قَدَر السيد هاشم الخالدي أن يكون مسكوناً بدحض الماركسية، وإنا لنرثي له من هذه البلوى، بلوى سيزيف. صدف أن آخر فكرة تعثر بها السيد الخالدي على طريق دحض الماركسية تفيد أن انهيار المعسكر الإشتراكي لم يكن بسبب quot;بيروقراطيةquot; ستالين أو تحريفية خروشتشوف أو انتهازية غورباتشوف إنما كان أساساً بسبب تجاهل ماركس.. quot; دور التجديد والإبداع كأحد أهم معلم في تطور الوعي والاستجابة للذوق وأهمية الفضيلة كقيمة معنوية كأحد أهم معلم في الوحي (السكوني) والمعبر عنه بالإيمان quot; ـ وعذراً على الأخطاء اللغوية ـ وقال إن هذا هو ما أورث النظام.. quot; هيمنة البيروقراطية والرتابة والجمود لتصبح أكبر حافز ومحرض على الرفض الشعبي للمنظومة الهيكلية الإشتراكية برمتها quot;.

أخي هاشم ! لن أقول لك.. quot; إقرأ ماركس! quot; لأنك لن تقرأه لتتعلم وتستفيد بل لتؤكد ما هو راسخ مسبقاً في ذهنك مما يدحض ماركس كما تؤمل. لعلك تبيع مثل هذه البضاعة، بضاعة البيروقراطية، إلى أيتام خروشتشوف من الشيوعيين سابقاً طالما أنهم يشاركونك بذات البضاعة ويقولون بهيمنة البيروقراطية والرتابة والجمود مما أدى إلى انهيار النظام الإشتراكي، لكنهم يختلفون معك فأنت تعرف أسباب البيروقراطية والجمود وهم لا يعرفون !! أنت تقول سبب البيروقراطية والجمود هو أن ماركس لم يعبد الله ولم يكن لديه قيم فاضلة وهم لا يشاركونك في هذا حتى وقبل أن يعرفوا السبب ولعلهم لن يجدوا سبباً للبيروقراطية المزعومة سوى الله نفسه كي ينفكوا مما هم فيه من حيص ٍومن بيص ٍ ! وتقول أنه تجاهل التجديد والإبداع، وكان من الأفضل ألا تقول بمثل هذه الهرطقة التي كشفت عن جهل فاضح بالماركسية، فكيف لجاهل بالماركسية أن يدحضها دون أن يعرض ذاته الثقافية لسخرية لا لزوم لها وكان عليه أن يتفاداها. ألا تعلم، أخي هاشم، بأن فلسفة ماركس تقوم أساساً على التجديد والإبداع فتؤكد أن الكون بكل أشيائه يتجدد في كل لحظة حتى أنه لا يعود هو نفسه بذات اللحظة، فأي تجديد أعمق وأوسع من هذا التجديد ؟! العلاقة الديالكتيكية بين الفكر من جهة والواقع المتجدد في كل لحظة من جهة أخرى، العلاقة التي أكدها ماركس، تشترط شرط الإبداع شرطاً لازماً وليس محتملاً كما تشي أقوالك.

علي أن أقول لك القول الفصل في مسألة البيروقراطية، وهي أن البيروقراطية والرتابة والجمود لم تكن في عهد ستالين عشر معشار ما كانت عليه في عهد الإقطاع الأوروبي ومع ذلك لم ينهر النظام الإقطاعي بأسبابها. من طبائع الأمور ألا تسمح الطبقة الحاكمة أن تفلت السلطة من بين أيديها ليتناولها أعداؤها بسبب البيروقراطية والجمود فذلك أدعى لأن تجدد الطبقة الحاكمة نظامها وتبث فيه حياة جديدة. قراءة ماركس للتاريخ تقول غير ما تقولون، تقول أن الأنظمة الاجتماعية لا تنهار إلا بفعل الصراع الطبقي. لعلك، أخي هاشم، لا تعلم أنك وأيتام خروشتشوف إنما تنكرون علة الصراع الطبقي في انهيار المعسكر الإشتراكي تحقيقاً لهدف واحد وحيد وهو الدفاع المستميت عن طبقة البورجوازية الوضيعة وحماية تقسيم العمل الخاص بها ؛ هذه الطبقة التي ليست على استعداد لأن تعبد الله فقط بل لأن تعبد الشيطان أيضاً من أجل الخلاص من الاشتراكية التي أولى أولوياتها سحق البورجوازية الوضيعة مرة واحدة وإلى الأبد.

