بعد ثلاثة مليارات سنة ستتعانق جارتنا مجرة آندروميد Andromegrave;de مع مجرتنا درب التبانة La voie Lacteacute;e في عملية تصادم ضخمة على صعيد الكون الذي شهد أمثالها الكثير منذ مليارات السنين، حيث ستتصادم الغازات والأغبرة الكونية المكونة للمجرتين في رقصة فالس كونية جبارة. الخبر معروف منذ بضع سنوات ومتداول بين العلماء وقد تم تأكيده بصورة حاسمة في يناير 2009، فجارتنا العزيز مجرة آندروميد ذات الشكل الحلزوني كمجرتنا تتجه نحونا بسرعة مليون كلم في الساعة. استخدم الباحثون في جامعة هارفارد الهوائيات الراديو تلسكوبية الأمريكية المعروفة باسم فلبا VLBA لتقدير قياس جديد لسرعة انقضاض مجرة آندروميد وقالوا أن التصادم الفعلي سيحدث بعد 3 مليار سنة بين المجرتين، وبقية القصة شبه الخيالية، لكنها علمية صرفة، لم تعرف بعد بتفاصيلها الدقيقة، ولكن هناك شيء مؤكد وهو أنه أثناء التصادم والتداخل بين مكونات المجرتين من أغبرة وغازات كونية، ستتشكل وتولد آلاف النجوم التي ستخلق إضافة كونية وانطلاقة حيوية لم تشهدها مجرتنا منذ مليارات السنين في حين لاتولد مجرتنا عادة أكثر من ثلاث نجوم في السنة بحجم شمسنا في الوقت الحاضر فكل شيء سيتخلخل وستندمج محتويات المجرتين مما سيؤدي ربما إلى ولادة مجرة إهليجية أو بيضاوية جديدة عملاقة من جراء توحيد المجرتين وإعادة توزيع الخارطة الجغرافية لكليهما، وبالطبع ستموت وتندثر ملايين النجوم وكواكبها في عملية التصادم والتداخل والاندماج بما فيها شمسنا ومجموعتنا الشمسية وكوكبنا المسكين الأرض، وربما ستقذف شمسنا وتوابعها من الكواكب والأقمار إلى حافة المجرة الجديدة.
لم تكن فكرة تصادم المجرات وتبادل وتداخل موادها شائعة أو معروفة لدى العلماء قبل بضعة عقود قليلة من الزمن لكنها بدت اليوم عملية عادية كما لو أنها تتعلق بتصادم دحلتين صغيرتين. إن اكتشاف بعض التكوينات الكونية التي لها أشكال غريبة أثارت اهتمام وفضول العلماء كما أثارت العديد من التساؤلات، حيث حاول علماء الفلك تفسير ملامح البعض منها من خلال الحركات الداخلية للمادة مثلما هو الحال بشأن شكل مجرة des Antennes التي تشبه الحشرة والتي تستمد اسمها بفضل نسيجين مضيئين ومتألقين داخلها ناتجين عن تدفقات من قلب المجرة كما كان يعتقد من قبل. ولكن، وفي سنوات السبعينات من القرن الماضي، أجريت تجارب محاكاة رقمية على الكومبيوترات، بينت أن الذيول الطويلة للغازات والنجوم التابعة لمجرة des Antennes لايمكن أن تنجم عن عملية قذف، كما أوضح العالم بيير آلا ندوك Pierre Alain Duc من معهد الأبحاث حول القوانين الجوهرية للكون Irfu أو Institut de recherche sur les lois fondamentales de lrsquo;Univers التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث يحتاج الأمر لكتلة مجرة أخرى لتشويه وخلخلة مثل تلك البنى الكونية الجبارة مما يقود إلى فرضية تقول إن إحدى تلك المجرات العملاقة اقتربت كثيراً من مثيلتها إلى درجة الاحتكاك. وكانت نتيجة المحاكاة قد أثارت بدورها الكثير من الحماس بين علماء الفلك وتطلب الأمر تقديم الدليل على حصول أو وقوع مثل تلك التصادمات المفترضة، ولكن مع الأسف، ونظراً لبعدها الشديد تبدو تلك المجرات لأنظارنا وكأنها مجمدة ومتسمرة في مكانها في السماء ونظراً لشساعة الفضاء فإن عمر الإنسان على الأرض من القصر بمكان لا يكفي لكي يشعر بتحركها أو انتقالها. ولذا فمن المستحيل رصد ومباغتة هذه الرقصة الكونية للمجرات التي تدور فوق رؤوسنا بواسطة تلسكوباتنا الأرضية التي لا تزال بدائية في الوقت الحاضر رغم التقدم العلمي والتكنولوجي الذي حققه الإنسان حتى مطلع القرن الحادي والعشرين.
