لابد من الاعتراف ان حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا حقق مالم تحققه الاحزاب القومية العلمانية التي حكمت تركيا طوال عقود.فالاقتصاد التركي قفز بشكل مضطرد ونجح الحزب ولو جزئيا في انجاز سلسلة من شروط الاتحاد الاوروبي لدخول تركيا الى منظومته واهمها تحسين اوضاع حقوق الانسان والاعتراف بالحقوق الثقافية للشعب الكردي في تركيا. لكن المسعى الحكومي ورؤية الحزب الحاكم في تركيا تجاه حل القضية الكردية المستعصية لايزال منقوصا ومجتزئا. فخطة الانفتاح الحكومي على الواقع الكردي لاتتضمن التفاوض مع طرف كردي مقابل. وانما تعتمد عوضا عن ذلك على مجموعة من الاجراءات الحكومية لتحسين الوضع الاقتصادي في المنطقة الكردية المهمشة تأريخيا وكذلك السماح المحدود بتداول اللغة الكردية في وسائل الاعلام. وعليه فان المبادرة الحكومية لاتزيد عن كونها محاولة لفرض حل احادي الجانب للقضية الكردية في تركيا.
الحل السلمي لاي نزاع سياسي لابد ان يستند الى مجموعة من العوامل الضرورية لانجاحه ومنها التفاوض والتحاور المباشر بين الاطراف المتنازعة والاستماع الجيد واعادة بناء الثقة لتجاوز مخلفات الماضي اضافة الى توفر حسن النية لدى كل الاطراف. اما فرض الحلول الاحادية دون اشراك الطرف المقابل فهي اما مضيعة للوقت اومحاولة لكسبه لحين تهيئة الظروف الملائمة للتملص او الاقدام على حلول غير سلمية. اذا كانت الحكومة التركية صادقة وجادة في حل القضية الكردية حلا جذريا فان اقصر الطرق هو التفاوض مع عبدالله اوجلان. فالرجل قادر على تحريك او اخماد الشارع الكردي في تركيا وهو منفتح على الحلول السلمية وخارطة الطريق التي قدمها يمكن ان تشكل اساسا للتفاوض والتعديل نحو حل سلمي ديمقراطي للقضية الكردية في تركيا. اما اذا كانت الحكومة التركية لاتستطيع التفاوض مع اوجلان خشية نقمة العسكر او بحجة ادراج حزب العمال الكردستاني على لائحة الارهاب فان عليها التفاوض مع بديل سياسي يمثل الشعب الكردي في تركيا كحزب المجتمع الديمقراطي. ويقينا فان اي بديل سياسي لن يخرج عن عباءة اوجلان وتوجهاته. فالرجل اصبح مرجعا سياسيا للشعب الكردي في تركيا شاءت الدولة التركية أم أبت. حزب المجتمع الديمقراطي الكردي الذي تم حظره مؤخرا كان يمثل بديلا مناسبا للتفاوض ولكن الصراع داخل المؤسسة الحكومية التركية افرز قرارا متعجلا بحظرالحزب وهذا ما ستندم عليه الدولة التركية طويلا.
ان حل القضية الكردية في تركيا لن يكون سهلا فهو يحتاج الى تنازلات من كلا الطرفين ولكن الحل السلمي سيخدم الجميع ويزيد من استقرار تركيا ويؤهلها لدخول الاتحاد الاوروبي الذي لن يقبل بانضمام تركيا اليه قبل التأكد من تطابق البنية السياسية فيها مع بنية باقي دول الاتحاد من حيث حقوق الاقليات وسقف الحريات. فالنادي الاوروبي لن يجازف بضم دولة فيها مشكلة عرقية مزمنة كالقضية الكردية. وما ينبغي ان يعيه الساسة الاتراك ان تركيا التي تمددت في اوروبا قبل اربعة قرون ماكان لها ذلك لولا ارضاء الكورد واليوم لن تتخطى تركيا عتبة البوابة الاوروبية دون ارضاء الكورد مرة اخرى.
* كاتب كردي مقيم في كندا
التعليقات