بدأ العد التنازلي بالنسبة الى حركة حماس لتقرر قبول أو عدم قبول مبادرة الرئيس المصري حسني مبارك لحل الأزمة الخطيرة في قطاع غزة. فبعد موافقة الحكومة الإسرائيلية، أصبحت الكرة في ملعب حماس، في إنتظار ما ستسفر عنه مشاورات قيادة حماس. الموقف المصري حيال كيفية حل الأزمة يتمثل في وقف إطلاق النار بين إسرائيل و الفصائل الفلسطينية في غزة و فتح المعابر و رفع الحصار عن القطاع. حماس افصحت عن تحفظاتها على بعض جوانب المبادرة المصرية المتعلقة بإشراف مراقبين دوليين على المعابر بين القطاع و إسرائيل.


موقف حماس من وجود مراقبين دوليين ليس جديدأ. فهي تنظر الى وجود هؤلاء المراقبين على أنه شكل من أشكال الحصار. أما بالنسبة الى معبر رفح الذي يشكل المتنفس الأساسي للحركة على العالم و الذي إستطاعت حماس عبره من نقل الأموال و تهريب الأسلحة الى قطاع غزة، فإنه يتوجب كما تتطلب القوانين الدولية إشراف السلطة الشرعية بقيادة الرئيس محمود عباس عليه.


حماس التي وجدت نفسها منذ ان رفضت تمديد الهدنة مع اسرائيل تحت نيران الجيش الإسرائيلي جواً و برأ و بحرأ في عملية عسكرية شاملة على غرار ما حدث في حرب تموز بين إسرائيل و حزب الله، و بعد أن فشلت في إيذاء إسرائيل سواءاُ من خلال صواريخها التي لم تسفر عن خسائر كبيرة بين المدنيين الأسرائيليين، أو من خلال المواجهات التي جرت ميدانياً مع الجيش الإسرائيلي منذ أن بدأت العملية البرية، فإنها تواجه خياران أحلاهما مر كما يقال. فإن رفضت المبادرة المصرية و اختارت الإستمرار في القتال و إطلاق الصواريخ على إسرائيل فإن ذلك من شأنه أن يحملها مسؤولية سقوط المزيد من الضحايا في غزة، فتجد نفسها في مرمى الإنتقادات الدولية و سخط الرأي العام، فضلاً عن تعريض نفسها لسخط الرأي العام الفلسطيني و خاصة في القطاع الذي تسيطر عليه منذ إنقلابها على شرعية السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، أما إذا وافقت على تبني الخيار الأخر و هو قبول المبادرة المصرية و الإلتزام ببنودها فإن ذلك يعني أنها ستجد نفسها مضطرة لنبني نهج أخر تنزع عنه صفة المقاومة و الممانعة لصالح الإتخراط في المشروع الوطني الفلسطيني المستند على الحل السلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال الحوار و التفاوض لتحقيق الدولة الفلسطينية. خطوة من هذا القبيل تضع حركة حماس أمام إستحقاق التغيير الجذري في سياساته و علاقاته الإقليمية، و هو ما لم تألفها أوساط حماس، و لم تناقشه قيادتها و كوادرها في يوم ما.


فضلاً عن كل ما سبق، فإن قبول حماس للمبادرة المصرية لن يعفيها في المستقبل من تحمل مسؤولية الأرواح التي زهقت و الممتلكات التي هدمت و المآسي التي تسببت بها للشعب الفلسطيني جراء حالة الإنقسام و التشرزم التي تهيمن على المشهد السياسي الفلسطيني.
أما على المستوى الإقليمي، و فيما يتعلق بعلاقاتها مع سوريا و إيران، فإن حماس تدرك أن الجوانب الخفية في المبادرة المصرية تهدف الى فك إرتباطها مع حلفائها التقليديين. إيران قدمت المساعدات الى حماس من أجل إستنزاف طاقة إسرائيل و شل حركتها و عرقلة مشاريعها الرامية الى ضرب مفاعلها النووية، فإن عجزت حماس عن أداء الدور المنوط بها إيرانياً و الذي يتناقض جملة و تفصيلاً مع النتائج التي ستتمخض عنها تطبيق المبادرة المصرية على الأرض، فإنها أي إيران ستمتنع عن منح الحركة هباتها و مساعداتها. إيران لا تهمها مشاريع حماس الخيرية و الإجتماعية في قطاع غزة، و لا تعنيها لا من قريب و لا من بعيد عندما تعمل حماس وفق إعتبارات المصلحة العليا للشعب الفلسطيني التي تقتضيها تحقيق التوافق الوطني الفلسطيني. أما بالنسبة الى القيادة السورية كانت حماس دائماً ورقة للمساومة تلعب بها عندما تقتضي ذلك مصالحها، تهدد بها و تبتز من خلالها جوارها الإقليمي. لعب نظام الأسد بورقة حماس في صراعاتها مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، و وظفتها في إدارة المفاوضات مع إسرائيل، وأوت قيادتها لتكون حلقة الوصل و الإرتباط بينها و بين إيران، سوريا جعلت من نفسها غرفة مظلمة لعلاقات إيران مع حماس و الجهاد و حزب الله. قبول المبادرة المصرية في هذا الوقت تمثل لسوريا نجاحاً دبلوماسياً لمصر وإقراراً بدورها التاريخي بعكس ما تريده دمشق التي تشهد علاقاتها مع القاهرة أسوأ لحظاتها.


حماس مجبرة على الإحتكام الى لغة العقل، فلا إصدقاء بدون ثمن، و لا عداوات بدون سبب. عليها أن تتعلم كيف تنأى بنفسها عن الصراعات الإقليمية، و تضع في إعتبارها أن الوفاق الوطني الفلسطيني هو السبيل الوحيد لتحقيق حلم الشعب الفلسطيني في إقامة الدولة المستقلة.


حماس في موقف صعب بدون أدنى شك، و بسبب سياساته و نهجه يدفع الشعب الفلسطيني ثمناً باهظاً في قطاع غزة. إنها مدعوة لقبول المبادرة المصرية مهما كان الثمن، لأن بقبولها يحقن الدم الفلسطيني، و يتنفس أهل غزة الصعداء بعد المآسي و الأهوال التي عاشها على مدار الأيام الماضية.

زيور العمر
*
[email protected]