تخاض حملة تشويه كبيرة ضد الأكراد. حملة تنهض بها الدول والحكومات التي تتقاسم حياة الأكراد ومصيرهم فضلاً عن مجاميع حزبية وأشخاص لا يهنأ بالهم من رؤية الأكراد يستعيدون بعض حقوقهم المهدورة طوال التاريخ.
لم تهدأ هذه الجهات يوماً في سعيها إلى تصوير الأكراد في هيئة كائنات خرافية لا تكف عن صنع المكائد وحبك المؤامرات. ومع القضاء على الطاغية صدام حسين وبزوغ فسحة أمل في أن يحظى الأكراد بقليل مما حرموا منه طويلاً من هواء الحرية زادت تلك المساعي سعيراً فكأن ناراً اشتعلت وأخذت تلك الجهات في أتونها.
في الوسع تبين ثلاث جهات في صفوف هذه الحملة:
1ـ حكومات تركيا وسوريا وإيران التي لا ترتاح من حصول أكراد العراق على حقوقهم.
2ـ التجمعات الطائفية والتنظيمات الإرهابية في هذه البلدان وامتداداتها في الجوار الإسلامي.
3ـ أشخاص تربوا في كنف الإيديولوجيات الشوفينية وتغذوا بالكراهية القومية والتمييز العنصري.
إن الأمر الذي يلفت الانتباه ويثير العجب هنا يكمن في أن هؤلاء لا يطرحون أفكاراً في سياق الاختلاف مع الجهات الكردية بل هم يرفضون الواقع الكردي بجملته.
من الطبيعي أن تثير القضية الكردية ردود فعل متباينة، شأنها في ذلك شأن أي قضية سياسية أخرى. ومن الطبيعي أيضاً ألا يحظى السلوك السياسي للقادة الأكراد بتأييد الجميع. إنهم لا يختلفون عن القادة السياسيين في العالم كله من حيث إمكانية ارتكاب الأخطاء. والحال أن الكتاب الأكراد ونشطاء الرأي العام الكردي لا يكفون عن انتقاد الساسة الأكراد وإظهار معارضتهم لهذا الجانب أو ذاك من صنيعهم السياسي.
و لكن أصحاب الحملة لا يناهضون الساسة الكرد وحسب بل هم يضمرون كراهية شديدة لكل ما هو كردي. لا تقتصر حملتهم على جهة كردية دون أخرى أو حزب كردي دون آخر بل هي تشمل الأكراد كلهم. فما يغيظهم ليس هذا الجانب أو ذاك من المشهد السياسي الكردي بل الأكراد كشعب قائم بحاله.
لن أتوقف هنا عند موقف الحكومات والأحزاب والتنظيمات المعادية للحقوق الكردية. يهمني هنا لفت الانتباه إلى الطابع العدائي الصارخ الذي تتسم به كتابات عدد من الكتاب والصحافيين العرب إزاء الحالة الكردية في عمومها. ولست في وارد مناقشة هذه الكتابات أو الرد عليها. فالأمر لا يتعلق بآراء بل ببيانات تقريرية تمتلئ بالشتائم وتحض على الكراهية. إن المرء يحترم الرأي الآخر المختلف مهما كانت درجة الاختلاف ولكن ليس في الإمكان القيام بحوار فعلي مع أشخاص يشتمون ويحضون على الحقد.هذه المجموعة من الكتاب العرب أخذوا على عاتقهم مهمة واحدة ووحيدة: تشويه القضية الكردية والطعن في مشروعية الحقوق الكردية. ولهذه الغاية يتم تسخير كل شئ: الكذب والتحريض وبث الكراهية والحض على التمييز العنصري.
العنصرية ليست وجهة نظر بل جريمة. ولا يستطيع المرء القيام بمناقشة العنصريين.
إن قيامهم بمثل هذا النشاط العنصري ضد الأكراد من خلال تصويرهم في هيئة أعداء للقوميات والمجتمعات الأخرى يشكل عملاً تدميرياً لايقل خطورة عن عمل من يمارسون القتل على الهوية. إن المحرض على القتل في منزلة القاتل.
