يمكن أن نعرف التنظيمات الإقليمية بأنها مجموعة من الدول التي تسعى إلى تحقيق وحدة إقليمية وفق مؤسسات قانونية وبظروف خاصة بها متغيرة ولكنها متقاربة إلى حد كبير ومنه الظروف التكوينية والحضارية والاقتصادية والسياسية فضلا عن العامل الجغرافي الذي يلعب دورا حيويا في بقاء التنظيم أكثر تماسكا وتقدم،ولذلك فان هيكلية التنظيم الإقليمي تعتمد على ظروف داخلية موحدة ومتوفرة لدى الدول الراغبة بالانضمام إلى التنظيم فضلا عن الظروف الخارجية التي تشكل سببا مضافا إلى أسباب التنظيم ومنها الخطر الخارجي أو العدو المشترك أو المصالح الخاصة التي تهدف من ورائها الدول أن تجدها في تنظيمها بغية الوقوف بوجه اللاعب الخارجي في المنطقة الإقليمية.

يمكن أن نؤرخ لبدايات العصر الحديث( عصر التنظيمات) من خلال اقتراب نهاية الإقطاع والعصور الوسطى في أوروبا من نهايتها وظهور الدولة القومية الحديثة، التي زودت تدريجيا في أوروبا الغربية ومعها نشأت العلاقات الدولية،بالمعنى الضيق أي إحلال مفهوم الدولة محل الكيانات الإقطاعية واندثار الإمبراطورية.

كان النظام الدولي نظاما خاصا بأوروبا أي نظاما أوربياً بامتياز منها بدأ وانتشر إلى العالم، وما يزال النظام الدولي يشكل ركيزة مهمة في العلاقات الدولية لتطبيق مبادئ القانون الدولي العام، والى جانب النظام الدولي يمكن القول أن هذا النظام يعود في أصله ونشأته إلى مجموعة من الدول التي قبلت الدخول في تنظيم رسمي لحل مشاكلها وتعزيز مكانتها،وعليه فالنظام الدولي العالمي هو نظام إقليمي النشأة والأهداف ولكنه انتشر إلى العالم،ولذلك نجد أن التنظيم الإقليمي مازال لازما للنظام الدولي فهو يعزز هذا النظام ومنه يكتسب شرعية البقاء.

عليه أمكن القول أن نشأة النظام الإقليمي في العالم ومنها عالمنا العربي ارتبط بمجموعة من الظروف والمتغيرات التاريخية والثقافية والقانونية التي هيأت لمرحلة نشأت الإقليمية وبزوغها كونها واقع فرض نفسه إلى جانب النظام الدولي يعمل من خلاله وبمعيته ومن اجل تعزيز مكانته. لقد تباينت الدراسات القانونية في إطار التنظيم الإقليمي في ظل النظام الدولي واحتلت هذه الدراسات نصيبا لا يستهان فيه من خلال الأطر القانونية لقيامه ونشأته وتعريفه، خاصة في هذا الوقت الذي بدأ الاتجاه القانوني في جزء منه ينادي بالعالمية أو ما يعرف بالحكومة العالمية رافضا فكرة الإقليمية جملة وتفصيلا ومفضلا فكرة عولمة النظام من خلال حكومة عالمية تعمل كل جهدها من اجل القيام بواجباتها تجاه كل دول العالم بلا استثناء،لذلك فقد برزت الإقليمية كنموذج فرض نفسه بقوة لأنه الأساس في التنظيم الدولي،في ظل تحديات شهدها العالم من خلال الحرب الباردة التي لعبت فيها التنظيمات الإقليمية دورا لا يمكن الاستهانة به أو الاستغناء عنه،فقد كان النظام الدولي قلقا غير مستقر لذلك فقد غابت الفاعلية القانونية للأمم المتحدة في القيام بواجباتها الدولية إزاء الدول، وهذا جعل الدول العظمى تغادر ميثاق الأمم المتحدة وتلجأ إلى وسائل ذاتية تمثلت في الأحلاف العسكرية التي ربما حلت محل الأمم المتحدة في وقت ما ولكنها لم تلغ دورها أو تهمشها نهائيا.كما برز دور التنظيمات الإقليمية كونها فاعلا دوليا أعاد التوازن إلى النظام الدولي في مرحلة لم يشهد بها استقرار من نواحي سياسية وقانونية واقتصادية، هذا التعثر الواضح في دينامكية النظام الدولي خلق فرصة لا يمكن تعويضها للتنظيم الإقليمي في إن يبرز كمبرر أساسي في عملية تفاعلية كان لها رسم السياسة الدولية فيما بعد حين أنتجت هذه التنظيمات تكتلات واتحادات خرجت إلى النور في ما بعد الحرب الباردة لتفرض نفسها وبقوة في أحقية التعامل الدولي مع الأمم المتحدة والنظام الدولي والقطب الواحد والعولمة وغيرها من الأمور التي حاولت تغييب العنصر الإقليمي وإذابته في تفاعل النظام الدولي برمته.

