لكل أمة رجال يرفعون شأنها، ويحفرون إسمها عالياً في ميادين التأريخ ومآثره. والأمم تُعرف برجالها.
تصعد الأمم وتذبل في حضن الحياة ووهدة الموت. الرجال القلائل الذين يصنعون التأريخ، يسعفون أممهم ويقودونها نحو برّ الأمان فالإنجاز. أي أمة أو جماعة من البشر لا تستطيع قيادة نفسها نحو النصر، إلا عبر قائدٍ حكيم صابر شجاع.
الشعب الكُردي اليوم خاوي العزيمة، رخو الهمّة، ذابل الأمل، منهزم في الميدان ومسلّم أمره لأقدار الرحمن، دون إستشفاف أفق رحب، أو تبصّر درب نجاة، أو سلوك سبيل شفيف. والسبب يا سيدي كما تعرفه، ويعرفه الجميع أن قادة الأكراد ليسوا بأهل الأمانة إذْ وسدت إليهم، ولا هم من رجال السيف ساعة الوغى، ولا حكماء المنطق والعدل ساعة السلم.
فالشعب الكُردي يقوده بعلٌ تعب الجهلُ في نفوسهم طول مكوثه، وضجرت السياسة في أيديهم دورة الفراغ في الغيّ والظلمات.
قادةٌ لا همّ لهم في مسائلة أنفسهم في الواجبات الملقاة على رقابهم، سوى تدبير المكائد للمكوث في السلطان، ولا رؤية عندهم لمستقبل قومٍ أبحروه في لجّة المحيط بسفينة أثقبوها من كلّ طرف.
ساسةٌ تفرغوا للهو، ورابطوا حريصين على جمع الأموال وإيداعها في خزائنهم المتفرقة، فيما قومهم أهلكته نائبات الزمان.
ليست هذه الأمور بخافية على سيادتكم، ولا شك أن صحف الأكراد تبلغ ضفافكم، وفيها أمواج الأخبار من نكبة إلى أخرى ومصيبة إلى أعظم.
وبلغت المصائب بشعبك حدوداً تحيّر الحكماء، وتُخيف العلماء من مستقبلٍ سيغلق أبوابه بوجه أجياله حتى يقضوا في قهر الإنهزام.
ولستم بحاجة إلى من يشرح لكم أحوال أولئك وأحزابهم. فاليوم يومهم، نحساً مستمراً لبني الكُرد حاسرين.
وما من داءٍ في أي قوم من الأقوام، أكبر من داء الفرقة والشرذمة، وإختلاف الكلمة، وتباعد الصفوف.
وإذا كان لكلّهن أسباب منوّعة في كلّ قوم، فإن أسبابها لدى الأكراد عائدة إلى إختلاف القادة والأحزاب، وفوق ذلك إختلاف رأي الشعب وعدم إجتماعه على رجلٍ يلم شملهم من فرقةٍ، ويقرب غايتهم من بعاد.
وإذا ما كان هناك إجتماع محدود على أحد القادة، فمن عصبية طائفية (لغوية أو مناطقية)، أو تغليب مصلحة خاصة مؤقتة على مصلحة العامّة.
فوالله ما ذلك إلا بمصدر الشرور وآفة الآفات في شأن الأمة، وأمور الدولة، ووحدة الكلمة.
وكما تعلمون أن في الأكراد أحزاب مختلفة، ومذاهب سياسية متفرقة، وزعماء تجمعهم مصالح مقسومة بينهم، وتفرّقهم قضايا شعبهم بعد إهمالها ونزولها من مرتبة الأولويات، كانت لا بدّ أن تجمعهم على كلمة واحدة وهدف سامي ومستقبلٍ يبنوا فيه مجدا.
ومنذ وفاة الزعيم الراحل ملّا مصطفى بارزاني، لم تجتمع كلمة الأكراد على قائدٍ وزعيمٍ مثل ما إجتمعت عليك، في طواعيةٍ ورضى.
فلم أسمع من الكُرد ما يسئ إليك. لقد سمعت مقالات حسنة، وشهادات تتفق على حسن سيرتك في الرعية بسداد الرأي، وصلاح الأمر، ونظافة اليد، وطهر العورة.