ثم، أخي هاشم، ما عساك تقول لو أن ماركس أطل برأسه من قبره في هايغيت في لندن ليصرخ بك.. quot; يا هاشم يا خالدي لا علاقة لي بمشروع لينين ـ ستالين في روسيا ! quot; وهذا ما قال به الشيوعي سابقاً والأمين العام الحالي لحزب التجمع الوحدوي في مصر، الدكتور رفعت السعيد. ما عساك تجيب ؟ بالطبع ستتخلى عن مسألة أسباب انهيار المعسكر الإشتراكي ولن تجد ما تجيب به سوى.. quot; انهار المعسكر الإشتراكي أم لم ينهر لكنك يا ماركس لم تؤمن بالوحي ولا بالفضائل والأخلاق الرفيعة ! quot;. لكن يا هاشم ما قيمة الوحي والفضائل والأخلاق في التطور الإجتماعي حين تغيب أسس الماركسية ولا يتم وضع اليد على ميكانزم التطور الإجتماعي ؟ هل تقدمت أوروبا قبل أن تمنع الاستيحاء المسيحي ؟ وهل تقدم العالم الإسلامي وهو يشجع الاستيحاء الإسلامي ؟ صحيح أن ماركس لا يؤمن بإلهك الذي لم يكتشفه الإنسان إلا قبل ثلاثة آلاف عام فقط من عمر الإنسانية الممتد لخمسة ملايين عام، إلهك الذي ينكره اليوم كل عالم متفوق في علمه مثل انشتاين وهوكنغ وغيرهما، لكن عليك أن تعلم أن ماركس ضحى بحياته وحياة عائلته لأجل اكتشاف الشيوعية، عالم الإنسانية الكاملة والمثل العليا التي لم يعهد مثلها الإنسان على الأرض، ضحى بحياته وحياة عائلته من أجل تحرير البروليتاريا التي تخلق كل أسباب الحياة البشرية. كل المثل العليا تطاطئ رأسها خجلاً أمام ماركس الإنسان الذي تتفاخر به الإنسانية والرجل الذي تتفاخر به الرجولة كما رثته ابنته إليانور في العام 1884.

قراءة السيد هاشم لقول ماركس أنه.. quot; بإمكاننا تمييز البشر عن الحيوانات بالوعي أو الدين أو بكل ما نشاء. غير أن المسألة تتمثل في أن البشر يشرعون في التميّز عن الحيوانات بمجرد البدء في إنتاج ظروف عيشهم، وهذه الانطلاقة هي النتيجة نفسها لتركيبهم العضوي. وبإنتاجهم لظروف عيشهم يحققون بصورة غير مباشرة حياتهم المادية ذاتها quot;، قراءته لم تكن صحيحة إذ لم يدرك هاشم مغزى القول. قصد ماركس أن للإنسان ميّزات كثيرة عن الحيوانات يمكن الحديث عن كل ميزة منها بإسهاب لكن ميزة إنتاج الحياة بدءاً بأسبابها هي الميّزة السابقة لكل الميّزات الأخرى بل هي الميّزة الأصل لكل الميزات الأخرى وعليه فإنها تحمل في ثناياها سر تأنسن الإنسان، سر تطوره في شتى الحقول بما في ذلك الثقافة العامة ومنها الدين وما يوحَى والأخلاق الفاضلة وغير الفاضلة. السيد الخالدي يريد من ماركس ألا يلقي بالاً لميزة الإنسان الأولى التي هي الرحم الذي تخلقت فيه كل ميزات الإنسان الأخرى ليتحدث كل الحديث عن الميزات الأخرى وخاصة الوحي والأخلاق !! ـ بإمكانك يا خالدي أن تذهب إلى أقرب مسجد أو كنيسة لتسمع كل الحديث عن الوحي والأخلاق من كاهن يتقوّت من دماء العمال والفلاحين، لكن ليس من باحث في علم الإجتماع، في علم الإقتصاد، في علم السياسة وفي علم التاريخ مثل ماركس.

ماركس يقول أن كل ميزات الإنسان نابعة من عملية الإنتاج وعناصرها المختلفة، والخالدي يعاكس ماركس فيدعي أن التجديد والقيم والمثل العليا والدين هي من طبيعة الإنسان وهو ما يعني أن مثل هذه الثقافة هي من غرائز الإنسان وسابقة على الإنتاج. لا أدري كيف يجروء الخالدي على القول بهذا، على القول بأن الثقافة هي من غرائز الإنسان! علماء تاريخ الإنسان (anthropologists) يؤكدون أن عمر الإنسان على الأرض يمتد إلى الخلف خمسة ملايين من السنين عاش أكثر من نصفها كحيوان بدون وعي على الإطلاق وبدون قيم عالية أو خفيضة على الإطلاق وبدون أي دين سماوياً كان أم أرضياً على الإطلاق. لئن عجز علماء تاريخ الإنسان عن إقناع السيد هاشم الخالدي بخطأ معتقده، فكيف لي أن أفلح أنا ؟ لعله ينصحني في ذلك.

فـؤاد النمري
www.geocities.com/fuadnimri01