الإتفاقيةِ الأمنيةِ العراقيةِ الأمريكية
تجددُ الأملَ في تحقيق ِ الكثير ِ من الأحلام ِ العراقية
قبلَ كل شيئ أهنىءُ الشعبين العراقي والأمريكي بأعياد ِ رأس ِ السنة ِ الجديدة، وعلى توقيعهما الأتفاقية ِ الأمنيةِ قبلَ شهر ٍ من حلول ِ عام 2009، لما لها من أهمية ٍ بالغة ٍ لأمن ِ وأستقرار ِ ومستقبل ِ العراق، فهي تأتي بأهمية ِ تحرير ِ العراق ِ من الدكتاتورية وبمقام ِ كتابة الدستور وأقراره، وبمنزلة ِ سعي الشعبَ العراقي لتحقيق ِ الحرية ِ والديمقراطية.
فلولا الأتفاقية ِالأمنيةِ لسقط َ الأملُ في تحقيق ِ الكثير ِ من هذه الأحلام.
جاءتْ مناسبةُ توقيع الأتفاقية الأمنية مع يوم عيد الشكر في أميركا، هذا التقليد الذي سار عليه الأمريكان منذ مائة وخمسين عاما في أحتفالهم السنوي في مثل هذا اليوم من كل عام، حيث تجتمع العوائل الأمريكية من أماكن متفرقة، تولم الولائم وتقدم المطبوخات والمأكولات المتنوعة، لتشكر الله على كثرة نعمه وبركاته، وتقدم الأمتنان وتحي الحرية والأستقلال والديمقراطية و تثني على كل من يحترم حقوق الأنسان والتسامح وغيرها من القيم الأنسانية. فليكن يوم توقيع المعاهدة الأمنية عيداً عراقياً كعيد الشكر في أميركا.
قالَ الرئيس ُ الأمريكي ُ المنتخبُ بارك أباما في كلمته ِ بعيد ِ الشكر، إنه يقتدي ببطله ِ السياسي، ونموذج ِ حياته، الرئيس الأمريكي أبراهام لنكلن، الذي أدخلَ عيد الشكر في التقويم الأمريكي في أصعبِ ظروف الولايات المتحدة الأمريكية، حينَ كانتْ الحرب الأهلية الأمريكية قائمة، على أثر القرار الحاسم الذي اخذته أقاليم الشمال بقيادة الرئيس أبراهام لنكلن من مسالة ِ تحرير ِ العبيد، واعطاء حقوقهم كبشر ٍ أسوياء، الأمر الذي عارضته أقاليم الجنوب وأعلنتْ إنفصالها واتحادها الكونفدرالي وحربها ضد اقاليم الشمال، الا انها فشلتْ بعد أربع ِ سنوات، وكان النصر حليف أقاليم الشمال، بقيادة الرئيس أبراهام لنكلن، الذي تم أنتخابه ثانية، ولشدة ِ حنكة ِ ودهاء ِ الرئيس المقتدر، قررَ أختيار خصومه ووضعهم في مواقع مهمة ورئيسية في الدولة، ليتجاوز بفعله هذا آثار الحرب الأهلية التي ارهقتْ الأمريكان، ويكسبٌ بنفس ِ الوقت ِ رضا معارضيه في سبيل أعلاء شأن الولايات المتحدة، الذي دفع َ حياته ثمنا لوحدتها وحرية شعبها، وفعلا بدأتْ تتحقق ُ أحلامُ أميركا في الرخاء ِ والسلام ِ منذ ذلك الحدث الجلل. وأكد الرئيس باراك أباما أنه سيقتدي بِمََثلهُ الكبير الرئيس الأمريكي أبراهام لنكلن في تعامله مع منافسيه السياسيين، وصدق َ بما قال، حين أختارَ هليري كلنتن وزيرة للخارجية الأمريكية، وكانت أكبر منافسة ومناوئة له في حملتة الرئاسية الأنتخابية، وأبقى روبرت غيتس وزيراً للدفاع، مثلما أختاره الرئيس جورج بوش، وأضافَ في كلمته بيوم الشكر، قائلا : quot; يستطيعُ الأمريكيون ان يعبروا عن شكرهم ٍ بصوت ٍ واحد ٍ وقلب ٍ واحد ٍ لأن الغذ سيكون مشرقاquot;، كلمات كلها تعبر عن روح الوحدة الوطنية والتفاؤل بالأرتقاء الى الأمام.
