حينما انتهت مهمة حاكم الإحتلال الأمريكي في العراق السفير (بول بريمر) وذلك بتسليم ما سمي بورقة السيادة العراقية المدعاة الى رئيس الوزراء العراقي الأول بعد الإحتلال اياد علاوي في احتفال رسمي متلفز ببغداد يوم 28/6/2004، غادر بريمر العراق العراق ظهر ذلك اليوم راجعا الى واشنطن وهناك عكف فترة من الوقت لترتيب أوراقه التي جمعها وكتبها في العراق عن تجربته العملية والشخصية لفترة الحكم تلك،وتؤكد إحدى الروايات بأن بريمر قد أرسل تلك المسودات لدور النشر البريطانية على أمل أن يصدر عنها كتابه المأمول من بريطانيا وقد استدعته دور النشر تلك لإجتماع معه في لندن لمناقشة بعض جوانب الكتاب قبل المباشرة في عملية طبعه ونشره ووجهت لبريمر عدة أسئلة حيوية بهذا الخصوص أجاب على قسم منها ورفض الإجابة على القسم الآخر، وكان هناك سؤال من الناشرين البريطانيين محدد له يتناول قراره السيء الصيت والمردود في حل الجيش العراقي وهدم تلك المؤسسة العسكرية الوطنية العراقية وتبديد كل تراثها وخبراتها وتشريد منتسبيها على مختلف مستوياتهم القيادية والإختصاصية والمهنية وذلك في قراره المشؤوم الصادر بإسم (سلطة التحالف المؤقتة ) تحت الرقم 2 في 23/5/2003،أي بعد إثنا عشر يوما من تسلمه مسؤوليات العراق في 11/5/2003 من قبل رئيسه جورج دبليو بوش..وفشل بريمر في الإجابة على ذلك السؤال مما أدى الى إعتذار الناشرين البريطانيين لإستلام مهمة طبع كتابه ونشره وسلمت له مسوداته حيث عاد الى أمريكا وظهر كتابه المعروف تحت عنوان (عام لي في العراق..النضال من أجل المستقبل والأمل!! ) من طباعة ونشر الدور الأمريكية!!.


واليوم تحل الذكرى الثامنة والثمانون لميلاد الجيش العراقي في السادس من كانون الثاني العام 1921 حينما خرج الى الوجود تحت الإحتلال البريطاني آنذاك، أول فوج عسكري عراقي نظامي ومن مدينة الكاظمية ببغداد تحت اسم (فوج الإمام موسى الكاظم)،ولا علاقة البتة بين هذه الذكرى الأصيلة لميلاد الجيش العراقي والتاريخ المزور للجيش الحالي في العراق والذي شاء الإحتلال وبريمر بأن اعتمد يوم 8/8/2003 يوما لتأسيس الجيش العراقي الحالي..


وشاءت ظروف العراق ووضعه ما بين الإحتلال البريطاني آنذاك ورغبة العراقيين وقياداتهم الوطنية في الإستقلال والسيادة الكاملتين بأن يلعب الجيش العراقي دورا خطيرا ومؤثرا في الحياة السياسية العراقية وحينما بدأ الإحتلال البريطاني في الإنحسار والتمركز في قاعدتي الحبانية بالرمادي والشعيبة بالبصرة الجويتين بعد توقيع معاهدة 1930 واستقلال العراق كاملا بموجبها العام 1932،بدأ دور الجيش العراقي الى جانب توسعه يكبر وقد ساعدت إنتهازية بعض السياسيين العراقيين وجموحهم للوثوب الى السلطة بالإعتماد على الجيش وقوته الضاربة مما أدى الى قيام الحركة العسكرية الإنقلابية الأولى في الوطن العربي المعروفة بإسم (إنقلاب بكر صدقي العام 1936 ) وخلقت وضعا سياسيا جديدا سرعان ما دبت فيه روح التآمر والتحرك المضاد وكان ضحيته قائد الإنقلاب نفسه بكر صدقي الذي أغتيل في مطار الموصل العام 1937 وهو في طريق ذهابه لحضور مناورات للجيش التركي وأغتيل معه قائد القوة الجوية العراقية آنذاك العقيد الطيار محمد على جواد والذي يمت بصلة قربى للزعيم عبد الكريم قاسم (أبن خالته) قائد ومؤسس جمهورية العراق في 14 تموز 1958..


لقد بني الجيش العراقي على الأساس العراقي الوطني والفكرة القومية ولنا في قائده الأول ومؤسسه الفريق المرحوم جعفر العسكري خير تلخيص ومثال على ذلك، وكانت تضحيات منتسبيه جنودا وضباط صف وضباط موضع فخر وإعتزاز كل العراقيين وساهم الجيش العراقي في كل معارك الأمة العربية على أرض فلسطين للدفاع عن الحق الفلسطيني والعربي المغتصب من الصهاينة الإسرائليين المحتلين لذا كان هدف الإحتلال الأمريكي للعراق هو استهداف العراق وجودا وسيادة من خلال تدمير الجيش العراقي ولقد كان هذا الهدف اللئيم يتجاوب مع كل أعداء العراق من الصهاينة وحلفائهم في داخل العراق والمنطقة العربية والطائفيين العملاء والرجعيين العنصريين الإنعزاليين وقد وضع الإحتلال السلطة والقوة بأيدبهم ليعملوا ذبحا وقتلا للوطن العراقي وتهديد وحدته وتبديد كرامته وسيادته لدى جورج بوش وتابعه بول بريمر..