ثانيا

الطبيعة القانونية للعلاقة بين التنظيم الإقليمي والنظام الدولي

التساؤل المهم والحيوي في هذا المجال هو تكييف العلاقة بين التنظيم الإقليمي والنظام الدولي هل هي علاقة تكاملية بمعنى أن التنظيم الدولي يعزز من إمكانيات النظام الدولي دون أن يحل محله أم هو منافس للنظام الدولي وبالتالي وجب إحلال احدهما واختفاء الأخر؟

بالنسبة للموقف القانوني في عملية تنظيم العلاقة فهي واضحة لألبس فيها من حيث تنظيم العلاقة من خلال المادة (52) في الفقرة (1) من الميثاق التي نظمت هذه العلاقة بالنص علىquot;ليس في هذا الميثاق ما يحول دون قيام تنظيمات أو وكالات إقليمية تعالج من الأمور المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدولي ما يكون العمل الإقليمي صالحاً فيها ومناسباً ما دامت هذه التنظيمات أو الوكالات الإقليمية ونشاطها متلائمة مع مقاصد quot;الأمم المتحدةquot; ومبادئهاquot;.وأشارت الفقرة الثانية من المادة نفسها إلى quot;على مجلس الأمن أن يشجع على الاستكثار من الحل السلمي لهذه المنازعات المحلية بطريق هذه التنظيمات الإقليمية أو بواسطة تلك الوكالات الإقليمية بطلب من الدول التي يعنيها الأمر أو بالإحالة عليها من جانب مجلس الأمنquot; ذلك أن عدد التنظيمات الإقليمية في ظل العالمية في تزايد وليس العكس مما دفع إلى حصول مشكلة قانونية حول كيفية تنظيم العلاقة والتعاون فيما بنها وبين بعضها أو بينها وبين المنظمة الدولية ونقصد هنا الأمم المتحدة وهذا ما جعل مجلس المنظمة عام 1996 إلى إنشاء لجنة اتفاقيات التجارة الإقليمية، يكون دورها دراسة الترتيبات الإقليمية في ضوء قواعد المنظمة، وتفحص الآثار المتكررة لكل من الترتيبات المتكاملة الإقليمية والمبادرات الرامية إلى مزيد من تحرير التجارة في الإطار المتعدد والعلاقة بينهما.مما يعني أن التحديات التي تواجه النظام المتعدد الإطراف سياسية وليست قانونية، الأمر الذي يوحي بضرورة زيادة مشاركة القيادات السياسية بشكل منتظم بحيث تصبح مشاركتهم مكوناً رئيسياً من مكونات أسلوب عمل المنظمة.

