شكله مثير، ورسمه اكثر اثارة، لكن ملامحه ما زالت غائبة عن بصائرنا، وقسمات وجهه معفرة بطلع الغيب، ينظر بعين واحدة (التسعة)، ويفتح فمه (الاثنين)، ويرتكز بقدمين بينهما مساحة فارغة الا من نقطتين، من صفرين، من حجرين، من لؤلؤتين، من شيئين غريبين، متلاصقين، مفترقين، معتقين منذ عشر سنوات، غائبين عن الوعي او نشيطين، كأنهما تقولان ان المجهول يمكن في خباياهما، مثل بئرين غميقين، لايدرك احد على ماذا يحتويان!!.

تارة اشعره يرعبني، وتارة اخرى احسه يهدهدني ويربت على كتف مشاعري، لكنني في الحالتين اراه مجهولا غامضا، لا اجد فيه ما يزيل قلقي، ولا ما يؤكد تفاؤلي،اشاهد وجهه مطبوعا على صفحات الغيب، مرة.. مثل طفل يلهو بألعابه المختلفة، يشكلها كيفما شاء و(يخربطها) كيفما اتفق، ومرة اشاهده صبيا يلعب الكرة في حديقة الدار، يرفض ان يلعب معه احد، فيسددها على الاشجار فيساقط ثمرها، الناضج وغير الناضج، او على زجاج النوافذ فيكسرها، ويجعل اهلها يتصارخون شكوى وعتبا وتوبيخا، او يتقاذفها بين يديه وقدميه، ومرة اخرى اشاهده شابا يتبختر في مشيه وهو يرتدي ملابس ملونة، واضعا على اذنيه سماعات، لا اعرف ماذا يسمع، بقدر ما كان يهتز طربا على وقع ما يسمع من ايقاعات لا اعرف كنهها، هل هي موسيقى فرح ام طبول حرب، ومرة اشاهده كهلا،احدودب ظهره، يحمل على ظهره متاعا، ليس معروفا، ويتوكأ على عصاه ويسير في طريق مليء بالضباب والغبار، لا اعرف ما في جرابه وليس هنالك من سقط له.

انه بدا كمن يجرجر قدميه في القدوم، يحاول ان لا يترك عام 2008 ذيولا منه على مطلعه، ويريد ان يولد حيا يمتلك البراءة ويرفع يديه لتحية العالم الجديد الذي ولد فيه، ويحيي من استقبلوه بالابتسامات وان كانت غير معبرة، انه يقف الان ويلف نصفه السفلي بقماشة بيضاء ناصعة، بينما نصفه العلوي عار تماما وان كان هنالك ثمة برد، انه لايأبه، فالولادة تشعره بالدفء، لكنه يرتجف من سوء طالعه الذي بدا كما قال لسان حاله من ازمات وحروب ومشاكل عديدة ورثها من العام 2008، ويتمنى لو كان نظيفا، طاهرا، لكنه شاء ام ابى، فمخلفات العام الماضي سترمى على ظهره وعليه ان يحملها الى اجل مسمى، لانه يرى نفسه كائنا هلاميا وعليه ان يتحمل اخطاء الانسان، اراه حين يستدير باتجاهي، يرفع كفه الى انفه ويغطيه به، يقول : ما اكثر الدخان في اوطانكم، انه خانق، مليء بالاوكسيدات، اشعره عديم الطعم وليست ثمة نكهة في النظر ولا متعة، اتراكم جبلتم على هذا؟


كنت ارسم احتمالاتي على مقدمه، اتخيل واتنبأ واتصور واحلم واتمنى واتذكر، واستعرض ما فات بصوت عال بكثير من التأففات والتأوهات، واقارنه بما سيأتي، او اسحبه اليه، لكن صوت 2009 جاءني هاتفا : ايها المستعرض.. توقف، لا تؤنبني على شيء لم اتخذه، ولا على ما يولد من رحمي قسرا، لست الا هادئا، ولكنكم معشر البشر تصيبونني بالعناء، انا اتطلع اليكم فقط وأعد ايامي بينكم، ومن ثم امضي الى عوالم التاريخ المجهولة، ان اصبحت مجنونا فلأنكم مجانين، وان غدوت سيئا، فأنتم من يغذيني بالسوء، انا مجرد حامل، وانتم من تعلقون علي الاشياء، لن اقول لكم لا، لانني اعرف ان كلمتي ليست مؤثرة لديكم، ايها المستعرض لما فات.. كن نبيها، لا تهرف بما لا تعرف، ولا تستنتج قبل ترى النتاج، وتأمل ان السنوات تترى مثل حمالة الحطب التي في جيدها حبل من مسد، تمضي على قدم وساق ما بين ليل ونهار، مسحوبة نحو غاية ما، حتى وان انكفأت او تعثرث، فالسير مرغمة عليه بدقائقه وثوانيه، لن تتوقف من اجل خاطر مكسور او لاجل عيون معينة، او لسحر ما او بهاء معين.

حين قلت له : ايها العام 2009 كنت اريد ان اقرأ طالعك، وحظك، ضحك وقال : ومن يمكنه ان يفعل هذا؟، مضحكة افكاركم ايها البشريون، طالعي انتم تصنعونه بانفسكم، وحظي انتم تقررونه بأفعالكم، بأمكانكم ان تغتالوا من تشاؤون وتحرقوا ما تريدون،ان تكتبوا وترسموا، تضحكوا او تبكوا، تشعلوا الحرائق في غاباتي، او تزرعوا الورد في اي مكان من صحاراي، بيدكم تسجلون ما يجري في ايامي ولست الا سجلا مفتوحا لكم.

عبد الجبار العتابي

بغداد

[email protected]