عندما سمعت للوهلة الأولى خبر الحركة المفاجئة لنائب رئيس الإتحاد الوطني الأخ كوسرت رسول علي، كنت بين مصدق ومستنكر،لأن الخبر نزل علي كالصاعقة، فهرعت بعد أن نجوت من شرارتها الى الكومبيوتر لأبحث في المواقع الكردية والعربية عن أصل الخبر.. والحمد لله فإن الإعلامين الحزبي والحكومي في كردستان كانتا أجبن من أن تتجرءا على نشر حقيقة ما حدث، فلم أجد أمامي غير البحث في المواقع المعارضة للسلطة الكردية التي تشتري مثل هذه الأخبار بالملايين، وصدق حدسي، فقد وجدت مئات الأخبار تنهال على هذه المواقع على مدار الساعة وكأنها حصلت على مصباح علاءالدين، فبدا لي أن تلك المواقع قد أعلنت حالة الطواريء من الدرجة البرتقالية، وأنها لجأت الى مطاعم الوجبات السريعة لطلب الساندويتشات لمحرريها المحبوسين داخل مكاتبها لمتابعة ما يستجد من أخبار وكأنها تنقل لنا على الهواء مباشرة خبر إقتراب مذنب هالي من الأرض لتدميرها!!.
الخبر وإن كان مثيرا وثمينا في الوقت ذاته بالنسبة لمواقع المعارضة للسلطة الكردية، لكنها بالنسبة لنا لم يكن بهذا المستوى رغم أهميته، فأنا إعتبرته خبرا عاديا جدا،لأن الإتحاد الوطني إعتاد على مثل هذه الإنشقاقات المتكررة، بل أن الإطار الجبهوي للإتحاد الوطني يستوعب جميع الأفكار والطروحات المختلفة، وهذه هي تركيبة الإتحاد الوطني التنظيمية منذ بداية تأسيسه.
حتى في ظروف الكفاح العصيبة ضد النظام الدكتاتوري حدثت عدة إنشقاقات داخل الإتحاد الوطني رغم أن الهدف الجامع والقاسم المشترك لجميع التنظيمات والأحزاب المناضلة على الساحة في ذلك الوقت كان وحدة الصف الكردي وإستمرار الثورة ضد النظام الدكتاتوري الى حين تحقيق الأماني القومية والوطنية للشعبين الكردي والعراقي.
فالإتحاد الوطني تأسس في البداية من عدة تنظيمات وخطوط متباينة في إيديولوجيتها، وكانت تلك التنظيمات والخطوط تتوحد داخل الإطار التنظيمي للإتحاد الوطني بفعل ظروف النضال الصعبة إبان ثورة الشعب الكردي الجديدة. وبعد إنتفاضة الشعب الكردي في عام 1991 إثر هزيمة قوات النظام الصدامي في حرب تحرير الكويت، كنا نشعر بوضوح بوجود كتلتين داخل الإتحاد الوطني نسمي إحداهما بالصقور والأخرى بالحمائم حال الإتحاد الوطني حال بقية الأحزاب في العالم، ونصنف قادة الإتحاد على أساس هذا التوصيف.
إستطاع الإتحاد الوطني طوال الفترة الممتدة من إنتفاضة آذار 1991 وإستلامه للسلطة مناصفة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة السيد مسعود بارزاني الى حين سقوط النظام السابق أن يحافظ على وحدته التنظيمية، فلم تظهر في تلك الفترة صراعات تكتلية حادة داخل الإتحاد، وإن كان هناك شعور بوجود تكتلات ولكنها مسيطر عليها. وأعتقد بأن سبب عدم ظهور تلك التكتلات في تلك الفترة يعود الى ظروف القضية الكردية التي كانت تواجه تهديدات النظام الدكتاتوري، إضافة الى إنعدام حالة الفساد الإداري والمالي في كردستان والتي غذت بإعتقادي بعد سقوط النظام روح التحكم والسيطرة والإنفراد السلطوي لدى بعض قيادات الإتحاد الوطني، فبدت التكتلات داخل الإتحاد الوطني تطل برأسها بشكل غير مألوف، خصوصا مع ذهاب الكرد الى بغداد للمشاركة في الحكم، وإنعكاس التغيير الذي حصل في العراق على تعزيز روح الإستقلال عن المركز في الإقليم.