لذلك لم يبق أمام العلماء سوى طريقة المحاكاة بواسطة الحواسيب الفائقة السرعة. وكما يحدث غالباً، تأتي الإجابات من عمليات بحثية موازية. ففي سنوات الثمانينات من القرن العشرين كانت إحدى أهم المشاكل التي يواجهها العلماء تتعلق بموضوع البحث عن المادة السوداء.وكان اللغز يعرض بالطريقة التالية: نظراً للسرعة العالية التي تتنقل بها النجوم الواقعة على ضواحي وأطراف مجرتنا، استدعى الأمر افتراض وجود كمية هائلة من الكتلة الخفية أو غير المرئية والجاذبة بفضل قوة الثقالة التي تمتلكها حيث تجذب تلك النجوم الفائرة على أطراف المجرة وتجعلها مرتبطة بالمجرة لا تخرج عنها وتدور في فلكها. والحال أن العلماء في نماذج المحاكاة الرقمية SIMULATION NUMERIQUE التي أجروها، آخذين في الاعتبار تلك الفرضية المشار إليها أعلاه، وجدوا المجرات كما لو أنها تشارك في حفلة رقص جماعية وتتصادم مع بعضها البعض مكونة أشكال وبنيات كونية جديدة عملاقة، حسب تفسير بيير آلان دوك، وبالتالي فإن التفاعل المتبادل بين المجرات بدا وكأنه ناجم أو إحدى نتائج وتبعات وجود المادة السوداء غير المرئية.
وفي نفس تلك الفترة الزمنية تمكنت أقمار الرصد والمراقبة الصناعية التي تعمل بالأشعة فوق الحمراء من الكشف عن وجود فئة من المجرات التي تتفاعل فيما بينها كالأزواج حيث تختلط محتوياتها من الغازات والأغبرة الكونية وفي خطوط التماس بينها تشع نجوم كثيرة براقة تمثل كتلة لبضعة مئات من الشموس التي ولدت حديثاً في كل عام وهي كمية هائلة لو قارناها بمعدل الولادة الاعتيادية للنجوم سنوياً في كل مجرة عادية لا تتعرض لعملية تداخل وتصادم وتفاعل مزدوج مع أخرى نظيرة لها حيث تتم ولادة نجمتين أو ثلاث نجمات سنوياً لا أكثر.
وفي نهاية المطاف يمكننا القول، حسب هذا الإيقاع العالي من التشكل والخلق، فإن أغلب نجوم الكون المرئي والخاضع للرصد والمراقبة، ولدت من جراء تصادمات وقعت بين المجرات. وهناك وصفات أخرى بالطبع تشرح ولادات العديد من النجوم بصيغة هي غير طريقة التصادم بين المجرات. فقد قام معهد الأبحاث حول القوانين الجوهرية للكون بتجربة محاكاة سنة 2007 بواسطة أقوى حاسوب في العالم آنذاك وهو Mare Nostrum وقدم مساهمته في توضيح عملية ولادة النجوم.
فإلى جانب وجود المادة السوداء الخفية أو غير المرئية، أخذ العلماء بعين الاعتبار وجود المادة العادية الملموسة والمرئية التي تتكون منها جميع الموجدات بما فيها نحن البشر، رغم ضآلة وزنها في المعادلة الوجودية وفي مكونات الكون، فكمية المادة السوداء الخفية في الكون تفوق بخمسة أضعاف المادة العادية المرئية. والحال أن تجربة المحاكاة كشفت عن تيارات من الغاز قادمة من الوسط الكوني هي التي تغذي المجرات باستمرار، فوفق الحسابات التي قام بها العلماء بفضل تجربة المحاكاة هذه فإن المجرات الفتية الأصغر عمراً من مجرتنا تستخدم تلك الغازات لإنتاج مئات النجوم سنوياً كما يقول الباحث في معهد البحوث حول القوانين الجوهرية للكون رومان تيسييه Romain Teyssier والذي أردف قائلاً: quot;إن تلك التجمعات الغازية تجر في أذيالها مجرات قزمة تتغلغل إلى داخل المجرات الكبيرة والعملاقةquot;. وهكذا تتنافس المجرات فيما بينها باستراتيجيات متنوعة من أجل توليد المزيد من النجوم بيد أن هذه الآليات ليست يسيرة أو قابلة للرصد والمراقبة وينبغي التمييز بين الغازات الموجودة بين المجرات التي تتغذى هذه الأخيرة منها بنعومة ويسر وتلك التي تأتي من جراء هوجاء التصادم بين المجرات. وينتظر العلماء بفارغ الصبر البدء بتشغيل التلسكوب الإشعاعي آلما radioteacute;lescope Alma بعد سنتين أو ثلاث سنوات من الآن حيث سيطلق بصورة نهائية خلال العام 2013 للتمييز بين هذين النوعين من الغازات
د. جواد بشارة
التعليقات