بعد نشر حالة العم سالم الشلوي في صحيفة الوطن السعودية والتي جاء فيها أن المواطن قد احتجز في منزله المتهالك في حي الكارنتينا بجدة طيلة واحد وعشرين يوما عقب السيول التي اجتاحت المدينة.

وتوقع الكثيرون - وأنا أحدهم - أن هذه القضية لن تمر مرور الكرام على الأجهزة الحكومية المعنية كوزارة الشؤون الاجتماعية و وزارة الصحة وباقي الأجهزة ذات العلاقة المباشرة في القضية.

لكننا تفاجأنا بخبر نشرته ذات الصحيفة يفيد بعودة العم سالم إلى بيته المغمور بمياه المجاري!

هكذا عاد العم سالم ومعه كيس يحوي عدة أقراص من المسكنات دون أدنى اهتمام ودون أدنى إنسانية، فالرجل مقطوع من شجرة وليس له أهل وهو طاعن في السن،

وأمام مسمع ومرأى الأجهزة الحكومية عاد إلى بيئة لا تصلح للسكن الآدمي.

فأنا وعلى حد تفاؤلي المحدود توقعت بأن الرجل لن يترك هكذا بوجه حياته الصعبة والقاسية ومن الممكن وفي أسوأ الأحوال توقعت بأنه سينقل إلى دار المسنين أو ينوم في المستشفى فهو قد مكث قرابة الشهر في مستنقع للنفايات البشرية.

إلا أنه عاد مثبتا للمجتمع أن حياة الفرد كفرد في مجتمعه المدني النامي قد يشوبها شيء من الغموض المستقبلي،

إذ لابد من الرجوع إلى أصغر وحدة اجتماعية لدينا ألا وهي الأسرة الممتدة(العائلة الكبيرة أو القبيلة)والتي هي غير الأسرة الصغيرة(الأسرة النووية)!

والتي استطاعت عبر الأزمنة أن تثبت أنها صمام أمان إذا ما حلت أي إشكالات طارئة في المجتمع الذي تعيش فيه الأسرة الممتدة أو في أي فترة تحدث فيها كوارث قد تطغى فيها الممارسات المادية والتجرد من القيم الدينية والإنسانية التي تحث على التكافل.

فمستقبل الحياة المدنية أو الحياة الفندقية كما يسميها منتقدوها قد يواجهه شيئا من الاحتمالات المجهولة لاسيما وأن هذه الحياة تعتمد في المقام الأول على الحكومة أو السلطة العليا في البلد إذ إن مخصصات الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية وتوفير السكن الملائم هي أبرز ما تقدمه الحكومات في المجتمعات المدنية الصحية

وفي حال تعثر إيجاد تلك المتطلبات من قبل الحكومة يجد الفرد نفسه في مأزق كبير

وإذا نظرنا لوضع العم أبو سالم فيبدو أنه سقط من كلا الجهتين فهو في بلد نامي لم يتبلور فيه بعد أي التزام تام وكامل تجاه الفرد من قبل الحكومة ولم تكن له فئة ينصرونه..وما كان منتصرا..

الطريف في الأمر أن هناك جهدا حثيثا من قبل المهتمين والمثقفين بنبذ القبائلية التي هي الوجه السلبي للممارسات القبلية والتي يمكن أن يقوم بها أحد أفراد القبيلة تجاه مجتمعه والتي من خلالها يمكن أن تؤدي إلى الإخلال بأبجديات النظام والقوانين كالتعصب القبلي وتقديم مصلحة القبيلة على مصلحة الدولة أو أن تكون القبيلة هي منطلق الولاء والبراء.

ولكن في اعتقادي أن أمام مثل هذه الدعاوى - دعوى نبذ القبائلية - طريقا صعبا وشاقا،وذلك لعدم قيام بعض الأجهزة الحكومية بمهامها الموكلة إليها والتي يمكن أن تؤدي القبيلة ذات المهام وبكفاءة أعلى وذلك لفاعلية دورها التكافلي كتأمين المأوى والمأكل،أو على الأقل لن ترضى الأسرة الممتدة رؤية أحد أفرادها يسكن في بحيرة صرف صحي.

لذا قد يكون هذا التقاعس التنفيذي الحكومي مسوغا للممارسات القبائلية وها نحن نعود من حيث بدأنا..

أما أنا فلا يتصور البعض أنني أدعو إلى بث روح القبائلية أو ما شابه ولكني أدعو إلى تفعيل الدور الحكومي في الحقل الاجتماعي والذي من شأنه قطع الطريق على كل عقيدة تضاهي العقيدة الوطنية.

وإذا ما كان هناك تقاعسا تنفيذيا قد يؤدي إلى التشبث بالولاءات القبلية فقد يكون ذاته مسوغا لممارسات أخرى طائفية ومناطقية وتشرذمية.