لقاء مدريد الأميركي-العراقي... الجزء الرابع

المقايضة على دولة الكويت؟


بعد المناقشات التي جرت بين صدام و الوفد العراقي الذي إختاره بنفسه للقاء وفد أمني و سياسي أميركي في العاصمة الأسبانية مدريد حسم الرئيس العراقي السابق الموقف مؤكدا أن قرار الحرب ضد إيران قد بات الخيار الأخير و الأوحد الذي لا مناص عنه، و إن مهمة الوفد العراقي في مدريد تتلخص في إنتزاع ما يمكن إنتزاعه من مواقف تأييد أميركية عملية للخطوة الكبيرة القادمة و التي قدر لها فيما بعد أن تغير وجه المنطقة.

الطريق إلى مدريد :
غادر الوفد العراقي مطار بغداد متوجها لمدريد عن طريق باريس يوم 15 تموز / يوليو 1980، و بات الوفد تلك الليلة في باريس وواصل في اليوم التالي طريقه لمدريد حيث حل في فندق ماريوت في العاصمة الإسبانية و ظل ينتظر هناك وصول الوفد الأميركي الذي وصل فعلا يوم 18 تموز / يوليو بعد أن أبلغ سبعاوي إبراهيم الحسن الوفد العراقي بذلك، و في يوم 19 تموز / يوليو تم اللقاء الأميركي / العراقي المنتظر في فيلا جميلة يملكها سبعاوي التكريتي في الجزء الشمالي من مدريد و كانت فيلا رائعة ذات حديقة أندلسية غناء و كان يشرف على الخدمة فيها عائلة مسيحية عراقية و المشرف على الخدمة إسمه ( البير حنا )!، و بعد فترة إنتظار دامت حوالي نصف ساعة وصل الوفد الأميركي بسيارتين ذات دفع رباعي لونهما أسود و بزجاج مضلل، و كان الوفد الأميركي مكونا من أربعة أشخاص و كان رئيس الوفد هو دونالد رامسفيلد و كان في إستقبالهم في مدخل الفيلا سبعاوي إبراهيم و كان الوفد العراقي ينتظر في الصالة التي دخلها رامسفيلد و الوفد المرافق له ليجد أمامه الدكتور اللواء فاضل البراك و بقية أعضاء الوفد العراقي ثم إنتقل الوفدان إلى غرفة كبيرة أخرى تضم مكتبا فاخرا وواسعا جدا جلس حوله أعضاء الوفدين و بدأ دونالد رامسفيلد الكلام و قال:
أنا سعيد جدا أن ألتقي بالأصدقاء العراقيين و أنا هنا من أجل أن نضع حدا لنظام شاذ، نظام ولد في غفلة من غفلات الزمن، و أستطرد رامسفيلد قائلا كان شاه إيران السابق صديق لنا كما كان صديق العرب و خصوصا عرب الخليج، و كان يشكل سد منيع في وجه الشيوعية التي تكمن على حدود شمال بلاده، اليوم يجلس على رأس السلطة بإيران رجال دين و أناس يجهلون العمل السياسي و قواعد السياسة الدولية أو الجيرة أو إحترام المواثيق الدولية، يلعبون في مستقبل العالم و يشكلون تهديد مباشر و غير مباشر للعراق و دول الخليج و هذا التهديد لا يشمل العراق فقط أو دول الخليج بل أنهم يشكلون تهديد لمصالح العالم الإقتصادية، إن منطقة الخليج تشكل الشريان الإقتصادي المهم في العالم و إن 65% من البترول في العالم يأتي من هذه المنطقة و إيران تلعب بالنار من خلال مشروعها في تصدير الثورة الإسلامية إلى دول و أنظمة العالم الإسلامي، نحن كأميركان لسنا ضد الإسلام بالعكس نحن أكثر من يحترم الدول الإسلامية و يحترم الإسلام كدين و هذا ما لا ينطبق مع توجه إيران التي تحاول أن تفرض أفكارها و هيمنتها على دول العالم الإسلامي و على جوارها