إذا سارت الامور كما خُطط لها في باريس، والتزم الجانب السوري بالاتفاق الشفهي الذي ابرم في القمة التي جمعته والرئيسين ساركوزي وسليمان وبحضور أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة بن جاسم، والتي كما أعلنت المصادر المقربة من الايليزيه حينها أن ساركوزي quot;تقصد وجود أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة بن جاسم إلى جانبه في هذه القمة حتى يكون شاهداً تاريخياً على الالتزام الذي قدمه الاسد بإقامة علاقات دبلوماسية مع لبنانquot;، يمكن القول أنه نتيجة لهذه الوعود،وبانعطاف العلاقات بين سوريا ولبنان بالشكل الدراماتيكي المتوقع، يدخل لبنان بمرحلة مختلفة في تاريخه، ومغايرة للثلاث عقود السابقة. بل وأبعد من الحالة اللبنانية ونظراً لتداعياتها المتوقعة على المستوى السياسي الشرق أوسطي يمكن اعتبار هذه الزيارة في حال نجاحها حلقة من السيناريو المرسوم أوروبياً ودولياً لمستقبل المنطقة.
إن الاجراءات العملية من فتح سفارة سورية في لبنان، و لبنانية في سوريا، وما قد يليها من ترسيم للحدود بين البلدين الجارين، ليست في الواقع سوى مظهر من مظاهر اعتراف سوريا بالكيان اللبناني السي المستقل. مما يعني أنه بنتيجة هذا الاعتراف قد تضطر سوريا لسحب الاعتراف الضمني وغير المعلن بالدويلة المنافسة للدولة اللبناية والتي كبرت ونمت وتمددت برعاية سورية، حتى أصبحت تضاهي بل تتفوق على الدولة اللبنانية بحجمها وقوتها المادية والعسكرية.
وفي حال بقي الرئيس الأسد على الوعود الذي قطعها في باريس حيث أعلن quot;عن ملء ثقته بالرئيس سليمانquot;، وسار في سياق كلامه ونيته عن quot;تعزيز موقعهquot; في لبنان كما قال، قد تزلل كل العقبات العالقة، والتي شكلت حتى الساعة ورقة في اليد السورية بمواجهة المجتمع الدولي. وتأتي من دون أدنى شك في مقدمة هذه العقبات، قميص عثمان التقليدية والمسماة quot;مزارع شبعاquot;. أما الخطوة اللاحقة فقد تكون قبول الطرفين السوري والاسرائيلي بوضع هذه المزارع وتلال كفرشوبا، تحت الوصاية الدولية إلى حين انتقالها إلى quot;كنف الدولة اللبنانيةquot; بالتمام والكمال. مما يعني أنه بعد تسكير ملف الأسرى في السجون الاسرائلية، يأتي فض عقدة مزارع شبعا، بمثابة سحب نهائي لآخر الاوراق المتبقية في حوزة حزب الله والتي دأب على التلطي ورأها من أجل الابقاء على سلاحه.
يبقى أن مخططات حزب الله قد تنبهت لهذه التداعيات المستقبلية، فاستدركت بمنحى مختلف، متخطية ملفي اللاسرى وشبعا، باتجاه زعم الابقاء على السلاح من quot;أجل الدفاع عن لبنان بوجه العدوان الاسرائيليquot; وهو شعار على ما يبدو ما زال صالح للتسويق لبنانياً وعربياً، بدليل توكيل الناطق بلسان حزب الله الجنرال المسيحي ميشال عون، مهمة الترويج له لبنانياً، مستعيناً بادعاء وهن وركاكة وضعف الجيش ماديا وعسكرياً، واضعاً اللبنانيين والمسيحيين منهم على وجه الخصوص، أمام خيار واحد أحدquot;للذود عن الارض والوطنquot; هو سلاح حزب الله.
