عندما يتحول الأسم إلى سلطة، كأن تقول في سوريةquot; حافظ الأسدquot; رغم مرور عقد من الزمن على وفاته، تتحلل مفاصلك خوفا!
عندما يحل الأسم محل صاحبه، نكون قد وصلنا إلى ذروة السلطة مشخصنة، فالأسم استبدل الدولة بسلطته واستبدل السلطة بشخصه، ولشخصه أسم، تتراكم في لفظه، مجرد لفظه الدلالات، ويصبح التعرض لها أو للأسم، بشكل أدق، هو خيانة عظمى....


لماذا نظهر وكأننا في حالة الدوارن في المكان، رغم أن التحديات التي تواجه شعوبنا تؤقلم الواقع العربي مع ما يريده فاعله التاريخي، وفاعله التاريخيquot; أشخاص رؤساء ملوك وعائلات ضيقةquot; لازال هذا هو برأينا الفاعل التاريخي في المجتمعات العربية، مع رؤيتنا للتمايز النسبي بين مجتمع عربي وآخر، ولكن المحصلة النهائية تجعلنا نرى أن الفوارق بين عمل الفاعلين التاريخيين هؤلاء هي فوارق، نسبية ولازالت محدودة رغم التقدم النسبي الذي حققته بعض المجتمعات في بعض جوانب مأسسة الدولة والحرية. لا يريد المثقف العربي بشكل عام، ألا أن يعيد الأزمة في تزمنها، وعلى ما يراه - كما يحلو له- جزء من هويته، ولهذا طغيان مفهوم الهوية على هذا الفكر جعل، الراهن يتراجع لدرجة مخيفة بحيث أبعدت الفاعل التاريخي في مجتمعاتنا الراهنة، عن البحث والتقصي والمعرفة السياسية. طبعا دون أن ننسى مساهمة فاعلين ثانويين، في تكريس هذا الأمر وهم من يمثلوا مايطلق عليه، تيار الإسلام السياسي، وتشابكه الآن مع الإسلام المجتمعي، الذي لم يعد تقليديا، وهذه نقطة سنعود إليها، ربما في وقت لاحق، هذا الفعل الثانوي، يتقاسم مناطق النفوذ مع الفاعل الأساسي والرئيسي، والذي هو في حالتنا- السلطة مشخصنة بقادة وملوك ورؤساء وعائلات، والأهم الأسماء- وهذا أمر كنا ولازلنا، نؤكد عليه مرارا وتكرارا، أنه يجب أن يحتل تمايزه عن مفهوم الدولة حيزا حقيقيا من البحث والقراءة، والتحليل، لأن الدولة هنا ليست هي الفاعل التاريخي، بل الفاعل هنا هو السلطة- مشخصنة، أو مجسدة لكي نقارب تأليهها السائد في طبقتنا السياسية، وفي قعر الخوف المجتمعي، لأن الدولة المعاصرة مهما كانت فاسدة كما يقال، فهي بالنهاية حالة قانونية ومؤسسية، ولهذا هي مستبعدة من وجهها هذا من قبل الفاعل التاريخي، ومعطاة لها أدوار، وكأنها تتبع توجيهات شفهية، وكلمات هاتفية، وهذه صيغة، الدولة التأسيسية أيا تكن ترفضها، ولهذا تجد أن الدولة برفضها هذا تتحول إلى أجهزة- عالة على المجتمع نفسه- وتأخذها فاعلية هذا الفاعل إلى الممارسات الفعلية للحقل الذي يريدها الفاعل فيه، وهذا له أيضا فعلا تراكميا، أدى على محو وظيفة الدولة ووجها المؤسسي، الذي بات وجها، تغتصبه الرشوى والفساد واللاقانون، وهي لكونها كائن لا أخلاقي أصلا فهي لا تجد مانعا من أن تترك نفسها لما يريده الفاعل التاريخي أن يفعله بها، وذلك عبر تسليمها لجانبها الاحترافي المؤسسي لما تريده- السلطة مشخصنة- يقال في الشارع السوري مثلاquot; أن ضابط صغير في الاستخبارات يستطيع أن يدخل مكتب وزير، ويصفعه ويخرج منه دون، أن ينتج عن هذا الفعل أي عقاب أو نتيجة، كما أن العادة التي لازالت قائمة حتى اللحظة، يحمل أي ضابط استخبارت أوراق من يريد توظيفه أو يتوسط له ويدخل بها إلى مكتب أي مسؤول مدني في الدولة ليوقعها، بغض النظر، عن أي اعتبار قانوني أو خلافهquot; في ألمانيا أو أي دولة تحترم نفسها كما يقال، لا يمكن أن يحدث هذا الأمر...وإن حدث فيكون استثناء يعاقب عليه القانون في حال عرف.


