مرة اخرى تفرض كركوك نفسها كقضية تتصل بصميم الازمة العراقية التي عانى منها العمل السياسي في العراق عموما وفي كردستان خصوصا.
قبل بضعة أيام اعلن رئيس مجلس النواب العراقي المشهداني بأن المجلس صوت على قانون المحافظات العراقية المتعلقة بكركوك والتي رفض التصديق عليه من قبل مجلس الرئاسة العراقي لاسباب دستورية كما ذكر.
فمنذ عهد بعيد تجاوزت كركوك همومها وطبيعتها وفرض عليها ان تشهد كمركز للعمل الوطني وان تتحمل مجمل التشوهات العرقية التي اصابت الشعب الكردي فيها.
وحين حاصرت جيوش نظام صدام حسين كركوك وفرضت على من فيها الهوية العربية القسرية، واخيرا حين اعمل في اكرادها والقاطنين فها من التركمان والشيعة الذبح فقد أراد بكل ذلك أن يؤدب كركوك كل العراقيين دون ان يفلح في شيء مما اراده.
فصرخات الفدائيين الكرد ضد جيوش صدام في الايام الصعبة و نيران بابا كركر في كركوك وصراخات الانفال * العمليات العسكرية سيئة الصيت التي دمرت المئات من القرى الكردية * في كركوك وما تبقى من أرادة التغيير والاعتراض ورفض التسليم للأرادة الصدامية كلها خير دليل على ان المدينة سوف لن يقبل بالرجوع الى احضان الماضي الاليم مهما كان الثمن.

وبالقطع فقد استفادت الانظمة الشوفينية التي حكمت العراق من الاخطاء والتجاوزات والارتباكات ومن قصور المتصدين من القادة الكرد وانحرافاتهم السياسية لأفسادها للقواعد والثوابت الوطنية لكن كل ذلك لم يكن ليعنيه لاهالي كركوك وقضيتهم العادلة.

فما كان يعني صدام حسين وأعوانه الرجعيون بداية وأنتهاء هو تغيير الحقيقة الديمغرافية، لكركوك الاصلية كركوك القضية والحاضنة والرافضة، كركوك التي صمدت في وجه الخطأ فلم تتبدل نكاية بالمخطئ وظلت على ايمانها القوي وان احزنها انحراف بعض قادتها!
وعندما نفتح تاريخ المدينة فنرى بان حزب البعث الصدامي لم يدخل كركوك الاعراق والمذاهب بل دخل كركوك جميعا،الاكبر من هؤلاء جميعا والابقى من هولاء جميعا والتي يشكل وجود الكرد سمة من سمات كبرها و عظمة دورها الوطني وتأكيد صفتها الباقية قلب العراق.

فان ما يؤكد صلابة كركوك وصمودها وتعاليها على كل من يفرق هو ما وقع حين هيمنت فئة في الماضي على بعض كركوك وسلختها عن طبيعتها وجلدها.

لقد أستطاعت تلك الفئة الرجعية ان تنتزع جزءا من كركوك كجغرافيا لكن كركوك خارج نطاق الاسر والتصنيف لم تبق لقومية دخيلة واحدة بل بقيت كركوك كل العراقيين وملخص القضية الكردية في العراق.

من يقرأ تاريخ مدينة كركوك يقتنع بانها رفضت في الماضي ان تصبح واحدة من الاعراق او لواحدة وحين اقتضت الضرورة ان يصحح النهج القسري بالاعتراض المسلح ففعلت ذلك ولكن كل ذلك كانت من اجل ان تكون الدولة دولة لا مزرعة لمتحكم ولا تكية لمهيمن.

. أن مشكلة كركوك اليوم هي مجسم لأزمة كل الوطن
ان كركوك لا تجد نفسها الا في اطار عمل وطني تتسامى راياته فوق القوميات والاعراق والاحزاب لتحتضن الاكراد والتركمان والقاطنين معهم. وكركوك لاتسلم نفسها الا لحركة وطنية تكبر بها وتكبرها وتقتحم دنيا الغد العراقي الافضل.
ومن يطلب قيادة كركوك غير اصحابه الاصليين عليه ان يرتقي من عصبية العرق والطائفة او العشيرة الى الوطنية والتسامح.
ومن يطلب قيادة كركوك عليه ان يحطم قوقعة العروبية والكيانية وان يزيل ترسبات عصور القهر الاستبدادي والتخلف.

. كركوك تنتظر القائد المخلص ليبشر امهات شهداء تحرير العراق بأنه اتاهم فجر اليوم الموعود
فليست كركوك مشكلة امنية مثل باقي المدن وليس حلها بتقاسم احيائها بين العرقيات المختلفة أو مع القوى الغاضبة على ارادة النهج المغلوط للجالس في قمة رئاسة مجلس النواب الان.

كركوك هي التحدي الاعظم لكل من يدعي الانتساب الى المستقبل وأبسط الشروط لتوكيد جدارة اي كان بقيادة كركوك سواء الحكومة الاتحادية او اقليم كردستان او اي جهة هو استعداده لأن يمكنها من بناء جبهة وطنية حقيقية تستقطب وتستوعب اماني اهلها الاصليين والمقيمين فيها ودورها كجزء من العراق مفتوحة لكل العراقيين.
كركوك تفرد صدرها للراية الجامعة وللقيادة القادرة على ان تحملها من كردستان الى البصرة.
اماالطائفيون والقتلة والمنتفعون من نظام البعث والسارقون والمسيئون الى كركوك وحقوق الكرد فيها مثل صالح المطلك وخلف العليان،فليسوا اكثر من زبد يذهب جفاء متى خفقت تلك الرايات المجيدة وانتظم صفوف اهل الوطن لأكمال الطريق الطويل والشاق والذي لا يقدر عليه الا الرجال الرجال.

وفي كركوك امتحان الرجال والاحزاب والطامحين الى قيادة البلد فقيادة كركوك العراقية ككل وهي مؤهلة لأن تكبر مع من يأتيها ليخطو بها نحو الغد الافضل وليست مؤهلة ولا قابلة لأن تصغر فتنحشر في عرق أو طائفة أو مذهب وهو طريق الى قيادة الوطن.
اقول للقوى العراقية المتصارعة على كركوك اقول لكم اذا تريدون ان تكبروا تعالوا فاكبروا في كركوك.تعالوا الى المستقبل.تعالوا الى القضية والتحدي.
تعالوا الى الناس.. فالناس هم الاصل والناس هم اصحاب القرار فليتقدم القادرون على حمل الراية العراقية الى كركوك

الدكتور راوند رسول
[email protected]