من هؤلاء من يقول أن الأكراد هم الذين يقتلون المسيحيين في العراق لأن ذلك يساعد على تفريغ المنطقة منهم. ( الواقع يشير إلى أن المسيحيين يهربون من أنحاء العراق ويلوذون بكردستان طلباً للأمان). وثمة من يقول أن الأكراد يقومون بتكريد كركوك ( كما لو كانت كركوك تقع في جنوب العراق ويمضي الأكراد للاستيطان فيها) ويطردون السكان التركمان منها......الخ. وواحد يقول: الإسرائيليون يساعدون الأكراد من أجل إقامة دولة كردية. بل إن أحدهم كان اكتشف أن الزرقاوي شخص كردي تدفعه الجهات الكردية لقتل العرب.
وفي مجتمعات تهيمن فيها الحساسيات الدينية والمذهبية والقومية فإن هذه الكتابات التي تستند إلى إشاعات مبتذلة لا تستند إنما تعد جريمة سافرة. هذه ليست كتابات جادة ولا وجهات نظر محايدة ولا تحقيقات نزيهة. إنها محض تحرض على العنف والاقتتال.
هذه، كما قلت، ليست آراء سياسية أو أفكار خلافية تستدعي الحوار. إنها اتهامات صريحة. هي اتهامات خطيرة تثير العداء والحزازات القاتلة. اتهامات تبدو وكأنها حقائق ملموسة لمس اليد لولا أنها تفشل في إيراد دليل عملي واحد. فأين هم الضباط والجنود الإسرائيليون في كردستان العراق؟ لماذا يعجز المصورون الصحافيون والمراقبون في رؤيتهم؟ وإذا كان هؤلاء أفلحوا في رؤيتهم فلماذا لم يتمكنوا في التقاط صورة واحدة لهم؟ لماذا استطاع سيمون هيرش تصوير ممارسات الجنود الأميركيين داخل سجن محروس بكثافة كسجن أبي غريب فيما يفشل في تصوير ضباط وجنود يسرحون ويمرحون في شوارع المدن الكردية ودروب أريافها؟
وأين التطهير العرقي الذي يمارسه الأكراد بحق الآخرين في كركوك؟ أين الضحايا؟ ماذا حل بهم؟ هل باتوا يعيشون في العراء أم في مخيمات محاطة بالأسلاك الشائكة؟ لماذا لا يستطيع أحد رؤيتهم؟ هل يعيشون في كوكب آخر؟ هل عودة الأكراد الذين كان النظام البعثي العنصري طردهم من ديارهم إلى مواطن سكنهم السابق تطهير عرقي؟ هل رجوع الأكراد المرحلين الذين أبعدوا قسراً عن ديارهم إلى بيوتهم ومزارعهم تكريد للمنطقة؟ لماذا لم يكتب أحد من هؤلاء سطراً واحداً أثناء عمليات تعريب كركوك وحملات الأنفال والمجازر الوحشية بحق الكرد. لو كانوا فعلوا آنذاك لكنا صدقناهم الآن. ومن يقدر أن يرى الآن الظلم الكردي المزعوم بحق العرب والتركمان كان يستطيع أن يلحظ ظلم الحكومة البعثية بحق الكرد.
لماذا يفشل هؤلاء في الإتيان بشخص واحد، واحد فقط، من أكراد سوريا أو إيران أو تركيا ممن جاءوا للسكن في كركوك مثلما يزعم هؤلاء؟ لماذا لا يأتون بخبراء الانثروبولوجيا واللهجات كي يكشفوا القادمين من تلك الجهات. إن أكراد تركيا وسوريا وإيران يتكلمون لهجات تختلف كلياً عن لهجة أكراد كركوك.
العنصرية وحدها، ولاشئ غيرها، هي التي تقف وراء نزعة تبشيع الأكراد وتصويرهم في هيئة الشياطين. ألم يقل أحدهم أن الزرقاوي كردي وأن تنظيم الجهاد والتوحيد أسسه الأكراد؟
أكاذيب وحشد غرائزي للأحقاد وتعبئة صارخة على الكراهية. من يفعل ذلك لا يمكن إلا أن يكون عنصرياً بدائياً جاهلاً. أليس جاهلاً من لم يستطع الإلمام ولو بقليل من الواقع الكردي؟
هؤلاء لا يتورعون عن اللجوء إلى كل شئ من أجل خوض حملتهم المعادية للأكراد حتى ولو تطلب الأمر الاستخفاف بعقول القراء ومداركهم. ألم يقل أحدهم أن إسرائيل والأكراد سينشئون جيشاً مشتركاً قوامه 3500000 عسكري يمتد من أربيل إلى تل أبيب. هو لم يقل، للأسف، من أين سيمضي هذا الجيش. من دمشق أم من حلب؟
نزار آغري
التعليقات