يقول آنشتاين العالم الرياضي الشهير :( انه لمن الحماقة ان تعتقد أنك ستحصل على نتائج مختلفة وأنت تكرر الشيء نفسه).
حين التحدث عن المعاصرة والتحديث في عالمنا العربي الذي طغت عليه الافكار الدينية الديموغوجية، لابد من اختراق الثوابت التي حصنوها بحصن التقديس الذي لا يخترق. منذا القرون الهجرية الاولى لدولة الاسلام،وهي في حقيقة القول لا تحمل اية صفة قدسية، لذا وبدون اختراقها لا يمكن تجديد الفكر العربي ونقله من حالة الجمود الى حالة الانفتاح.
ان اطروحات التجديد للفكر الحضاري العربي لا تأتِي بثمارها او نتائجها المثمرة مالم يتم أختراق ما سمي بالاصول بعد ان أنتهت رسالات السماء وتوقف الايحاء الرباني للانبياء،لذا فان التجديد لابد ان يكون انسانيا وليس ربانيا كا يدعي اصحاب نظريةالاصول الفقهية التي لا تخترق. ومالم تكتشف الانسانية العربية الاسلامية بنفسها عوامل الاختراق ستكون عاجزة عن التحر ك التاريخي لها وهذا ضد منطق التاريخ.
ولاشك ان الانسان وما وصل اليه اليوم من تقدم علمي وثقافي وعلمي وتكنولوجي لهو احسن بكثير من انسان الرسالات الاولى الذي كان قبل نزولها عليه، حين كان يعيش همجيا من الناحية المعنوية والمادية، فهو اليوم ارقى معرفيا وتشريعيا واخلاقيا وشعائريا،حتى عند المتسلطين على حقوق الانسان المقررة دوليا في الوقت الحاضر،والتي يعتبرها المهيمنون على الناس بالفكر الديني المنغلق عندنا اشبه بالكابوس المتسلط عليهم حالياً.
كل الذي جاءت به رسالات السماء كان جديدا على الناس من حيث فرضية التطبيق عند نزولها،فالرق والعبودية وحقوق المرأة في الزواج والطلاق والرعاية الاجتماعية كان يخضع للمتعارف عليه من العادات والتقاليد، ولم يقيد بنصوص قدسية لا يجوز اختراقها ولا السماح بتأويلها لان طبيعة الحياة كانت تقتضي ذلك،.هنا كان المنهج المتبع عندهم ان كان لهم منهج -اشك في ذلك- يختلف تماما عن المنهج الجديد لما بعد الرسالات،التي جاءت بمبدأ التطبيق لا منهج التلفيق،ولان الفقهاء والعلماء كانت نظرياتهم الفكرية العلمية محدودة ولا زالت قريبة عهدٍ بالتغيير،فقد فسروا النص بما ينسجم وتلك العقليات المحددة التي افرزت لنا افرازات فقهية لم تعد صالحة لنا اليوم،ان لم نقل كان يجب ان تخترق منذ بداية افرازات العصور الحديثة للنهضة حتى لا نبقى على ما نحن عليه الان من خمود الهمة وجمود العقل والتصرف المنغلق خدمة لحاكم الدولة المنفرد بالنص الديني والفقيه يدجل لمصلحته دون الناس.
ان النصوص الدينية في غالبيتها ماعدا نصوص الاحكام فهي نصوص ايمانية بحاجة الى دليل لاثبات مصداقيها،ونحن لا نشك ان الدليل نزل معها لكن من أنيط به تفسيرها تنقصه الخبرة والكفاءة العلمية في معرفتها،لذا ظلت مبهمة لا سبيل الى تطبيقها غير الادعاء بحرمة اختراقها علميا.ونحن من حقنا ان نعرف تأويلها حتى لا نبقى نرددها كالببغاوات لا نعرف منها الا الصوت والصورة كما درج الملالي عل تعليم القرآن بالانحناءات والحفظ للاطفال دون المعنى والفهم له.