وحتى الإسلاميين على إختلاف مشاربهم يقرّون لكم بما تقرّ به العامّة ويقولون فيك قولاً سديدا. وكما معلومٌ فإن نيل الرضى من الإسلاميين، لرجلٍ من العَلمانيين، قد يكون بمثابة رجاء الماء من الصخور الملساء!
وإذا كان الأمر كذلك، فما الحكمة البليغة في تحجيم نفسك تحت إبط من أثقلت عليه بدانته حمل نفسه، كهلاً طاحناً في السنّ يعيش طفولته في شيخوخته؟!
ما المصلحة العظيمة في بقائكم داخل حزب متعدد الأهواء، ومنقسم الكتل بزعماءٍ لا يضمرون لكم غير الكره، وإن أبدوا خلاف ذلك فسياسة يعجنون لها من خميرة المكر والخداع؟!
وفوق ذلك أصبحوا رموزاً للشرّ والفساد والظلم والغدر!
فهل هذا موقعك أن تكون بين الأشرار الأذلّاء، وقد ظفرتَ بقلوب أبناء شعبك، خصصت لك مقاماً في العلياء؟!
وإذا كان شعبك يريدك، وقد إجتمع عليك أمره، ونظرت إليك عزيمته و امتد أمله مداك فلماذا لا تعود إليهم بعد هجرٍ، قد يكون مدبّراً لإبعادك عن المنزل المقصود، والمرمى المحمود الذي يلمّ بك وأنت عنه مبعدٌ إن لم تكن منفيّا؟!
إن الحكمة تفرض مفرداتها بصحيح الفكر، وصحة الرأي أن لا تتحمل ذنوب غيرك، وتبيع الغالي بالرخيص، وتستبدل سلطة الحب من شعبك، بعطاء خسيس من الفاسدين، أو ربما يعطونك من طرف لسانهم ليستميلوك إليهم، ليس لخدمة الشعب وإنما لتقوية سلطتهم وتجميل قبح صورتهم.
إن العودة إلى كُردستان وجمع شملٍ نقي غير فاسد من أناسٍ أحرار، في صفوف حزبٍ حرّ مخلص للشعب والوطن، من أشدّ الضرورات وأنبل الغايات لإصلاح ما أفسده زعماءٌ ديدنهم الجشع، وأخلاقهم الرذيلة، وجوهرهم الجهل، وغايتهم الشهوة!
إنه ليس ينقصك إنتظار المدة حتى تتحقق من أن اليأس قد قطع حدوده، في إبتغاء الخير من هؤلاء. وليس ينقصك شئ مما يجعلك تتردد في قيادة شعبك، وأنت لهم رجل المرحلة، ومنّ الله عليك بالعلم والحكمة والحِلم ولباقة السلطة وسياستها.
كما أنه لكم علاقات واسعة ومتينة مع الدول وساستها، وغنى اللغة والثقافة ما يمدك بالمعرفة والحصافة لتدبير شؤون قومك خير تدبير، والقيام بإدارته أجدر قيام.
واعلم أن سيرة من تعمل معهم، سيئةٌ كريهةٌ مبغضة، من قبل الناس أجمعين.
والبقاء معهم، ليس إلا على حساب مصلحتك، ومصلحة شعبك وسمعتك ومستقبلك!
وأنظر إلى أصحاب الألقاب الجوفاء من أهل السلطة في كُردستان. أنظر إلى مستواهم وأخلاقهم وعملهم ونتائجهم!
إن أفضل وأقدس عملٍ تقوم به من أجل الأكراد هو أن تكون بديلاً لهؤلاء الفاسدين، بتشكيل حزب يخوض الإنتخاب، لتكون أنت قائداً وزعيماً لهم. فالظرف مهيأ لك والشعب مستعدٌ لتتويجك قائداً عادلاً منصورا.
لا تُفوتنّ الفرصة على نفسك وعلى شعبك، أن تقوم بالإصلاح والتجديد.
لقد خُلقت لهذه المهمّة، وتملكون فضائل لذلك، ولا نزكي على الله أحدا!
لا تصغرنّ شأنك، وارفع من شأن قومك، تكون عظيمهم، وتسجل لهم العظمة في التأريخ!
علي سيريني
التعليقات