ولكن وبغض النظر عن المواقف اللبنانية الداخلية الهشة بشكل عام، والعنتريات التي لم تمكن يوماً هؤلاءquot;السحرة الصغارquot;،المزوبعين صوتياً وكلامياً، من تغيير أي معطى من المعطيات المطروحة على الساحتين اللبنانية والشرق أوسطية، أو التوصل إلى كسب أو إحراز أي تقدم في مجال حلحلة الازمة اللبنانية المستفحلة والتي أنهكت البلاد والعباد، قد يعطي بالمقابل اعتراف سوريا باستقلال وسيادة لبنان كل المكاسب. منها الدفع الإضافي للاحتضان الموعودة به سوريا على الصعيدين العربي والدولي، وليس أقله الحوافز الاقتصادية، والدور المحوري الشرق أوسطي، ناهيك عن المقاعد التي تطمح سوريا لاحتلالها على صعد المنظمات الدولية، كمنظمة التجارة الأوروبية والمنظمة العالمية لمراقبة السلاح النووي وغيرها.
وبالعودة لمسألة الورقة الاخيرة والتي اخترعها حزب الله والمسماة quot;الدفاع عن لبنانquot; تحسباً لكل هذه التطورات الاتية، من المتوقع أن يتقهقر مفعولها على الارض، مع التقدم السائرة بمنحاه مفاوضات السلام الجارية على قدم وساق بين الطرفين السوري والاسرائيلي عن طريق الوسيط التركي، والتي من المتوقع أن تجر معها لبنان في المرحلة المقبلة. وإن لم تكن تطور العلاقات بين لبنان واسرائيل بمستوى عملية السلام المرتقبة بين سوريا واسرائيل، قد تكون العودة مرحلياً لاتفاقيات الهدنة المبرمة بين الدولتين اللبنانية والاسرائيلية في عام 1949، مدخلاً للاتصال والتواصل بين البلدين، وكل ذلك بمعرفة وتسهيل سورية، وبمباركة أميركية، ورعاية أوروبية وفرنسية مباشرة. وتشدد الاسرة الدولية على اتمام عملية التبادل الدبلوماسي بين لبنان وسوريا على اعتبار أن مثل هذه الخطوة قد تشكل فصلا للمسارين اللبناني والسوري عن طريق اعادة النظر بالاتفاقيات المعقودة بينهما، ومنها اتفاقية التعاون والاخوة والتي يرعاها المجلس الاعلى السوري اللبناني، بما يسهل عملية التواصل بين البلدين، ويؤسس لوضع لبنان في المستقبل القريب على سكة المفاوضات أسوة بسوريا.
والجدير بالذكر أن هذا السناريو المرتقب، مربوط بتواريخ وبمدة زمنية محدودة إذ تعول الاطراف الدولية والعربية الراعية للمفاوضات اللبنانية السورية على اتمامها قبل نهاية سبتمبر، وهي تواريخ رضخت لها اسرائيل مما يفسر عملية تبادل الاسرى الغير متكافئة والتي حصلت من قبل اسرائيل والتي quot;ستفهاquot; بسرعة حزب الله فوق انتصاراته السابقة. ونهاية سبتمبر الجاري يعتبر موعداً ملائماً لتمرير ما يجب تمريره من اتفاقيات وصفقات، شرق أوسطية أو على أقله وضع المشاكل العالقة على سكة الحل لبنانيا وسوريا واسرائيلياً بانتظار فصل المسار الايراني السوري المنتظر والذي يشكل بيت القصيد، والهدف الاساسي من وراء كل هذه الجهود، والمفاوضات المكثفة على أكثر من صعيد.
وفصل المسارين السوري والايراني قد يشكل حلقة اساسية لا بد من تخطيها قبل المضي قدماً في تسريع العد العكسي للضربة العسكرية المتوقعة أميركيا على المفاعل النووية الايرانية، والتي سوف تتكفل اسرائيل quot;بالجزء اللبنانيquot; منها، والمتوقع حصولها خلال شهري أكتوبر ونوفمبر، حسب تقارير مقربة من دوائر وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية quot;سي آي أيquot;، هذا في حال فشلت كل مساعي المفاوضات، ولم تتمكن العقوبات الجديدة المفروضة على إيران من ثنيها عن برنامجها النووي. ضربة من المتوقع حدوثها عشية خروج الرئيس بوش من البيت الابيض، كونها تعزز حظوظ المرشح الجمهوري جون ماكين عن طريق توظيف نتائجها في حملته الرئاسية. هذا مع العلم أن المفاوضات السلمية ما زالت جارية لتفادي هذا السيناريو الكارثي بدليل استنجاد الرئيس أحمدي نجاد بالوسيط التركي في المرحلة القائمة.
مهى عون
كاتبة لبنانية
e.mail: maha.aoun@hotmail
التعليقات