في الوقت الذي الذي يكاد لا يمرُّ يوم واحد إلأ ونسمع أو نقرأ أو نشاهد، خبراً أو تعليقاً أو مشهداً لإعتقال quot;سياسيٍّ متمردquot;، quot;خارجٍ عن القانونquot;، أو quot;خطرٍ على أمن الدولةquot;، أو quot;عميلٍ متحالف مع الصهيوينة المتأمركة بإقتطاع أراضٍ من الوطنquot;، أو quot;معارضٍ أعلن العصيان المسلحquot;، أو quot;كرديٍّ هدد الوحدة السورية، وأراد اقتطاع أراضٍ منها، لإعلان إمبراطوريته الكردية كردستان في قلب قحطانستانquot;، نسمع ونقرأ ونشاهد، بذات المثل، من أبواق quot;المثقفين الطيبينquot; المعتاشين، كما يبدو، على quot;مقبوضات الدولة الطيبةquot;، في المقابل، الكثير quot;الطيبquot; عن جمهورية سوريا quot;الطيبةquot;، بقيادة دكتورها الديكتاتور الشاب quot;الطيبquot;، ووعودها الطيبة، وأمنها العسكري quot;الطيبquot;، وسجونها ومعتقلاتها quot;الطيبةquot;، وتعذيبها quot;الطيبquot;.
فأين أرهاب الدولة الخفية المنظم، في quot;سوريا quot; من تلك الأرض الطيبة؟
أين quot;صيدنايا السجنquot;، وquot;صيدنايا القتل بالجملةquot;، وquot;صيدنايا الكلام الممنوع والرأي الممنوع والطبيعة الممنوعةquot;، من صيدنايا سيدة المكان الأول، العذراء الأولى، وصيدنايا الكلمة الطيبة التي في البدء كانت، والطبيعة الطيبة التي في البدء كانت، والإنسان المسيح الطيب، الذي في البدء كان؟
سوريا الرسمية، التي منذ الثامن من آذار البعث سنة 1963 بعامة، والسادس عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 1970 والأول من quot;الحركة التصحيحةquot;، بخاصة، والتي اقتاد الأسد الأول، بمناسبتها quot;سوريا تلك الأرض الطيبةquot;، إلى الأول من quot;الإستثناءquot; و الأول من quot;القانون الطارئquot;، والأول من التخريب والتبعيث والفساد والإفساد؛ سوريا البعثية هذه، التي أبت منذ quot;البعث المبينquot; أن تكون، إلا ديكتاتوريةً مبينة، غصباً عن رأس كل الديمقراطيات، والتي يروق للبعض أن يعلقوها كنيشانٍquot;طيبٍquot; أكيدٍ، على صدورنا، نحن السوريين الغلابة، المحرومين من كلها، فوقاً وتحتاً، ويسمونها بquot;تلك الأرض الطيبةquot;، هي سوريا ذاتها(وما في غيرها) التي يطيب لها خاطرها، أن تخوّن من تشاء، وتعتقل من تشاء، وتحكم بقانونٍ هو من صنعها الأكيد، الخارج من كل القانون، كما تشاء، على من تشاء، وبما تشاء.
بالأمس القريب جداً(07.08.08)، أفرجت quot;سوريا quot; عن المعارض السوري، عميد كلية التجارة والإقتصاد في جامعة دمشق، سابقاً، الخبير والإقتصادي السوري د. عارف دليلة، والمسجون منذ 09 سبتمبر/ أيلول 2001 في السجون quot;الطيبةquot; لسوريا quot;الطيبةquot;، وذلك quot;بموجب عفوٍ رئاسي طيبquot;، بعد تدهور حالته الصحية، إثر إصابته بجلطةٍ دماغية.
وفي الوقت الذي وصف فيها رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سوريا عمار القربي، خطوة الإفراج هذه، بquot;الخطوة الطيبةquot;، سمعنا وقرأنا قبل أيام قلائل(15.08.08)، كيف اقدمت السلطات الأمنية السورية quot;الطيبةquot;، على اختطاف الناشط في منظمات المجتمع المدني، والسياسي الكردي مشعل التمو، الناطق الرسمي بإسم تيار المستقبل الكردي.
بحسب بيانٍ صدر عن منظمة ماف لحقوق الإنسان في سوريا، أنّ الناشط تمو قد اختفى، وانقطع الإتصال بينه وبين العالم الخارجي، في حوالي الثانية والنصف من فجر يوم جمعة اختطافه(الخامس عشر من الشهر الجاري)، بينما كان يغادر مدينة كوباني(عين العرب) متجهاً إلى حلب، بسيارته الخاصة.
