لم أفاجأ ابداً، كغيري، ببيان جماعة الإخوان المسلمين في سوريا والذي اعلن عن تعليق الجماعة لأنشطتها المعارضة للنظام السوريquot; توفيراً لكل الجهود للمعركة الأساسيةquot; وquot; انطلاقا من أولوية القضية الفلسطينية، ومن رؤية الجماعة لأهمية الدور العملي المناط بسورية في مواجهة العدوان، ودعم المقاومة، وتعزيز صمود أهلنا في غزةquot;. فالجماعة وبهذا البيان اعلنت عن صدقها مع مبادئها وولائها ـ الذي كان مستتراً وموارباً ـ للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين. هذا التنظيم الذي تٌشكل حركة quot;حماسquot; الفلسطينية الإصولية( وهي التي تتعرض إلى التصفية والهدم هذه الأيام) احدى اعضائه.

الذراع السوري للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين آثر الجهر بما يضمره، تاركاً العمل بالتقيّة وquot;المواربةquot; وquot;فن السياسيةquot;، واعلان الدعم الكامل لحركة quot;حماسquot; ولquot;قضية الأمةquot; بشكل علني وعلى رؤوس الأشهاد. وبهذا الموقف تكون الجماعة قد أبرت واوفت لمبادئها التي تأسست عليها، وهي مبادئ quot;عابرة للحدودquot; ولاتعترف سوى بمنهاج الخلافة وحكم الشريعة، بدل التأطر والتقولب في quot;الإطار الوطنيquot; السوري.

واهم ومغتر من كان ينتظر غير هذا الموقف من الإخوان المسلمين واسرائيل تقتل كل يوم عشرات المسلمين السنّة وتصطاد قيادات حركة quot;حماسquot; بين حواري وأزقة قطاع غزة. من الطبيعي ان ينحاز التنظيم، والحال هذه، لquot;نصرة الأمةquot; وإعلان الهدنة مع النظام السوري لحشد الطاقات للدفاع عن quot;حماسquot;( التي يقيم قادتها في قلب دمشق) والإستعداد لتقديم كل شيء من اجل quot;دحر العدوان الإسرائيليquot;.

المنطق الذي حرّك الإخوان المسلمين السوريين لنصرة quot;حماسquot; هو نفس المنطق الذي يحرك حزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان لوقف الهجوم الإسرائيلي وإطلاق quot;الكلام القويquot; ضد حليفة بلاده إسرائيل، بينما الطائرات التركية تدك القرى الكردية وتقتل أهلها. هو ذلك المنطق الذي يحرك تركيا لكي تدعم quot;اقربائهاquot; التركمان في العراق وتنصرهم ظالمين أو مظلومين. هو ذلك المنطق الذي يحرك إيران لدعم quot;حزب اللهquot; الشيعي اللبناني والأحزاب الدينية في العراق والأذرع والخلايا المذهبية في الخليج ومصر.

ثمة وفاء كبير للقيم والمبادئ هنا( بغض النظر في اتفاق أو اختلاف المرء معها) ولاسبيل سوى لتفهم الأمر والتعامل معه كما هو...

المنطقة تغلي الآن وهناك تحزّب طائفي وديني وقومي صريح. كل فئة تصطف مع اختها...

******


عندما جهّزت تركيا العام الماضي الجيوش لغزو اقليم كردستان الجنوبية (كردستان العراق) وتنفيذ مهمة quot;القضاء على حزب العمال الكردستانيquot;، ظهرت بعض الأصوات الكردية النشاز من التي دعت حكومة الإقليم الى الإستسلام وقبول الإملاءات التركية دون قيد او شرط، والتحرك لقتال قوات الكردستاني بدلاً من الجيش التركي.

البعض الآخر طالب هذه القوات بالخروج من الإقليم( إلى أين، الله يعلم) وتجنيبه حرباً تركية مدمرة. كان هذا الكلام طبعاً قبل الإندحار الكبير لهذا الجيش على ايدي 300 مقاتل كردستاني، وقبل ان يتشتت جنود (القوات الخاصة التركية) ويتوهوا بين وديان وجبال منطقة (زاب) ويتحول 81 منهم إلى تماثيل من جليد...

عشرات الساسة والكتاب والصحفيين والمستشارين الأكراد كتبوا يحرضون القيادة الكردية في اقليم كردستان ضد حزب العمال الكردستاني ويبشرونها بquot;الهلاكquot; وquot;الدمارquot; أمام زحف الجيش التركي مالم تعلن الحرب على الكردستاني وتستمع إلى نصائحهم وquot; صوت العقلquot; الذي يمثلوه. كان بين هؤلاء أناس وفدوا من المهاجر الأوروبية حيث المأمن الوثير وظنوا في لحظة بانهم سيرثون تركة الكردستاني وسيأكلون quot;البيضة والتقشيرةquot; في حال إنتصار الجيش التركي وإيفائه لوعوده بquot;إنهاء وجود الكردستانيquot; وquot;القاء القبض كل قادته الميدانيينquot; في خبطة واحدة!.

ولولا ثبات رئيس اقليم كردستان السيد مسعود البارزاني، والحق يجب أن يقال هنا، على موقفه الرافض للخضوع للتهديدات التركية واعلانه الصريح عن عدم مقاتلة البيشمركة للعمال الكردستانيquot; الذي لن نعتبره حزباً ارهابياً طالما يعلن استعداده للحوار والحل السلميquot;، لربما نجحت هذه الخفافيش في اقناع/ خداع البعض وخلق قتال كبير تٌزهق فيه أرواح الآلاف من الشباب الكردي...

وادى موقف البارزاني هذا الى اثارة غضب الأتراك المهزومين والذين اتهموه بquot;دعم حزب العمال الكردستاني وتأمين الملجأ والسلاح لهquot;. ولكن ما الغريب في ان تكون تلك quot; الإتهاماتquot; التركية حقيقة هنا؟. لماذا يكونquot;دعم القضيةquot; وquot;حماية مصلحة الأمةquot; حلالاً على الكل وحرام على الأكراد فقط؟.

******


ومقارنة هذه الحالات هنا هي من باب المناسبة ليس إلا، اذ ان هناك فرقاً شاسعاً بين حركات الإسلام السياسي وحركات التحرر الوطني، ومقارنة العمال الكردستاني بحركة quot; حماسquot; ذات الأجندة الدينية الغيبية التي تريد quot;القاء دولة اليهود في البحرquot;، جاء من هذا الباب ليس إلا...

من هنا يتفهم المرء موقف جماعة الإخوان المسلمين في سوريا ولايستغرب البيان الأخير. بل ان المستغرب هو أن تظهر الجماعة عكس هذا الموقف.

وفي النهاية quot;كل طائر مع سربه يطيرquot;مثلما يقول المثل الكردي...

طارق حمو
[email protected]