ثالثا

الشراكات الإقليمية الدولية

في المرحلة التي أعقبت الحرب الباردة وجد مجلس الأمن الدولي نفسه مخولا لان يقوم طبقا للفصل السابع من الميثاق بأعمال حفظ السلم والأمن الدوليين وقد تبين من خلال عمل المجلس انه لم يستطع احتكار الأعمال القانونية المبنية على التفويض الدولي بمفرده بل عمد إلى القيام إلى إيكال التنظيمات الإقليمية حق التدخل والقيام بالتصرفات القانونية بإشرافه المباشر طبقا للمادة (52) من الميثاق أنفة الذكر، ويظهر هذا التصرف بوضوح في العمل الذي قامت به المنظمة الدول الأمريكية في هاييتي فقد عمل مجلس الأمن الدولي على دعم هذه العمليات في الميدان، وكما بين النظام البارز في إفريقيا أيضا عام 2003 ذلك الآمر انه في وسع التنظيمات الإقليمية توفير الإمكانيات المطلوبة من اجل فرض السلام بسرعة وفاعلية وهي توفر عوامل تاريخية وسياسية واقتصادية وهي كذلك تكون قادرة على تامين آليات المساعدات الدولية من خلال اتصالها المباشر بالأمم المتحدة، وقد أشار الميثاق في الفقرة الثانية من المادة 52 من خلال أولوية التنظيمات الإقليمية في حل المنازعات قبل عرضها على مجلس الأمن حيث نص على إن quot;يبذل أعضاء quot;الأمم المتحدةquot; الداخلون في مثل هذه التنظيمات أو الذين تتألف منهم تلك الوكالات كل جهدهم لتدبير الحل السلمي للمنازعات المحلية عن طريق هذه التنظيمات الإقليمية أو بواسطة هذه الوكالات وذلك قبل عرضها على مجلس الأمنquot;. وحتى بعد القيام بأعمال حفظ السلم المخولة بها من قبل الأمم المتحدة فلابد أن يكون هناك تتابع زمني ومكاني للعمليات في الميدان وفق إشراف ورقابة مباشرة للمجلس على التنظيمات الإقليمية وهذا ما أكدته المادة 54 من الميثاق بالنص quot;يجب أن يكون مجلس الأمن على علم تام بما يجري من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي بمقتضى تنظيمات أو بواسطة وكالات إقليمية أو ما يزمع إجراؤه منهاquot;. وقد شكلت هذه التنظيمات أهمية كبيرة في الواقع الدولي بعدما تبين أهميتها ودورها في ملاحظة الأمور ذات النزعة الإقليمية.، فنظرا لما أفرزته القطبية الواحدة من صراعات واقتتالات داخلية عرقية والتي تعرف بالحرب الأهلية فضلا عن ثورة المعلوماتية، وازدياد التنافس الاقتصادي، راحت الدول تتكتّل إقليمياً بغية مواجهة التحديات الجديدة حفاظاً على معدّلات التنمية، بتعبير آخر، ثمّة عودة إلى الإقليمية أو التكاملية في إطار جغرافي محدّد، بصرف النظر عن مدى قوة هذا التنظيم الإقليمي أو ذاك. وفي الوقت الذي تندفع فيه اتجاهات العولمة في مطلع القرن الواحد والعشرين.ولو نظرنا إلى حال التنظيمات الإقليمية سوف نجد إشكاليات تطرحها فكرة الإقليمية في ظل العولمة منها، إشكالية الحدود الإقليمية للمجموع والحدود الخاصة بالدولة المنظمة ونقصد بها السيادة، كذلك فان عامل التكامل الإقليمي الذي سيؤدي إليه التنظيم قد يخلق مشكلة للتعامل مع مفردات العولمة على أساس أن التنظيمات الإقليمية لا تزال تحمل في طياتها تحديات تواجهها اليوم كالسيادة والدولة والتدويل وهي مشاكل ذات طابع قانوني دولي تقدم نقسها كحلول لهذه المشاكل العميقة، خاصة بعد أن قدمت التجارب الدولية صيغ تفضيلية مقارنة بالتنظيمات الإقليمية المعاصرة.

رابعا

التنظيم الإقليمي العربي بين أزمة هوية وإعادة ترتيب

جاء النظام الدولي بالكثير من المتغيرات التي يمكن إن نطلق عليها النظام العالمي الجديد والذي عرفه البعض بأنه quot;مجموعة من المتغيرات تفاعل بعضها مع الأخرquot; وأعطى صيغة ذات اتجاهين أساسين في هذا التفاعل هما التفاعل الشكلي الذي يمكن أن يكون من خلال انه تفاعل موجود ومتكرر ويعتمد بعضه على البعض الأخر وأي تغيير في بعض أجزائه يؤثر على بقية الأجزاء المتصلة به ويشمل هذا التفاعل الدول والأشخاص الأخرى للقانون الدولي كالمنظمات الدولي والإقليمية،هذا التفاعل الشكلي يقود إلى بناء قواعد عرفية دولية وقواعد قانونية دولية مكتوبة تصبح جزاء من النظام القانوني الدولي.

أما التفاعل الإجرائي فهو يعتمد على تقسيم القرارات الرئيسة التي تتخذها الدول حيث أن هناك رابطة قوية بين نشاط إصدار القرار وبين قوة الدولة وهي علاقة طردية من خلال ذلك،وقد وضعت الكثير من المعايير للتعريف الإجرائي وهي معايير مادية بحته إلا أننا يمكن الاقتراب من تعريف اشمل على معيار (القوة) ويذهب د. سمير أمين إلى أن quot;هذا المعيار قد وضح في النظام العربي،بعد الحرب الباردة، حيث أن النظام الدولي بعد الحرب الباردة قد أعاد ترتيب أوراق النظام العربي وقسمه إلى ثلاث مجموعات أساسية شملت الأولى المجموعة الإفريقية أما الثانية المجموعة الخليجية في حين كانت الثالثة هي الوسط بينهماquot;.

