تشهد إيران كل يوم حدثا جديدا، على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، يسجل فيه النظام إخفاقا كبيرا يلقي بتبعاته السلبية على الشعوب والقوميات الإيرانية التي تعيش أوضاعا يرثا لها لكثرة ما تشهده من معاناة، بلغ بعضها حد المأساة بشهادة الأرقام والإحصائيات التي تنشرها دوائر النظام قبل غيرها، و رغم ذلك يصر النظام الإيراني على التمسك بنهجه المتبع غير مكترث بما خلفته سياساته المتبعة من معاناة ومآسي، ويصر بعناده وحماقته المعهودة على المضي قدما في هذا النهج المتخلف الذي لم يجني منه الإيرانيون سوى القمع والفقر، و أخيرا وليس آخرا الوباء الذي باتت وزارة الصحة الإيرانية تصدر بيانات شبه يومية محذرة من تفشيه بين المواطنين بعد الكشف عن عشرات الإصابات مؤخرا كان نصيب مدينة قم quot; المقدسة quot; الأكبر من بين عدد المصابين بهذا الوباء القاتل.
و بالرغم مما خلفته السياسة الحمقاء لنظام ولاية فقيه من معاناة للشعوب الإيرانية فان الآلة الإعلامية لهذا النظام تطالعنا كل يوم بخبر جديد تتحدث فيه عن توصل قوات الحرس الثوري و وزارة الحرب الإيرانية إلى إنتاج أسلحة جديدة او تطوير أخرى بذلت أموالا طائلة من قوت المواطنين على إنتاجها، هذا ناهيك عن الأموال الهائلة التي ينفقها النظام على المنظمات الطائفية والجماعات الإرهابية التي تعيث فسادا في البلدان المجاورة ومهددة امن وسلامة المنطقة عامة.
لقد أصبحت إيران اليوم في ظل هذا النظام رمزا للاضطهاد العرقي والطائفي ومركزا للإدمان وتصدير المخدرات، و معقلا لانتهاك ابسط حقوق الإنسان، و سجنا كبيرا لكل تواق للحرية و الخلاص من القمع، وساحة للإعدامات الجماعية التي تنفذ بأشكال وطرق تأنف عنها الحيوانات.
لقد أصبحت حفلات الإعدام الجماعية، التي لم تتجرأ على فعلها أعتا الأنظمة الدكتاتورية في العالم، أمراً شائعا في إيران و تنفذ علانية و أمام المرأى العام دون خشية من الله او احتراما لمشاعر الناس وذوي المعدومين.
لقد شرع نظام ولاية الفقيه بسياسة الإعدامات الجماعية منذ الوهلة الأولى لتوليه السلطة في إيران حيث بدأها بحق أبناء الشعوب والقومية غير الفارسية، ومن تلك المذابح على سبيل المثال يمكن ذكر مجزرة الأربعاء الأسود بحق العرب في مدينة المحمرة ومذابح مهاباد وسنندج في محافظة كردستان، بالإضافة إلى مذابح التركمان في كنبد قابوس و البلوش في زاهدان وغيرها.
لقد طالت الإعدامات الجماعية أعضاء وقادة الحركات والجماعات السياسية التي كانت المساهم الرئيسي و الأبرز في معارضة النظام البهلوي وإسقاطه وكانت اكبر حملات الإعدام الجماعية، والتي تمر هذه الأيام ذكرها، هي مذبحة المعارضين من أعضاء وأنصار منظمة quot; مجاهدي خلق quot; وغيرها من المنظمات اليسارية الإيرانية الأخرى، حيث عرفت تلك المذابح التي جرت في آب عام 1988م بعد قبول إيران قرار وقف إطلاق النار مع العراق quot; بمذبحة تبيض السجون quot; حيث راح ضحيتها أكثر من ثلاثين ألف سجين سياسي في غضون شهرين، و كانت هذه المذبحة ابتدأت في سجني گوهردشت و افین في طهران أولا ثم امتدت الى سائر سجون الاقاليم والمدن الايرانية الاخرى و لم يجري تسليم جثث ضحاياها الى ذويهم وانما اقدم النظام على دفنها في مقابر جماعية، و كانت quot; مجلة راه توده quot; التابعة لحزب تودة الايراني قد نشرت انذاك صور الكثير من الضحايا بعد ان تم نشب عدد من تلك المقابر الجماعية.