لماذا لأن الدولة هناك أصبح لها حصتها التي لا تتنازل عنها، في حقل الفعل التاريخي، لمجتمعها، الدولة تنقد ويجيش ضدها وتُشتم حتى عندنا، لكي لا تشتم السلطة، ونتحدث عن دول فاسدة دون أن نقول سلطات فاسدة، لأن القول فيه شتيمة مباشرة لأصحاب السلطة كأشخاص، ولأنهم هم فعلا كذلك، فتعتبر القضية أولا شتيمة شخصية، وثانيا تفتح الباب، على حقل، لا يريده الفاعل التاريخي هذا، بل قل له أن الدولة فاسدة، أو حتى الحكومة فاسدة، يضحك ويقول لك نعم، أما لو قلت له السلطة فاسدة، هنا الجميع يعرف ماذا ينتظره في هذه الحالة، لهذا علينا أن نقطع هذه المسافة أولا، بين المفهومين في حالتنا العربية، بين مفهوم الدولة ومفهوم السلطة، نكبتنا ليست بسبب الدولة، بل بسبب السلطة، والسلطة هنا مجسدةquot; ولا يمكن لأية ديكتاتورية أو شمولية، إلا أن تأخذ بعدا تقديسيا في أيديولوجيتها، ولهذا هنا كانت تتقاطع مع مفهوم العدالة الاجتماعية، والآن باتت تتقاطع، مع مفهوم الخليفة أو الإمام، أو المفتي. فكلام رئيس الجمهورية أو تعليماته يتم التعامل معها كفتوى دينية أيضا، وهذه قضية ضمنية غير مصرح بها، بشكل عامquot; كلام الرئيس طابو أو تابوquot; يقول ياسين الحاج صالحquot;كانت تلك أيام عز فكرة الوحدة العربية، التي هي البند الأول في الثالوث البعثي: quot;وحدة، حرية، اشتراكيةquot;. من شأن الانجذاب إلى الطوبى القومية أن يضعف التركيز على الواقع السوري، فيسهل من جهة أخرى خرقه من تحته، لمصلحة ما دون سوريا والدولة السوريةquot; طارحا المثال السوري، ملح على الحديث عن الدولة، بوصفها سلطة، رغم قراءته العميقة في مقالهquot;في أبنية الدولة السلطانية المحدثة: ليبرالية اجتماعية وطغيان سياسيquot; إلا أن ياسين يعود ويشخص الحالة السورية بقولهquot;جمع نظام الرئيس حافظ الأسد، إذن، بين قسوة مفرطة حيال النشاط السياسي المستقل وبين تسامح نسبي واسع حيال التعبيرات الاجتماعية quot;الحميدةquot; وغير السياسية. ولم يتشدد في هذا الميدان الأخير إلا حين واجهه الإسلاميون بعنف في النصف الثاني من السبعينات. وضعت تلك المؤسسات الاجتماعية الدينية تحت مراقبة مدققة، لكن لم يلغ أي منها، بالعكس جرى التوسع فيها. كان الرجل براغماتيا على المستوى الاجتماعي والإيديولوجي إلى أقصى حد. الشيء الوحيد الذي لا يتسامح فيه هو معارضة نظامه، سيان كان ذلك بالقوة أم بالكلمةquot; لماذا إذن غاب مفهوم الدولة عن حديث ياسين هنا، لأن التحليل لا يكتمل في الحقيقة دون تسمية الحالة المجسدة للسلطة السياسية، في غياب الدولة القانونية. وهنا لب الإشكال، وهنا يجري التغييب عند الفكر العربي، لمشكلة الحرية، لا أريد ان أخوض في أسباب ما يبدو أنه ليبرالية اجتماعية في سورية، لأنها ستضعنا، في ملف حساس وشائك، ومعتقدي، ليس مجاله هنا. السلطة مجسدة هي التي ترفض الحرية ولكن من السهل عليها التعامل مع أشكال العلمنة،مع أشكال الأيديولوجيا القومية، والاشتراكية والإسلامية، تتعامل معها لأنها تشكل لها، أو تستطيع أن تشكل لهذه الشخصنات غطاء تقديسيا من هذه الأيديولوجيات. والجميل، لكي يتخلص ياسين من هذه الاشكالية العربية، تحدث عما أسماه مفهوم الدولة السلطانية.
إن السلطان، نقيضه الحرية والقانونquot; وتوقه لاستمرار ممارسة سلطانه في حقل المشافهة، والسرية، لما يتيحان له من هوامش كبيرة وكبيرة لدرجة أنها تحوله بعد زمن قصير إلى الفاعل التاريخي الوحيد بالمعنى النسبي للعبارة، على مجتمعات بملايين وعشرات الملايين من الناسquot; المشافهة لاتلزم، والسرية عدوة القانونquot;.


هذا هو عنوان السلطة العربية عموما، فالفساد المالي والسياسيquot; لا يمكن أن يقبل التعامل بصيغ قانونية أو علنية! حتى ولو كان قابضا على القوة!
الحرية مطلقة، إشكالية الراهن العربي، والحريات العامة مفرداتها القانونية والسياسية المستخدمة، وهذا أيضا من شانه ان يطرح السؤال الأكثر جدية حول فساد النخب المتسلطة بأسماءها الحقيقية وما تقوم به من نهب للثروات الوطنية لشعوبنا غير العلمانية!!! لاتنزل على اللغط السياسي الدائر، من قبل العلمانيين، لأنها تضعهم بمواجهة مباشرة مع السلطة العربية، من جهة ومن جهة أخرى، ربما تجمعهم مع بعض التيارات الإسلامية، ولهذا هم يركزوا على الحريات الفردية التي تجعلهم على نقيض مع الإسلاميين، وتطوي السلطة لتخبأها، في جرابها ما بعد الحداثوي، أو الذي يسمونه عقلانيا أحيانا، أوالعلمانوي الذي يخفض مستوى اللاشعور الطائفي عند بعضهم الآخر. ولهذا ووفق هذا المنطق ستغيب الدولة- كقوننة للحرية، ولا دولة بلا حرية، والطرفة في الأمر هنا، كيف تستقيم العقلانية مع تيارات مابعد الحداثة؟ لا يستطيع القيام بهذا التلفيق، بين العقلانية- انواريا- واللاعقلانية- مابعد الحداثوية الفرنسية، سوى نخب عربية معادية لشارعها.