ففي الأتفاقية ِ الأمنية نِعَم كثيرة للشعب العراقي، فهي من جانب تعطينا الأمل في بناء وأستقرار العراق ووحدته، وخاصة اذا أحسنَ في تقليص الجيش، مما يبعدنا من شر الأنقلابات العسكرية وخطر تهديد دول الجوار، ومن جانب آخر تفتح لنا أبوابا في الأستفادة من الخبرات الأمريكية الكبيرة في كل المجالات. كما وان ضحالة السجالات التي سبقت التوقيع على الأتفاقية كشفت لنا عورات الكتل السياسية وأهدافها الضيقة. فالأتفاقية الأمنية مسألة ٌ وطنية، تهمُ مصير العراق ومستقبله، تسمو فوق المصالح الحزبية والفئوية، الا ان كثيرا ً من الكتل ِ التي عارضتها، أرادتْ منها ان تكونَ رهينة ً بيدها لحين ِ تحقيق مصالحها الخاصة، وذلك بطلبهمْ عدم التصويت على الأتفاقية، الا بعد ضمان ِ التصويت ِ على ما سموه بميثاق ِ الأصلاح ِالسياسي، ما يتضمن ُ بنود ٍ وفقرات ٍ تبتعد كل البعد عن مضمون ِالأتفاقية ِالأمنية، ولكنها تتعلق ُ بمصالح ِ الأحزاب ِ المعترضة، وحتى أخواننا الأكراد المتحمسين جدا للمعاهدة، طلبوا توقيع وثيقة شرف لهم، قبل ان يتمَ التوقيع على المعاهدة الأمنية، ما تضمن َ الأيفاء بحل المشاكل العالقة بين حكومة الأقليم والحكومة المركزية. هذا إضافة الى ان بعض المعارضين للمعاهدة الأمنية رفضوها قبل ميلادها بسبب ِ خلافاتهمْ مع السيد ِ رئيس ِ الوزراء، أو مع عائلة ِ آل الحكيم ِ لأمور لا تمت ُ بأي صلة الى مضمون ِ المعاهدة. وَمِن ْ المعارضين مَن ْ راهنوا دوما على تحديد ِ جدول ٍ زمني ٍ لخروج ِ القوات ِ الأمريكية ِ من العراق، لكنهم رفضوها رغم َ إنها تحددُ ذلك الجدول الزمني، مما يدل على ان كل فئة تريد ان تستأثر بحصة ٍ من المكاسب ِ لنفسها، أما حصة الوطن فحدث ْ عنها ولا حرج، فواحسرتاه.
وهذا لا ينفي مشروعية الكثير من المطالب الإصلاحية للأحزاب السياسية، كمسألةِ إعادة ِ النظر ِ في بعض بنود الدستور الذي كُتبَ في ظروف خاصة وبسرعة، أو نزاهة الأنتخابات التي تمَ خرقها في أماكن ِ كثيرة ٍ أو حل ِ الخلافات ِ بين الحكومة ِ المركزية ِ وأقليم ِ كردستان، الا ان إعطاء الأولوية لهذه الأمور وجعل توقيع المعاهدة الأمنية رهينة بالموافقة عليها، لا ينم عن فهم عميق ٍ للمصالح الوطنية العليا، ولا يعبرُ عن إرتقاء ٍ في مستوى التفكير بما يتناسب ووضع العراق.
كان على تلك القياداتِ ان تدركَ المخاطر المحيطة بالعراق، وتستوعب وضعه الصعب واحتمال أنقساماته الداخلية، وتطالب بمعاهدة أمنية وعسكرية طويلة المدى، تتعدى الثلاث أو الخمس سنوات مع الموافقة على بناء قواعد عسكرية أمريكية دائمة، لغرض حماية العراق الغني من الأطماع المحيطة به وإكمال بناء أمنه وإستقراره الوطني، ما يكفيه مشقة تكاليف إعادة بناء جيش كبير في العراق، والأكتفاء ببناء جيش مناسب وقوات شرطة وأمن لغرض حماية الحدود والأمن الداخلي، أسوة بما حدث في دول متقدمة أخرى، لا زالت تحتضن قواعد عسكرية أمريكية على أرضها، بحيث تسنى لها التفرغ لبناء وأعمار بلدانها واسعاد ورفاهية أبناء شعبها.
واليوم ونحنُ نودعُ عام 2008 وبعد أعيادِ ميلادِ سنةٍ جديدة، سنعيش مع عيد ِ توقيع ِ الأتفاقية ِ الأمنيةِ كل يوم، نأمل بغدٍ عراقي ٍ مشرق، تنفتحُ أحزابهُ السياسية بعضها على البعض، وتستفيد من التجربة الأمريكية وغزارة دروسها، وتتجاوز خلافاتها وتتسامح مع بعضها، وتخطو خطوات مماثلة لخطوات الشعب الأمريكي، في أختيارِ قياداتها السياسية، أختيارا ديمقراطيا حرا، كما تم إنتخاب الرئيس باراك أباما، وهو أفريقي أسود، من أصول ٍ مسلمة، رئيسا لأقوى دولة في العالم، ونتمنى من القيادات العراقية الوطنية، ان تحذوا حذوَ الرئيس الأمريكي أبراهام لنكلن والرئيس الأمريكي المنتخب بارك أباما في تعاملهم مع منافسيهم. وأخيرا ً نكرر شكرنا للأمريكيين، وخصوصا الرئيس جورج بوشِ على تحريرهم العراق مؤكدين َ لهم الأستمرارَ في دوام صداقتنا المتينة، وصيانة معاهدتنا الأمنية المشتركة، والمحافظةِ على الأحتفال ِ في يوم ِ التوقيع ِ عليه في كل عيد شكر أمريكي قادم، لتحقيق مصالحنا المشتركة وإدامة علاقاتنا وتثبيت دعائم الحرية والديمقراطية في العراق.
الدكتور ثائر البياتي
التعليقات