إن الإحتلال الأجنبي الغاشم الذي تأسس وقام على الكذب والمراوغة وتزييف الحقائق منذ ما قبل بداية عدوانه العسكري الشامل في 20/3/2003،استمر على هذا المنوال في كل تفاصيل الحياة العراقية السياسية منها وغير السياسية وأقرب مثال نسوقه للمواطن العراقي هو السعي المحموم لجمهرة قطعان الوضع الراهن الحاكم ببغداد وكذبهم المصر بوقاحة حول الإتفاقية الخيانية التي أبرموها مع واشنطن الشهر الماضي من أنها ستخرج العراق من الفصل السابع لمجلس الأمن الدولي وقد كتبنا وكتب غيرنا ومن واقع الإختصاص والخبرة بأن لا علاقة بين الموافقة على هذا الإتفاق والخروج من الفصل السابع،وأن هذه فرية أخرى يقدمها الإحتلال وعملائه الحاكمين ببغداد وأثبتت الأيام القريبة الماضية بعد توقيع الإتفاق وحضور بوش الى بغداد وضربه بالحذاء من قبل المواطن العراقي الشهم منتظر الزيدي في 14/12/2008،صدق ما راحت له القوى العراقية الوطنية الرافضة للإحتلال والمقاومة له بشتى الوسائل حينما صدر قرار مجلس الأمن بتمديد العمل وفق إجراءآت الفصل السابع ولسنة أخرى هي 2009!!،والشيء الآخر الذي ينسحب وبالتفاصيل المأساوية حول عمل الإحتلال التخريبي وبمساعدة عملائه في تأهيل الجيش العراقي (الجديد) والذي أقروه وخلقوه كما بينا في بداية هذه الكتابة،وما الأصوات المسمومة والمشبوهة التي أرتفعت العام الماضي 2008 بالممانعة في التسلح النوعي لهذا الجيش (الجديد) خصوصا في مجالي الطيران والمدفعية والمدرعات ألا بعضا من هذه الجرائم التي ترتكب بحق العراق وطنا وشعبا..والأخزى بأن ترتفع بعض الأصوات المأجورة لأمريكا وإيران والصهيونية ممن مكنهم الإحتلال في السلطة الحالية ببغداد، تطالب بعدم إعتبار ضحايا الجيش العراقي من خلال معاركه السابقة مع الأعداء شهداء للوطن!!!!


إن مئات الألوف من المواطنين العراقيين الشرفاء والوطنيين من أبناء القوات العراقية المسلحة الذين أعتدي على حق الوطن العراقي من خلال الإنتقام منهم تحت واجهة حل الجيش العراقي وإجتثاث البعث ليقفون اليوم احتراما وإجلالا لذكرى تأسيس الجيش العراقي الباسل،جيش المروءآت والتضحيات الوطنية والقومية، جيش تموز ورمضان وفلسطين والجولان والسويس،جيش الوقفة التاريخية الكبرى لثماني سنوات متصلة في الحرب العراقية الإيرانية ومن ثم في الدفاع عن العراق العظيم في حرب الخليج الثانية العام 1991،والحرب الأخيرة في 2003، جيش الوحدة والنخوة الوطنية العراقية،ونقف إجلالا وإحتراما لشهدائه الخالدين الذين ضحوا بأرواحهم من أجل العراق وسيادته وكرامته،ومن أجل الأمة العربية وأهدافها في التحرر والوحدة والحياة الأفضل..


تحية إعزاز وإكبار لذكرى الجيش العراقي في عيد ميلاده الثامن والثمانين،وليعش شعبنا العراقي الصابر المحتسب حرا موحدا على طريق النضال والمقاومة لإنهاء الإحتلال وعملائه داخل الوطن في سبيل خلق عراق ديمقراطي وطني حر موحد لكل العراقيين دون تفؤيق أو تمييز،،،ولكأني أستعيد بهذه المناسبة العزيزة الغالية والخالدة ما أبدع فيه شاعر العراق والعرب الأكبر المرحوم محمد مهدي الجواهري في قصيدته الرائعة قبل أكثر من خمسين سنة وهو يحي الجيش العراقي بعد ثورة 14 تموز 1958 بقصيدة عنوانها (جيش العراق) يقول في مطلعها.. سدد خطاي لكي أقول فأحسنا فلقد بلغت بما يجل عن الثنـا
جيش العراق ولم أزل بك مؤمنا وبأنك الأمل المرجى والمنى.

اسماعيل القادري

واشنطن

E-mail: [email protected]