الجغرافي تحديدا مثل العراق و دول الخليج خاصة بعد ما رأينا ما حدث في إحتجاز بعض الأبرياء في الكعبة مركز الإسلام المقدس ( يقصد حادث جهيمان العتيبي أواخر عام 1979)، و هذا ليس بنهاية بل بداية و ما يفعله عملاء إيران في العراق و ما تعرض له السيد طارق عزيز في حرم جامعة بغداد في نيسان / أبريل الماضي ( 1980) و هنا تدخل الدكتور فاضل البراك ليصحح للسيد رامسفيلد معلومته بالقول : لا لم تكن جامعة بغداد بل الجامعة المستنصرية في بغداد!!، فضحك رامسفيلد و قال : أيا تكن فإنها حرم جامعي دراسي إنتهك عملاء إيران هذا الحرم و حاولوا قتل السيد عزيز هناك، إن إيران إن لم تقف عند حدها و يجب أن يتم ذلك بأسرع وقت ممكن فإن هذا التنين سوف يتمدد إلى كافة المنطقة إن إيران لا تشكل خطر بل هي الخطر بذاته يجب علينا أن نتعاون و أن نضع أسس متينة لبناء تحالف قوي يوقف إيران عند حدها بل يجب إسقاط هذا النظام المتخلف و الذي يعمل بعقول القرون الماضية، إننا نعيش في القرن العشرين و نسعى لبناء عالم متحضر متعاون، إننا نمد أيادينا إلى الأصدقاء في العراق لنتعاون معا في تقويض هذا النظام قبل أن يتمكن من بناء قدراته الخاصة و فرض هيمنته على السلطة في إيران و إن كل يوم يمر سوف يزيد من تحدي هذا النظام للعالم و الإستمرار في السير بأعماله الخطرة تجاه العراق و دول الخليج و العالم الإسلامي كما أن هذا النظام بات يزداد كل يوم قوة و منعة و شراسة بداخل إيران و خارجها و إنه يشكل خلايا واسعة في العديد من الدول الإسلامية و إن تغاضينا عنه سوف يصعب علينا في المستقبل تحجيمه أو القضاء عليه، علينا أن نهمل بأسرع وقت على تقويض هذا النظام كما أن لنا أصدقاء في داخل إيران و لنا أصدقاء إيرانيون في الخارج على أهبة الإستعداد للتعاون في تحقيق ما نصبو إليه.
وهنا تدخل فاضل البراك ليسأل رامسفيلد عن ماهو المطلوب من الجانب العراقي بالضبط؟ فأجابه رامسفيلد بسرعة قائلا : يجب شن حرب على إيران لكي يتزعزع النظام و ينهار و يسقط و لنا أصدقاء في الداخل الإيراني جاهزون للإنقضاض على السلطة فور إندلاع الحرب!!، و العراق يمتلك جيش متطور و متمكن و له القدرة على شن الحرب و أنا معي صور و خرائط نمتلكها عن إيران تحدد فيها الأهداف التي على العراق ضربها و ضرب هذه الأهداف سيقوض هيكل الحكم في إيران و مع بدء الحرب سوف يتحرك فورا أصدقائنا في الداخل و هذا يعني أن النظام سينهار خلال أسبوع بأقصى حد بعد إعلان الحرب !!، و النظام سوف لا يستطيع الصمود لأن الجيش الإيراني الآن مقيد من قبل جهاز الحرس الثوري و لا يستطيع التحرك لإسقاط النظام و إعلان الحرب سوف يعطي الفرصة للجيش الغير موالي للنظام للتحرك بعد أن تسود الفوضى، بعد إندلاع الحرب سوف نكون معكم و نمدكم بكل المعلومات العسكرية و الإستخبارية عن تحركات الجيش الإيراني بواسطة الأقمار الصناعية الأميركية التي تمسح إيران كل 72 دقيقة باليوم، نعدكم بأنه لن يكون لإيران حرية الحركة و المباغتة لجيشكم !! بل سيتخلخل الأمن هناك و يسقط النظام.

داود البصري

[email protected]