يبدو أن نمو الجماعات المتطرفة فكريا و سلوكيا في العالم العربي قد بلغ مرحلة اللاعودة!، وهي حالة مريعة من شأنها أن تنشر الدمار و التخريب المنهجي المنظم و تتصادم تماما مع كل ما يشهده العالم من تطورات تقدمية فكرية و سياسية و حياتية مدهشة بينما برعت الأمة العربية و الإسلامية في إستحضار كل ماهو متطرف و متحجر و عدواني في أبشع إستغلال للعملية الديمقراطية التي تحولت في عالمنا العربي التعيس لمهزلة حقيقية و لكابوس مزعج.

و ما تشهده الكويت حاليا من توترات سياسية داخلية بفضل حجم التمدد السلفي و الطائفي لا يبشر بخير و لا يوفر أي علامة أو دلالة إيجابية لصورة المستقبل، فنتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة و التي شهدت أدنى نسبة مشاركة في التصويت في التاريخ الكويتي الحديث قد أدت بالتالي لإظهار صورة مختلفة بالكامل عن الكويت المعروفة للجميع و التي كان لها سبق الفضل و الريادة و التميز في الإقليم الخليجي عبر إلتزامها بالعملية الديمقراطية و تكوينها للدولة الدستورية الحديثة و دولة الرفاهية و المشاركة الشعبية وفي عز زمن العواصف و الإنقلابات السياسية في الشرق العربي، ووصفة الديمقراطية هي وحدها من جنب الكويت أزمات عنيفة كادت أن تعصف بها و بوجودها الدولي و الإقليمي و مع ذلك بقيت الكويت و تميزت و تألقت لإصرار قيادتها على قيم الحرية التي ترسخت أسسها و جذورها منذ معركة الجهراء التاريخية في أواخر أكتوير عام 1920 .


فإسلام الكويتيين ليس موضع للمساومة أو المزايدة و لا يمكن لأي طرف مهما بلغت قوته أن يفرض على الشعب خياره الوحيد، و نمو الظاهرة الدينية/ الطائفية/ القبلية المتطرفة هو نكوص تاريخي حقيقي عن هوية الكويت الحضارية و السياسية، و التحذير الصارم الذي أعلنه أمير الكويت سمو الشيخ صباح الأحمد ضد أهل التطرف وضد الذين يحاولون زرع بذور الفتنة و الفرقة في المجتمع الكويتي هو مسؤولية كبرى و أمانة تاريخية و صمام أمان لإدارة الأمور بطريقة تحفظ صورة و مكانة و هوية الكويت، كما أن إحتجاج الجماعات السلفية المتطرفة على مسألة ما يسمى ب ( الضوابط الشرعية ) بخصوص الوزيرتين نورية الصبيح و موضي الحمود هو عملية إبتزاز سياسي و فكري واضح المعالم و لا يخدم العملية الديمقراطية التي تتعرض اليوم لغزو حقيقي من تيار طائفي و مذهبي متطرف لا يريد الخير للكويت و يسعى لتثبيت أجندته السياسية و تحويل الكويت لإمارة إنغلاق و تطرف على النمط الطالباني السقيم العقيم العدمي وفي ذلك مجازفة و خطورة لا تختلف أبدا عن الخطورة التي شكلتها عملية الغزو الصدامية عام 1990 و التي أفرزت في النهاية كل هذا الكم من أهل التطرف و التحجر و الإنغلاق الذين يريدون دون شك الهيمنة على حرية أهل الكويت و فرض حجاب التعتيم و التخلف و الأصولية المفرطة في مجتمع ما قام أصلا إلا من أجل الحرية و تعزيز قيم الخير و التسامح و السلام؟ نتساءل ما معنى الضوابط الشرعية؟ و هل تعني ضرورة قيام الوزيرتين بلبس ( الخيمة الأفغانية ) لكي ينالوا رضا أهل الذقون الطويلة السوداء؟

و هل في الكويت دولة الإمارة الدينية أم دولة الولي الفقيه؟ و كيف يتسنى لفئة مهما كان حجمها أن تنصب نفسها مسؤولة عن الأخلاق و الدين و تتجاهل الدستور و القانون و الذي بفضله وحده وصل أولئك للبرلمان؟ ما نراه اليوم تعبير حقيقي عن نمو الفاشية الدينية و القبلية على الطراز القندهاري المفجع، و تنادي أحرار الكويت لتكوين جبهة شعبية لمساندة الحرية هو واحد من أهم مستلزمات المرحلة القادمة، فمشروع تمزيق شعوب المنطقة على أسس دينية و طائفية و قبلية قد تبلورت معالمه بشكل واضح و غزو الجماعات السلفية و الطائفية قد أضحى حقيقة واقعة فالحرية في خطر و على الجميع ( تقصير دشاديشهم ).. حتى ظهور المهدي!!.. و الله حالة... و الله طرطرة؟.

داود البصري

[email protected]