بمناسبة إعلان الquot;بي بي سيquot; عن مرتبات كبار المسئولين فيها أتساءل هل يمكن ان تنشر أجهزة الإعلام العربية على شبكة الإنترنت قوائم بالمرتبات والمكافآت وبدلات السفر التي يحصل عليها كبار مسئوليها؟!
أنا شخصيا لا أظن فما قامت به البي بي سي كان بناء على قانون quot;حرية المعلوماتquot; وبسبب ضغوط مورست من أجل مزيد من الشفافية، وهي امور لا علاقة لنا بها من قريب أو بعيد، ففي عالمنا العربي لا توجد قوانين تكفل حرية المعلومات، وكل مايدور عندنا من جدل حول الشفافية غالبا ما يكون حول شفافية ثياب النساء!
كما أن ما فعلته هيئة الإذاعة البريطانية كان استجابة لمطالب شعبية بنشر هذه المعلومات بعد فضيحة نفقات نواب البرلمان البريطاني، وهو نوع من الفضائح غير معروف في عالمنا العربي، لأن ما يحصل عليه المسئولون والوزراء والنواب يعتبر سرا من اسرار الدولة العليا!
والأهم من ذلك أنه لا يوجد في عالمنا العربي مؤسسات إعلامية مستقلة بمعنى الكلمة، فكل مؤسساتنا الإعلامية حكومية او خاضعة للحكومات، على عكس البي بي سي التي تعتبر منذ إنشائها في عام 1927 هيئة اعلامية مستقلة لا تتلقى اي دعم حكومي سواء من الحكومة البريطانية او اي حكومة اخرى، بل يتم تمويلها مباشرة من المواطن البريطاني عبر الضرائب السنوية التي تفرضها الدولة على كل جهاز تلفزيون في بريطانيا.
هذا الاستقلال المالي التام هو الذي اعطى البي بي سي حرية تناول السياسة الاعلامية وفق ما يريده دافعو الضرائب البريطانيون الذين ينحدرون من اصول وثقافات وخلفيات متنوعة، وهو ما جعل خدماتها المكتوبة والمسموعة والمرئية تتسم بالحياد والموضوعية وتصل الى 233 مليون شخص يتوزعون في 100 دولة حول العالم.
كما أن خضوعها لمتابعة مكتب المحافظين ومن بعده وحدة الثقة BBC Trust التي أنشئت في يناير 2007 بهدف ضمان الالتزام بالسياسة التي حددها دافعو الضرائب، هو الذي حافظ على مستوى البي بي سي فيما يتعلق بتقديم محتوى عالي الجودة من الخدمة الإعلامية والالتزام بالحياد والتوازن والموضوعية.
في عالمنا العربي لا احد يعرف شيئا عن ميزانيات أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة، ولا أحد يعرف كيف يتم انفاق هذه الميزانيات أو حتى توزيعها على هيئة أجور ومكافآت وبدلات سفر، ويكفي أن موازنة الإذاعة والتليفزيون في دولة عربية كبرى لا تعرض أصلا على البرلمان ضمن الموازنة العامة للدولة، بل إن ما يتقاضاه مسئول تليفزيوني مهم في هذه الدولة يقترب من الراتب الشهري للرئيس أوباما!
بالتاكيد خضوع البي بي سي المباشر لدافعي الضرائب في بريطانيا هو الذي جعلها تنشر على الإنترنت تفاصيل مرتبات خمسين من كبار المسئولين فيها، حتى أننا عرفنا على سبيل المثال أن مدير عام المؤسسة مارك تومسون سدد 2000 جنيه استرليني مؤخرا نظير عودته الطارئة من إجازة عائلية كان يقضيها في صقلية.
كما وعدت هيئة الإذاعة البريطانية الرأي العام البريطاني بنشر قائمة أخرى بمرتبات المشاهير من كبار العاملين فيها وتكاليف رحلاتهم الداخلية والخارجية وقيمة الهدايا التي قدمتها الهيئة لضيوفها، بهدف كسب ثقة دافعي الضرائب رغم ما يترتب على ذلك من إحرج للأطراف المعنية.
بصراحة ما فعلته البي بي سي لا يمكن ان يحدث في إعلامنا العربي لأن الهوة مازالت واسعة وعميقة بين عالمنا وعالمهم!
عبد العزيز محمود
التعليقات