وعليه فان النظام العربي وقد أعيد ترتيب أوراقه بإرادة خارجية بعد أزمة الكويت عام 1991 والتدخل الأجنبي في منطقة الخليج العربي واحتلال العراق عام 2003 كلها مؤشرات واضحة على أهمية النظام العربي في كونه نظاما إقليما تسعى الدول الكبرى إلى طمس هويته القومية والنيل منه بأزمات متتالية ومفتعلة تصب في خدمة التقسيم المادي والمعنوي على أساس عرقي وديني ومذهبي وسياسي واقتصادي لذلك لابد من الرجوع إلى مقومات أو عناصر التنظيم الإقليمي العربي على أسس صحيحة وقانونية وصلبة حتى يكون من خلالها الطرح والتحليل الواقعي قد أصاب الحقيقة في جزء منها،ويمكن أن نتلمس ابرز مقومات النظام الإقليمي العربي من خلال النظر إلى الكثير من العوامل المشتركة والخاصة فهي مشتركة لأنها تدخل في أي تنظيم إقليم عالمي وهي خاصة لان التنظيم الإقليمي العربي يتفرد بها عن غيره في البعض منها ولا يتشابه مع كل التنظيمات الأخرى في الكل منها، وهذه العوامل هي:

-عوامل سياسية :حيث تمثل التقاربات السياسة مساحة كبيرة من الاندماج والتكتل عبر الكثير من الوسائل السياسية والقانونية عبر الدول فيما بين التنظيم العربي.

-عوامل حضارية : تتمثل في لغة موحدة وانتماء مشترك يجمع بين جميع أفراد العرب حاكمين ومحكومين سياسيين وأفراد.

-عوامل جغرافية: ظروف طبيعية متشابهة في الدول العربية، فقلد تمتع التنظيم الإقليمي العربي بخاصية جديدة تضاف إلى خواصه بأنه يضم مجموع من الدول ذات التقارب الجغرافي وهذا يساعد على بناء تنظيم قوي لان عنصر المكان لا يتغير بعكس الزمان.

-عوامل اقتصادية: نفس الأوضاع الاقتصادية: ( تصدير المواد الخام) كما أن الموارد متنوعة ومتباينة في التوزيع وهذا ما يجعل العرب قوة اقتصادية من الممكن أن يتوحدوا في سبيل الارتقاء بالوحدة الاقتصادية العربية وتوحيد العملة العربية وفتح الحدود وإلغاء التعريفة الكمركية.

لقد تمت عدة محاولات للوحدة والعمل المشترك بين الدول العربية حيث يعد مجلس التعاون الخليجي أهمها إضافة إلى اتحاد المغرب العربي كما أن بعض المحاولات باءت بالفشل كالوحدة بين سوريا ومصر، وكذلك الوحدة العربية التي ضمت أربع دول عربية في عام 1988 بين العراق ومصر والأردن واليمن، إلا أنها انهارت تماما وتلاشت أمام النظام الدولي ذات القطب الواحد الذي عمل على هيكلة النظام العربي من اجل تجزئته ومما ساعد على هذه التدخلات الخارجية هو الاستبداد وسعي بعض الأنظمة لاكتساب شرعية تنقصها عبر نشوء هذا الواقع،فضلا عن قصور التيار القومي العربي الذي كان إلى فترة قريبة يسود النظام العربي،إلا أن التدخلات الخارجية كرست العمل على تدمير هذا التيار وإضعافه.

توصيات

المعالجات الضرورية ذات سمة قانونية يجب أن تحرك من اجل تدعيم النظم الإقليمية ككل ومنها التنظيم الإقليمي العربي:

1- تفعيل الدور القانوني في المؤسسات الحكومية مما يجعل الهدف الواحد يصب في تفرعات جزئية تعمل على تماسك النظام العربي الواحد دون أن تدع لمصطلحات دخيلة من النيل منه أو تفتيته،

2- ضرورة تجاوز الأزمات الداخلية الراهنة في التكَيف مع التحولات الدولية من خلال العمل على حلها داخل النظام الإقليمي من خلال التنظيمات الإقليمية مما يعكس تماسكا قويا في مواجهة التحديات التي تصيب النظام العربي،

3- تبني عملية تغيير قانونية ومنهجية وفق إطار قانوني في عمليه التغيير والتحول نحو بناء دولة القانون،من خلال إعطاء الحرية الواسعة بقيود دستورية كي لا تتحول إلى فوضى لا يمكن السيطرة عليها إلا بالخروج عن مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي، كي لا تصبح هذه الخروقات فيما بعد وسائل تشجع التدخلات الخارجية بحجه أو بأخرى

زياد عبد الوهاب النعيمي