ان التاريخ الانساني في مسيرته العلمية من حقه ان يتعامل مع النص بروح التحليل العلمي وكشف المصداقية ليتمكن من التعامل معه في مسايرة روح التطور الحضاري الحالي. ان كل الوجود المادي وقوانينه هي من الطبيعة الالهية المقدرة سواء علوم التطبيق ام علوم الاجتماع،أذن ما المانع من محاورة النص المنزل من خالقه،وهل من احد يستطيع ان يمنع التلميذ من محاورة الاستاذ قبل ان يعتقد بصدق ما يقول في كل كلماته، يقول الحق:(وتمت كلمات ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم، الانعام 115).
وفي مكان اخر،يقول الحق:( وان أحد ُمن المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله،التوبة 6) معنى ذلك ان مفاتيح المعرفة مكنوزة به فلم لا نعرفها لنأجرها للاخرين. مصطلحات كثيرة وردت في القرآن لا زالت في طي الكتمان لا هم يعرفونها ولا نحن نعرفها اذن ما الفائدة من نزولها،ومن يدريك من ان الايات التي قالوا عنها لاتفسر او منسوخة والحروف التي جاءت بأول السور ما كانت مفاتيح للمعرفة لا زلنا نجهلها مثلما هم يجهلونها الى اليوم. فالمحرمات التي جائتنا بالرسالة أغلقت بنصوصها الواضحة وكل ما أفتي به ويفتى به اليوم من بعد الرسالة فهولاقيمة له من الناحية الشرعية والعملية. لذا من هذا الباب نحن نطالب وطالبنا بألغاء الفتوى واحلال القانون محلها لندخل عليه كل جديد مع الزمن. والا سنموت ونحن عنها من الجاهلين.
ان السنن الرسولية والنبوية ماهي الا اوامر يجب تنفيذها لايوجد فيها محرمات اطلاقا،وكلمة الحلال والحرام هم جاؤا بها لامتصاص الامر الرباني وجعله كيفي التنفيذ،فالاسلام الذي يقوم باركانه الخمسة على هذه المسلمات والعمل الصالح والسلوك العام والقيم العليا ليس وقفا على المسلمين بل هي ملكا للبشرية عبر الزمن كالبر بالوالدين والصدق واحترام النفس الانسانية وتحريم قتلها وعدم الغش والامانة، جاءت كلها في حضارات الاقدمين ومن يطلع على قانون حمورابي يجدها مدونة لا لبس فيها،اما ماجاء به القرآن ما كان الا توكيدا لها وليس نصاً مفروضا منه علينا.لذا نرى الشهادة بالوحدانية بالله والرسول ماهي الا توكيدا لقانون العدالة التي جاء بها الله للناس أجمعين،فالله جلت قدرته رب العالمين وليس رب وعاظ السلاطين، اما الرسل والهيئات التشريعية فليس من حقها التحريم بل من حقها الامر والنهي(وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم فأنتهوا،الحشر 7).فالامر والنهي ظرفي زمان ومكان ولا علاقة لهما بالحلال والحرام،فلم يكن محمدا الا مجتهدا في الرسالة ومعصوما في تبليغها للناس فقط،يقول الحق :( يا ابها الرسول بلغ ما انُزل اليك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس،المائدة 67)،لذا لايمكن خلط ما آُمر به الرسول(ص) وما قام به شخصياً من اعمال سواء.