هذه التطورات الجديدة أغرت بعض قيادات الإتحاد على الإيغال في تقوية تكتلاتهم الحزبية للتحكم بالمزيد من السيطرة، بدليل أن معظم الإنشقاقات المتتالية وبمستوى القيادات العليا جاءت بعد سقوط النظام، بدءا بإنشقاق السيد نوشيروان مصطفى الذي دعا الى إجراء إصلاحات داخلية في الإتحاد ورفع شعارمحاربة الفساد على مستوى الإقليم،مرورا بإنشقاق أربعة قياديين سابقين للإتحاد في أوروبا تحت عنوان quot; تيار التغيير quot; وبنفس الشعار وهو محاربة الفساد وإجراء الإصلاحات.وجاءت حركة السيد كوسرت وهي الثالثة من نوعها لكنها أشد وطأة من الإنشقاقين السابقين.
ورغم عدم وضوح أهداف هذه الحركة بسبب التعتيم الإعلامي المفروض عليها، سواء من قبل الإتحاد أو من قائد الحركة ذاته، ولكن الأخبار المتسربة من داخل الحركة والتي تنشرها الصحف والمواقع الكردية في الخارج تعتبر ما حصل كأنه صراع على السلطة داخل الإتحاد، وإن لم تتأكد صحة هذه الإخبار التي قد تختلط في مثل هذه الحالات مع الشائعات والتصريحات الكيدية من معارضي الإتحاد الوطني،ولكني أعتقد بأن حركة السيد كوسرت جاءت في محلها وفي توقيتها الضروري جدا، ولأسباب سأجملها فيما يلي:
أولا: الحركة جاءت في فترة ركود سياسي قاتل، والشعب الكردستاني ينتظر تغييرا جذريا على الساحة السياسية في كردستان لكسر هذا الركود،خصوصا مع إستفحال ظاهرة الفساد التي وصلت الى أعلى مستوياتها في الإقليم، فأصبح هم الشارع الكردي الوحيد هو حدوث تغيير ما لقلب هذه المعادلة أو على الأقل لتخفيف وطأة الفساد الضارب بكردستان.
ثانيا: شعور المواطن الكردي بضياع الكثير من المكاسب التي حققها بعد سقوط النظام الدكتاتوري،منها المكاسب الدستورية التي تواجه تهديدا حقيقيا مع إنفراج الوضع السياسي والأمني في بغداد، وتنكر العديد من القوى العراقية لحقوق الشعب الكردي، منها المادة 140 المتعلقة بكركوك والمناطق المتنازع عليها.
ثالثاquot; إقتراب موعد الإنتخابات المحلية والبرلمانية في كردستان والعراق، ووجود مؤشرات وأحصاءات بعزوف نسبة كبيرة من المواطنين في الإقليم عن المشاركة في تلك الإنتخابات القادمة.
رابعا: حدوث تغيير في موقف الأحزاب الكردية الصغيرة في كردستان من الحزبين الحاكمين ومن التحالف معهما، وإحتمال لجوء هذه الأحزاب الى تشكيل كيان سياسي جديد لمواجهة الحزبين في الإنتخابات القادمة مما يعني المزيد من التشرذم والإنقسام داخل البيت الكردي.
لهذه الأسباب وغيرها كانت هناك حاجة الى حركة لحلحلة الأوضاع، ولهذا أعتبر حركة الأخ كوسرت أنها جاءت في وقتها المناسب لتحرك المياه الراكدة على الساحة الكردستانية، فهذه الساحة بحاجة فعلا الى إجراء تغيير كبير في الأداء السياسي للقيادة الكردية على المستويين الكردستاني والعراقي، وعلى العكس من بعض الأطراف المناوئة للقيادة الكردية التي تتوقع أن تهدم تلك الحركة البيت الكردي من الداخل، أعتقد بأن تلك الحركة ستنتهي بنتائج إيجابية قد تتمخض عن سريان دماء جديدة في الجسد الكردي المشلول، وتنهي حالة الركود السياسي في الإقليم.