منظمة ماف وصفت عملية الخطف هذه بquot;سابقةٍ خطيرةquot;.
وبحسب مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان، 16.08.08، فقد quot;أثارت عملية الخطف الأمني هذه مخاوف قيادات سورية معارضة، أن يلاقي الناشط مشعل تمو، مصير الشيخ محمد معشوق الخزنوي الذي اختفى في مايو/ أيار 2005، وتمت تصفيته في ظروفٍ غامضة، في الأول من يونيو/ حزيران من ذات العامquot;.
وحسب مصادر المعارضة السورية(كردية+عربية)، فقد تعرض تمو خلال الأشهر الماضية إلى مضايقات واستدعاءات وquot;روحات وجيئاتquot; أمنية كثيرة، وذلك على خلفية نشاطاته السلمية في الدفاع عن سوريا مدنية ديمقراطية، كوطنٍ متساوٍ للجميع.
بالطبع، هذه ليست عملية الخطف quot;الطيبةquot; الأولى(كما لن تكون الأخيرة)، التي ارتكبتها العصابات الأمنية(وما أكثرها) فيquot;سوريا الطيبةquot;، بحق المدافعين الطيبين عن وطنهم الطيب، والحرية الطيبة، والحقوق الطيبة، والرأي الطيب، والإختلاف الطيب.
مشعل التمو، كما تقول كتاباته(يُنظر كتاب التمو: رؤية نقدية في ظاهرة التخلف السياسي الكردي في سوريا، 2002) وسلوكياته السياسية، هو واحدٌ من الرافضين في جيله، لquot;الخطاب الأبوي السياسيquot;، وquot;الأبويات الكرديةquot;، التي أسست لصراعات جانبية، هامشية، وأخرت بشكلٍ مخيف، من القضية الكردية في سوريا، دون أن تزيد إليها شيئاً يُذكر، مقارنةً مع عمر هذا الخطاب الطويل، الذي تأسس منذ 1957.
وطالما أنّ quot;الأبوياتquot; الكلاسيكية، بحسب تمو، تؤسس لquot;اللاحريةquot; المؤكدة سلفاً، فإنه يرى من الواجب الوطني(ككردي سوري)، quot;محاربتهاquot; أو quot;معارضتهاquot;، للتحرر من رتق تلك الأبويات quot;الكابحةquot;، quot;لأن الإنسان معها يفقد إنسانيته، والفرد في القبيلة السياسية لا يحق له التفكير أو الكتابة وإبداء الرأيquot;، على حد قول التمو.
بكلمة واحدة، مشعل التمو، هو سياسي quot;جديد حديثquot;، يريد العبور إلى سوريا، كردياً، عبر ثقافة quot;قتل الأبquot; سياسياً.
التمو، هو واحدٌ من السياسيين الكرد الشباب الذين يريدون quot;إخراج الأحزاب والتيارات الكردية من غيتوهات رؤسائهاquot;، وهو يصف هؤلاء الأمناء العامين والسكرتيريين، العشائريين حتى العظم، quot;برؤساء القبائلquot; المرتكزين إلى quot;شرعية سلطة الأب وصلاحياته، والتي تتطابق في صورتها الرمزية مع قوانين الآخر المستبد الطوارئيةquot;، لا سيما القانون الأبدي، الجاهز تحت الطلب دائماً، المعروف: quot;كل شيء من أجل المعركةquot;.
التمو، إذن، بغض النظر عن الإختلاف أو الإتفاق، والإئتلاف أو الإندماج مع آرائه، كما تقول أفكاره المعلنة، هو سياسي كردي منفتح، متحرر من الشعارت القومجية المرتكزة على quot;رفض الأخر وإقصائهquot;، ويدعو عبر القنوات السياسية المتاحة، إلى سوريا طيبة، لجميع مكوناتها الطيبة، من دون استثناء.
هو، بإختصار، ناشط كردي يجمع بين أكثر من ثقافة(ثقافة سوريا الوطن، ثقافة سوريا الكرد أسوةً بسائر مكوناتها القومية والإثنية الأخرى، وثقافة سوريا الإنسان).
من هنا، هو يدعو عبر دعوته لهكذا سوريا ديمقراطية، تحترم حقوق أكثرياتها وأقلياتها، وحقوق إنسانها، إلى انفتاح الكل على الكل؛ إلى انفتاح كل الكردي، على كل الآخر، بذات القدر الذي يطالب فيه، بانفتاح كل الآخر على كل أكراده.