اننا بحاجة ماسة لتصحيح اركان الاسلام وبحاجة ماسة لان نفصل بين الحاكم في امره وبين امر الله، فهو ليس من حقه اصدار القوانين والشريعات المخالفة للاوامر والنواهي وفق التفسير الفقهي الخاطىء لها. هنا وقعنا في خطا التقدير واصبح الحاكم وكانه سدرة المنتهى يحكم وينفذ دون رادع من ضمير(فضاع عندنا الجوخ والبلداوي). من قال لنا ان رجل الدين المرجع الفقيه هو المخول باصدار تشريعات الحرام والحلال، فاذا كان ذلك ليس من حق حتى الرسل والانبياء فهل من حقهم هذا التكليف. فالالسلام فطرة والايمان تكليف وهم ونحن كلنا في الخط سواء. من هنا جاءت كلمة العدل المطلق في القرآن وحق الشريعة واجبة التنفيذ لا بالفرقة وتنفيذ ما يراه الفقيه خطئا فاماتوا الفقه والاسلام فينا معا.فالقرأن لا يعترف برجال الدين ولا يخولهم حق الفتوى نيابة عن الناس ولا يميزهم بلباس معين كما فعل كتاب العهد القديم،أنما هذه الهاله صنعوها هم لانفسهم ولا دخل للقرآن والدين فيها ابدا لدرجة انهم احاطوا انفسهم بالاسرار المقدسة والقرآن يرفض فرضيتهم ( أنظر سورة البقرة آية 174).والنصوص امامنا حكما وشاهدا لما نقول.
ان الصفوة الجديدة التي تحكمنا اليوم هي بعيدة تماما عن هذه الصفات،واذا كانوا يريدون ان ينفردوا بتطبيق الشريعة والشرعية العادلة ليبنوا وطنا للعراقيين عليهم ان يتبعوا الاصول في معرفة الحقوق وليس القانون الذي يخيل اليهم او يقترحونه وهم يجهلون ما يكتبون ويطبقون. فلا زال البون شاسعا بين ما يعتقدون وما يجب ان يكون. اي عليهم الضبط والدقة والامانة وتحري الصدق فيما يعملون ويقولون،ساعتها سيصدقهم الناس حين يكونون حكاما شرعيون على الناس لا بانتخابات فقط ادلى بها المنتخب وهو لا يعرف كيف سيكون،لان معايير الاحكام يجب ان تُفهم للناس حتى يكونوا على علم بماهم فيه يعتقدون..
بهذه الصفاة تكون الصفوة التي ارادها رسول الله للناس اجمعين،حين قال (خلوا بيني وبين الناس ولا تنقلوا عني غير القرأن، أنظر السيرة العطرة)،أنها فلسفة الاسلام التي ما أدركها الفقهاء والوعاظ، فظلوا يرددونها دون معرفة من علم وصدق من يقين. وهنا تكمن اشكالياتنا الحياتية القاتلة اليوم. وبدونها نتقدم ونعيش بلا منغصات،وهي من صفوة من رجال آمنوا بالله والكتاب وحقوق الناس وحتى لوكان بينهم اختلاف في الرأي والتطبيق، فهذا لايقلل من قدرهم ولا يحول بينهم وبين القيام بدورهم في السير بالجماعة الى الامام. فالصفوة هي التي تخلق الجماعة المتحدة فلا خوف عليها ان تفرقت لان البنيان الاصيل قوي لا يتصدع. هؤلاء الصحابة الاجلاء الذي يدعي البعض وهم من الاكاديميين مع الاسف اننا نشتمهم زورنا وبهتانا،أنهم مصابيح الدنيا،أنهم كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور.هؤلاء اوتاد الارض الذين بهم نأمن ونستقر.وهل سنملك مثلهم؟ لاابدا؟
لكن الخوف كل الخوف عندما تكون هذه الصفوة فاسدة كما نراها اليوم فينا،فيقع بينها الشقاق فتتفرق كلماتها فتعجز عن القيادة فتضيع هيبتها وتسقط قوتها وتفقد دورها في القيادة والتوجيه لذا تراها تُنبه بحزم في كل تعليق.وهذا ما حصل بالضبط في قيادة الامة بعد التغييرفي 2003 حين جاءت متحدة لكنها في غالبتها كانت فاسدة ليس في رأسها الوطن والشعب،بل المال والجاه والمنصب،لذا اخلت واخترقت الثوابت الوطنية ومن عارض قتل وشرد ومن سكت خضع ونفذ،لكننا دوما نقرأ في فلسفة التاريخ ان هناك من يبقى في اخر النفق ينتظر حتى اذا سنحت له الفرصة وثب وهذا ما نلاحظه اليوم في وثبة المالكي الجديدة فهل سيعي الدرس ويحصن نفسه بالمخلصين ام يتركها فرصة تذهب على الغارب فتنتهي وينتهي معها بعد حين.