فالسيد كوسرت يدرك جيدا مصير كل تلك الأحزاب التي إنشقت عن الحزب الأم في كردستان، ولعل نموذجين فقط تكفيان للدلالة على مصير تلك الأحزاب الكبيرة التي تحولت بفعل الإنشقاقات الداخلية الى أحزاب هامشية صغيرة خرجت عن المعادلة السياسية، مثل الحزب الشيوعي العراقي الذي إنشق عنه فرع إقليم كردستان في التسعينات فتحول الحزبان الشيوعيان العراقي والكردستاني الى ذيل قائمة الأحزاب العراقية والكردستانية. وكذلك الحركة الإسلامية في كردستان التي كانت مرشحة لتكون أحد الأحزاب الكردستانية الفاعلة على الساحة السياسية حتى أن الإدارة الأمريكية رشحتها لتكون أحد الأحزاب العراقية الستة المرشحة لتلقي الدعم السياسي والمادي الأمريكي للإطاحة بنظام صدام حسين، ولكن الإنشقاقات المتتالية التي حدثت داخل الحركة جعلته حزبا هامشيا يذرف الدموع على مجده الغابركما قال أحد قيادييها؟!.
ورغم أننا لا نستطيع أن نعول على تصريحات متسربة الى صحف المعارضة خارج كردستان، ولا نعرف الهدف الأساسي من حركة الأخ كوسرت، ولكن ما تنقله الصحف من تسريبات حول هدف الحركة وهو توحيد القرار السياسي داخل الإتحاد الوطني، فإن هذا الهدف بحد ذاته هو هدف سليم بإعتقادي سيخدم الإتحاد الوطني ويقدم للقضية الكردية خدمة عظيمة.
لأن وحدة الإتحاد الوطني تشكل عامل قوة كبيرة للقضية الكردية التي باتت تتجاذبها الأهواء في الفترة الأخيرة بسبب المواقف الجديدة من القوى العراقية تجاهها،وستعطي هذه الوحدة قوة وزخما كبيرا لإجراء الإصلاحات المنتظرة داخل تنظيمات وقيادات الإتحاد الوطني وتخليصها من آفة الفساد التي أذهبت بعقول الكثير من قادة الإتحاد حتى غدت أقدس مقدسات النضال تداس تحت أقدامهم، أو على الأقل ستؤدي الى التقليل من تأثيراتها على حركة القيادة الكردية في بغداد، فنحن نعلم جيدا بأن إيغال بعض قياداتنا في الفساد الإداري والمالي قد أضعف كثيرا من هيبة وثقل القيادة الكردية أمام القيادات العراقية خصوصا عند تعاطيها مع القضايا المتعلقة بمكاسب الشعب الكردي.
في حال نجح الأخ كوسرت في مسعاه وتحقيق اهدافه، ينبغي على قيادة الإتحاد الوطني أن تسعى بدورها الى إعادة الأحزاب الكردستانية الى تحت خيمة التحالف الكردستاني وتلبية مطالبهم المشروعة التي تقدموا بها،لأن من شأن توحيد جهود هذه الأحزاب مع قيادة الحزبين الحاكمين، وخوضها مجتمعة الإنتخابات البرلمانية والنيابية القادمة أن يقوي من مركز الشعب الكردي في بغداد، ويعطي القيادات الكردية قوة أكبر لمواجهة التحديات القادمة التي أعتقد بأنها ستكون أخطر من كل ما مر على الشعب الكردي، لأن مرحلة النضال ضد الدكتاتورية قد إنتهت وولت الى الأبد في العراق، وأن مرحلة جديدة قد بدأت في العراق، هي مرحلة الديمقراطية والإحتكام الى صناديق الإقتراع التي هي وحدها ستعطي الوزن والهيبة الحقيقية للقياداة الكردية لتثبيت الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في العراق الجديد.
شيرزاد شيخاني
التعليقات