانية الشرسة على العراقيين وعلى العرب، والتي تسببت في نزف وهدر أرواح أبناء أمة بلاد الرافدين طوال السنوات الماضية، وحان الوقت للنهوض بصحوة خليجية وعربية موازية للصحوة العراقية العامة التي دفع بالعراق ان يستعيد عافيته وقدرته، ولكي تكون هذه الصحوة مستندة الى مواقف عملية، نجد من الضروري الاستعانة بالآلية التالية:
* دعم العراق بكل أنواع الدعم المادي والمعنوي لتعزيز نهوضه، للوقوف بحزم امام كل التدخلات الايرانية والعربية في الشؤون العراقية.
* دعم العراق في تقديم أمراء الحرب والشخصيات التي تعمل بتوجيهات خارجية الى المحاكم، لنيل الجزاء القانوني جراء مواقفهم وافعالهم الشريرة بحق العراقيين.
* العمل الدبلوماسي المكثف في الاوساط الاقليمية والدولية، لكشف الدور الإيراني الخبيث في العراق، ودفع الجهات الدولية، كمجلس الامن الدولي، الى اصدار قرارات وبيانات تدين التدخلات الايرانية.
* العمل على دعم المعارضة الإيرانية والتعامل بالمثل للتأثير على الواقع الايراني من الداخل.
* العمل على تشكيل جبهة عربية مناهضة للدور الايراني في الشرق الاوسط للوقوف بوجه امتداداته ونفوذه المخرب في المنطقة، خاصة في لبنان وفلسطين.


هذه الآلية الموجزة المطروحة، تشكل أرضية مناسبة للاستناد اليها، لتحديد موقف جدي وحازم من التدخلات الايرانية التي بدأت تنخر بالمنطقة من فترة طويلة، لان هدف التوجه الإيراني متعمد هو لنخر البنيان التحتي لشعوب وبلدان المنطقة، ولولا الموقف العراقي الصامد، لوصلت المنطقة الى مرحلة انهيار شاملة، لهذا لا بد من الاستفاقة، ولا بد من ازالة الانكماش الخليجي لقطع دابر الامتداد الإيراني تجاه شعوب المنطقة، وعسى أن تكون هذه الاستفاقة والصحوة قريبة، لان الوقت قد حان لاطلاقها.

د.جرجيس كوليزادة
[email protected]