وحتى لا يقول الناس اننا منظرين،نقول للمالكي اسمع ما يقول لك التاريخ والمؤمنين :الصفوة لا غنى عنها فتمسك بها،فأهل القُدرة على القيادة والعمل السياسي قلة،وكذلك اهل التفوق الاجتماعي قلة،فأذا كان الناس سواسية امام القانون فهم ليسوا سواسية في المواهب والفائدة للجماعة،فلا تقل لست ادري، الدولة اليوم تُأكل من كل جوانبها من الذين فسدوا ويُفسدوا الاخرين،فلا معاهدات تعقد الا بالقانون،ولاحدود تحدد الا بالقانون،ولا تعويضات باطلة تدفع الا بالتحري والقانون، ولا رواتب تعطى وتحدد الا بالقانون،ولا جزاء ينفذ الا بالقانون،ولا وزير يعين الا بالكفاءة والقانون،ولا امر يصدر الا بالقانون،وهذا الذي صرح به السيد العكيلي رئيس هيئة النزاهة العراقية لايلاف البارحة خطير ما ينبغِي على المسئولين التغاضي عنه،فهنا التاريخ لا يرحم ويسجل عليهم كل صغيرة وكبيرة ليوقعهم في شرك المسائلة القانونية فلا احد دائم في وظيفته ولا احد يبقى قويا قوة القانون( لو دامت لغيرك ما وصلت أليك) فهل تدركون.
فأذا انتبهتم واصلحتم ساعتها سترى الامور قد بانت واعتدلت من تلقاء نفسها،لان غدا لا بد من حساب الفاسدين، لاشك نحن اليوم نمر بمرحلة الانتقال الى الحكم الوطني،لكننا لم نصل الى هيمنته بعد، فلا زالت هوامير السياسة تأكل كل السمك الصغير،فلا بد من رعاية الشعب ورفده بكل مقادير الحياة بعد ان فقد المال والارض والعِرض وانتم اليوم قادرون ان اعتمدتم على المخلصين وأبعدتم عنكم كل الفاسدين والمفسدين،فأن سمعت فحول النظرية الى تطبيق، فلا تغرك نتائج الانتخابات ولا يأخذك بالله الغرور.
ان الحياة الانسانية هي الحرية وهي العدالة وهي القيم العليا المقدسة وفيها تكمن عبادية الناس لله القدير،وهي كلمة سبقت لاهل الارض، والعبودية والتصرف الفردي واستغلال السلطة واموال الدولة والناس نقيض لما جاء به الله والقرآن العظيم،وأعلم ان لازالت الحقوق مهدورة وبيد مغتصبيها، فهل ستعي الى تطبيق ما قالته النصوص تأويلا لا تفسيرا؟ ولك الخيار؟
لم يُقدس الصحابة واهل البيت الكرام أعتباطاً،فمنهم من مات وهو لم يذكره التاريخ كالحسن بن عبدالله بن الحسن العلوي الذي خرج عن خط العترة فمات معزولاً،لكن في الائمة الاثني عشر (ع) والصحابة الاجلاء لا تجد في سيرهم الا العدل والصلاح والفلاح،وما قاله فيهم الطبري ليس مدحا بهم ولكن قال ماكان يسمع عنهم من الناس حين ذكر:( أنهم والله في صدور الناس أهيب من الاسد).هؤلاء هم العترة المباركة فلا يحق لنا ان نتشبث بهم ndash; أنهم أرثُنا الذي لا يناقش - ونحن عنهم مبعدون.
د.عبد الجبار العبيدي
jabbarmansi@yahoo،com
التعليقات