وعلى الرغم من افتضاح امر تلك المذبحة و غيرها من المذابح المؤلمة الاخرى الا ان نظام ولاية الفقيه لم يوقف جرائم الاعدامات الجماعية بل ابقاها متواصلة و بوتيرة اعلى مما كانت عليه، فخلال الاسابيع الثلاثة الماضية جارى إعدام 41 شخصاً تم إعدام 29 شخصا منهم في صباح يوم الأحد 27تموز الماضي في سجن افين ضمن حفلة إعدام جماعية وهناك 114 شاباً ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام بحقهم أصغرهم سناً قاصر يدعى ( احمد نوروزي ) يبلغ من العمر 12 عاماً صدر حكم الإعدام بحقه قبل 3 سنوات في محافظة سيستان وبلوشستان (جنوب شرقي إيران).
و اخر الاعدامت الجماعية التي نفذتها سلطات نظام ولاية الفقيه جرت يوم الثلاثاء 12 الشهر الجاري وتمت بحق اثنين من المعارضين البلوش احدهم صحفي يدعى quot; يعقوب مهر نهاد quot; ويرأس مؤسسة تعنى بتعليم اليافعين تسمى quot; صوت العدالة quot; و تتخذ من مدينة زاهدان مقرا لها. وبهذه الجريمة يرتفع عدد الأشخاص الذين نفذت فيهم أحكام الإعدام منذ بدء السنة الحالية في إيران إلى 166على الأقل.
و كانت منظمة العفو الدولية (أمنيستي إنترنشال) قد أعلنت إن إيران نفذت السنة الماضية 317 إعداما، وبذلك تكون على رأس الدول التي تطبق عقوبة الإعدام.
كان هذا على الصعيد الممارسات القمعية والإجرام الوحشي الذي تعامل ومازال يتعامل به نظام ولاية الفقيه مع الشعوب والقوميات في إيران، أما عن ما خلفته سياساته الاقتصادية من كوارث على البلاد والعباد فحدث ولا حرج. فطبقا للإحصائية التي قدمها البنك المركزي الإيراني في الرابع من الشهر الجاري، أكدت وصل عدد الإيرانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 14 مليونا من أصل سبعين مليونا هم سكان إيران. وذلك بحسب ما أوردته مجلة quot; آمار اقتصادي quot; الفصلية والتي تصدر عن البنك المركزي الإيراني.
وكان وزير العمل و الشؤون الاجتماعية الإيراني تحدث في أغسطس/آب 2007 عن وجود 9.2 ملايين فقير يشكلون 10.5% من سكان المدن و11% من سكان الأرياف.وكان الوزير الإيراني أشار قبل عام لوجود مليوني شخص يعيشون في فقر شديد بأقل من 650 ألف ريال شهريا (نحو سبعين دولارا ).
علما إن إيران تشهد تضخما اقتصاديا متسارعا بلغت نسبته 26% في يونيو/حزيران 2008 مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق.
أرقام الفقر في إيران تأتي وسط ارتفاعا مضطرد في الأسعار أثرت على الفقراء والموظفين من ذوي الدخول المتدنية كالأساتذة الذين يكسبون أقل من ثلاثمائة دولار شهريا.