التمو، هو، ناشط سياسي، يطالب بسوريا الطيبة، الحقوقية، أرضاً طيبةً لكل طيبيها، عرباً(سنيين+علويين)، وأكراداً، وشراكس، وتركماناً، وآشوريين، وأرمنيين، وكلدانيين، ودروز، ومسيحيين، ويهوديين، وإيزيديين..إلخ.
في الوقت الذي لا تزال سلطات الأمن السوري تتكتم على مصير التمو الذي لا يزال مخطوفاً في ذمة المجهول، شوهدت سيارته البيضاء(حسب تصريحات نجله) التي تحتوي على جهاز quot;لاب توبquot; موقوفةً لدى فرع الأمن العسكري بحلب، الذي نكر وجود السيد تمو لديهم.
والحال، فإنّ الكل يتحدث الآن عن التمو، الذي بلعته سوريا الأمنية، واختفى فيها، دون أن يكون هناك، حتى اللحظة، أي أثر لتعقب مصيره.
التمو اختفى وكفى...تلك هي quot;الجملة العربية الواحدة، ذات الرسالة الأمنية الخالدةquot;، التي طالما هجتها سوريا الدولة الأمنية الخفية، ولقنتها للسوريين الغلابة، الذين ما عليهم إلا أن quot;يسمعوا ليعواquot;.
هذه هي quot;سوريا الطيبةquot; التي تعتقل الطيبين، وتزجهم، نهاراً جهّاراً، في quot;معتقلاتها وسجونها الطيبةquot;، لمجرد ركونهم إلى quot;لاquot; سياسية، غنوها خارج سرب quot;دولتهمquot; الأمنية الإستخبارتية الواحدة، التي لا شريك لها، وبعثها الواحد الأحد، وديكتاتورها الواحد الذي ما بعده أحد.
هذه هي quot;سوريا البعث الطيبquot;، التي وعدتنا منذ أربعة عقودٍ ونيف، بquot;الوحدة الطيبةquot; وquot;الحرية الطيبةquot;، وquot;الإشتراكية الطيبةquot;، التي آلت بنا إلى كل هذا quot;الخراب الطيبquot; الذي ما بعده خراب.
هذا هو حصاد quot;الربيع الدمشقي الطيبquot;، لصاحبه quot;الديكتاتور الشاب الدكتور الطيبquot;؛ ذاك الربيع الإستثنائي الطارئ، كقوانين سوريا الطارئة، والذي حل في 17.07.2000 بُعيد وصول الخليفة الأسد الثاني إلى الحكم المفصل تفصيلاً، وانتهى في 17.02.2001، عندما قامت عصابات الأمن السوري، بإغلاق كافة المنتديات الفكرية والثقافية والسياسية، بالشمع الأحمر، وجمدت كل نشاطاتها، واعتقلت العشرات من مؤسسيها وأعضائها المعارضين السوريين، كمأمون الحمصي، وحبيب عيسى، ود. وليد البني، وفواز تللو، ورياض سيف، ود. كمال اللبواني، وحسن السعدون، وآخرين، الذين حوكموا بالسجن quot;من ثلاث إلى خمس سنواتquot;، إضافةً إلى المعارض البارز د. عارف دليلة الذي حوكم بالسجن عشر سنوات، وأفرج عنه مؤخراً، مشمولاً بquot;عفوٍ طيبquot; من quot;الرئيس الطيبquot;، بعد أن قضى هذا الطيب سبع سنوات من حكمه، في سجون سوريا الأسد quot;الطيبةquot;.
هذه هي سوريا القوانين الإستثائية quot;الطيبةquot;، والإحصاء الإستثائي(1962) quot;الطيبquot;، التي حكمت على الكرد السوريين، بquot;المكتومية الطيبةquot;، وquot;الأجنبية الطيبةquot;، وquot;اللامواطنة السورية الطيبةquot;، وquot;الخط العاشر الطيبquot;، وquot;المستوطنات العروبية الطيبةquot;، وquot;الحزام العربي الطيبquot;، وquot;هندسة محمد هلال طلب الطيبةquot;، طيلة عقودٍ من الحكم السوري البعثي الديكتاتوري quot;الطيبquot;.
الحرية الطيبة، للمعتقل المخطوف إلى المجهول، الطيب مشعل التمو، ولكل معتقلي الرأي والضمير، السوريين، من دمشق إلى القامشلي، مررواً بكل المكان السوري الطيب، القابعين في quot;جمهورية المعتقلات الطيبةquot;.
هوشنك بروكا
التعليقات