محمود درويش..quot;لا شيءَ، بعدَكَ، سوف يرحَلُ أَو يَعُودُquot;.. لا شيءَ ياquot;نجمة سقطت بين الكتابة والكلامquot;.

محمود درويش.. أيها quot; الحاضر مِلْءَ الغياب quot;، يا quot;أول القتلى وآخر من يموتquot;،و يا وحيدا في البياض حيث لا زمان ولا عواصف.. وquot; لا عَدَمٌ هنا في اللا هنا hellip; في اللازمان، ولا وُجُودُquot;.

لقد صرت ما تريد. صرت فكرةً quot; لا سَيْفَ يحملُها إلى الأرضِ اليبابِ، ولا كتابَ hellip; كأنَّها مَطَرٌ على جَبَلٍ تَصَدَّعَ من تَفَتُّح عُشْبَةٍquot;.

وصرت طائراً يَسُلُّ من عَدَمه وجوده quot;كُلَّما احتَرقَ الجناحانِ اقتربتُ من الحقيقةِ، وانبعثتُ من الرمادِquot;.

محمود درويش quot;لا الرحلةُ ابتدأتْ، ولا الدربُ انتهىquot; فاذهب quot;إلى أَعلى الجدارياتquot; لتكمل المنفى.

كنت غريبا quot; أَنتَ في معناك quot; ولكن quot;يكفي أَن تكون هناك، وحدك، كي تصيرَ قبيلةًquot; أيها quot; الفَرْدُ الحُشُودُquot;.

quot;على حجر الوداعquot; هتفت quot; لاعُمْرَ يكفي كي أَشُدَّ نهايتي لبدايتيquot; وquot; لم أُولَدْ لأَعرفَ أَنني سأموتُquot;، quot; لكنَّ الحياة جديرَةٌ بغموضهاquot; وسألت: quot; ما النهايةُ؟ لم يعد أَحَدٌ من الموتى ليخبرنا الحقيقة hellip; أَيُّها الموتُ انتظرني خارج الأرض، انتظرني في بلادِكَ، ريثما أُنهي حديثاً عابراً مَعَ ما تبقَّى من حياتي قرب خيمتكَ، انتظِرْني ريثما أُنهي قراءةَ طَرْفَةَ بنِ العَبْد. يُغْريني الوجوديّون باستنزاف كُلِّ هُنَيْهَةٍ حريةً، وعدالةً، ونبيذَ آلهةٍ hellip; فيا مَوْتُ ! انتظرني ريثما أُنهي تدابيرَ الجنازة في الربيع الهَشّ حيث وُلدتُquot;.

وناديت quot; أَيُّها الموت انتظر ! حتى أُعِدَّ حقيبتي : فرشاةَ أسناني، وصابوني وماكنة الحلاقةِ، والكولونيا، والثيابَ. وهل كتابٌ واحدٌ يكفي لِتَسْلِيَتي مع اللاَّ وقتِ، أمْ أَحتاجُ مكتبةً؟ وما لُغَةُ الحديث هناك، دارجةٌ لكُلِّ الناس أَم عربيّةٌ فُصْحىquot;، غير أن الموت quot; وقد امتلأت بكُلِّ أَسباب الرحيلquot; حملك quot; من الوادي إلى أَبديّةٍ بيضاء فـquot;نام أَنكيدو ولم ينهضquot;.

محمود درويش.. أعرف أنك كما قلت quot;ما زلت حيّاً في مكانٍ ماquot;، وأدري أنك انتصرت على الموت صارخا في وجهه: quot; هزمتك يا موتُ الأغاني في بلاد الرافدين، وأِفْلَتَ من كمائنك الخُلُودُquot;، بيد أن quot;صمت النمل في قلبكquot; أوجعني. رددت ما قلت quot; لن أعيش غداquot; فقال قائل في قلبي: ومن مثل محمود درويش يستحق الحياة؟!

هل سيتعلم الفلسطينون درسك؟ هل سينقلون إلى الكوني ليعرف العالم أن قضيتهم مسألة وجود لا مجرد قطعة أرض متنازع عليها؟ هل سيتسامون بأنفسهم كي تعلم المعمورة كلها أن أزمتهم أزمة الإنسان الباحث عن خلاصه بين ركام الماضي وعنف الحاضر وغموض المستقبل؟ هل سيدركون أن للعالم لغة عليهم أن يتعلموها كي يستردوا حقوقهم بدل الصراخ والعويل والرصاص. هل سيعرفون أن الانتحاري يقتل قضيتهم قبل أن يقتل شخصا ويدمر متجرا، وأن ما أخذ بالقوة قد يسترد بغيرها؟

لقد خدم محمود درويش قضية شعبه عندما أصبح شاعرا إنسانيا أكثر منه عندما كان شاعر مقاومة فقط مع التسليم بوجود قدر لا يستهان به من الشعر الإنساني العام في شعره في مرحلة المقاومة.

ارتقت رؤية محمود درويش للعالم واتخذت القضية الفلسطينية فيه طابعا أكثر رقيا وأبعد غورا، وانتقل من شاعر القضية ليصبح الشاعر القضية، وبدل أن يجترها محليا جعلها من بين مرتكزاته للطيران في افق الإنسان لكن المؤسف أن الفلسطينين بشكل عام اتخذوا المسلك الآخر، فظهر التناحر الداخلي بدل الانطلاق نحو العالم إنطلاقا حضاريا للتعريف بالقضية. وهكذا قتل الفلسطيون بعضهم بعضا وهم يهتفون quot;الله أكبرquot; أمام الكاميرات حتى غص قلب محمود درويش المتعب فكتب مقالا يكتظ بالمرارة بعنوان quot; أنت منذ الآن غيركquot;. لقد رأى الشاعر الكبير في ذلك ضياعا للهوية وللقضية في آن معا.

طريق درويش واضحة وتنتهي باسترداد الإنسان أولا ثم حقوقه أخرا، ولا شيء قبل الإنسان مطلقا فلا معنى لشيء من دونه، فهل سيتنبه أبناء وطنه لدرسه بعد رحيله وقد فاتهم في حياته؟

أثير عادل
نيويورك 9-8-2008
[email protected]