كما أن اغلب المدن الإيرانية تعيش أزمة خبز حقيقية حيث تعاني البلاد من نقص كبير في إنتاج القمح بعد أن تحولت إيران من مصدر رئيسي للقمح إلى مستورد حيث استوردت هذا العام خمسة ملايين و ستمائة ألف طن من القمح لتعويض عن النقص الحاصل في إنتاجها المحلي البالغ أربعة ملايين ونصف المليون طن.
علما أن إيران تشهد نقصا في الكثير من المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية الأساسية، و بموازاة ذلك فقد ارتفعت نسبة البطالة إلى أضعاف ما كانت عليه قبل عام حيث تشير احدث التقارير أن نسبة البطالة قد تجاوزت نسبة 25%، وهذه الأوضاع ألقت بظلالها على الجانب الأخلاقي والاجتماعي حيث تسببت في تزايد حالات quot; زواج المتعة quot; او ما يسمى بالزواج الموقت الذي بات يشكل مصدر قلق حقيقي للمؤسسات الاجتماعية الإيرانية.
فبحسب ما نقلته وكالة أنباء quot; مهر quot; الحكومية عن أستاذ الفقه و القانون في جامعة طهران الدكتور quot; حسين اميدي خواه quot; إن البلاد تشهد تزايدا في حالات الزواج الموقت وهذا الأمر خلف آثارا سلبية كبيرة على المجتمع. مشيرا إلى أوضاع ومصير الأطفال الذين يولدون نتيجة هذا الزواج حيث أن مصائرهم مبهمة واغلبهم يواجهون المصاعب منذ الولادة مؤكدا أن الأرقام المعلنة من قبل الدوائر الرسمية عن حالات الزواج الموقت غير صحيحة وهي اقل بكثير من مما هو حاصل حيث أن النسبة المئوية الأعلى لهذا الزواج لا تسجل في قيد الأحوال المدنية للرجال وان اغلب المكاتب المختصة بإجراء عقود الزواج غير رسمية ويسجل هذا النوع من الزواج على أوراق عادية مقابل أجور زهيدة وهذا ما يشجع الرجال على اللجوء لإجراء مثل هذه العقود. مضيفا إن الآثار السلبية لهذا النوع من الزواج ( المتعة ) تزاد عاما بعد عام دون أن تتخذ السلطات المعنية أي إجراءات لحلها او الحد منها.
و إذا كان من طبيعة الظلم أن يخلف الفقر فمن طبيعة الفقر أيضا أن يخلف الأمراض ويفشي الأوبئة في المجتمعات، وهذا ما هو حاصل بالفعل في إيران حيث أشارت البيانات الأخيرة لوزارة الصحة عن تفشي الوباء في العديد من المناطق والمدن ولاسيما في أكثرها شهرة وهي مدينة قم مركز الحوزة الدينية ومقر إقامة مرجعياتها، حيث أشارت التقارير الطبية إلى اكتشاف 57 حالة وباء في قم هذا العام توفي سبعة منهم لحد الآن. وقال بيان وزارة الصحة إن السبب في شيوع الوباء في المدينة يعود إلى النقص الحاد في المياه الصالحة لشرب وانقطاع المزمن للتيار الكهربائي وانتشار القمامة في الشوارع والأماكن العامة.
وللقارئ أن يتصور إذا كان هذا هو حال المدنية التي تعد العاصمة الدينية لإيران فما عسى أن يكون حال المدن النائية ولاسيما مناطق و مدن الأقليات القومية التي كانت ولا تزال عرضة دائمة للحرمان بسبب التمييز العرقي والطائفي؟.
و لاندري عن أي منجزات يتكلم نظام ولاية الفقيه ؟ وعن أي ايجابية يمكن أن تعطي لمؤيديه ( ولاسيما المستعربين منهم ) مبررا لدفاع عن هكذا نظام اقل ما أنجزه هو القمع والفقر والتخلف للشعوب والقوميات الإيرانية، وخلق الفتن والقلاقل وتصدير الإرهاب للشعوب المنطقة؟
صباح الموسوي
رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي
التعليقات