انقطع إهتمامي ومتابعتي لكرة القدم منذ سنين عديده، وغيرها من الرياضات، عدا بعضا من الألعاب الأولمبيه، حتى أعادني ابني لها خلال السنيتين الأخيرتين، وفرض علي الإشتراك في قنوات شوتايم لمتابعة الدوري الإنجليزي وخاصة فريقه المحبب، مانشستر يونايتد. والحقيقة انني بدأت استمتع بمتابعتها بشكل كبير مرة أخرى خاصة عندما يمطرني إبني، ذا التسع سنين، بمعلومات لا نهاية لها عن كل فريق وعن كل لاعب، من فاز الأسبوع الماضي ومن انهزم وتوقعاته لكل مبارة وتاريخ كل لاعب- او على الأقل المشاهير منهم- اين كان يلعب ذلك اللاعب وكم يبلغ من العمر وكم هو راتبه ومن أي بلد وماهو فريقه السابق...الخ. ولأن إبني يدرس في مدرسة إنجليزية فهو يفضل ان يشاهد المباريات مع المعلق الإنجليزي، وكذلك أنا.

السبب في تفضيلنا للتعليق الإنجليزي لا ينحصر في ان فهم إبني للعربيه أضعف قليلا من الإنجليزية، ولكن السبب الرئيسي (لإبني- ولي أكثر) يكمن في الفرق الهائل بين المعلقين الإنجليز وأقرانهم العرب. المعلق الإنجليزي يستخدم لغة راقية أثناء تعليقه، وتكون إنفعالاته منسجمة مع إيقاع المباراه، فلا صراخ أقرب لصياح المجانين، ولا القاب وعبارات لا رأس لها ولا ذيل. تجد المعلق الإنجليزي، بإختصار، يشكل إضافة جمالية للمباراه من خلال وصفه الدقيق لما يحدث، وتقديمه لمعلومات إضافية تزيد من متعة المشاهده.

المعلقون العرب، في الجانب الآخر، وبلا إستثناء (على الأقل اولئك الذين فرضت الظروف علي الإستماع لهم- وأخبرني العارفون أنهم أفضل من في السوق) يبعثون على الإشمئزاز. فبالإضافة الى صراخ متواصل يجعلك تتخيل رئتي المسكين تكاد ان تنفجر او تطفح من فمه، يقرفك أيضا الجهل المطبق بأبجديات أستخدام اللغه، ومحدودية معرفة المعلق العربي بأي موضوع يتطرق له أثناء التعليق. يبدو لي ان أحد متطلبات التأهيل للتعليق في التلفزيونات العربيه أن يكون المعلق مهرجا في المقام الأول، وأن لا تتعدى المفردات اللغويه التي يعرفها الخمسين كلمه، بل أنني أراهن ان بعض المعلقين يردد ما يقل عن هذا العدد، حيث يقضي معظم الوقت يصرخ quot;الكرة بتنلعبquot; أو quot;الكوره ملعوبهquot; (حسب اللهجه) مئات المرات، بينما يعرف كل مشاهد ان ما نراه هو لعبا في لعب ولسنا في حاجه لتأكيد من عبقرية معلقنا الهمام، ومعلق آخر سمعته يردد كلمة quot;حذارquot; بعد كل كلمتين من حوالي عشرين مفرده لغوية هي كل ما ردد في كل المباراه. وآخر يملأ الفراغات الصراخية بتأوهات مثل quot;إييييييييهquot; وعبارات سخيفة مثل quot;إيه ده إللي بتعمله يا ولدquot; او quot; اللاعب الكبير، الإمبراطور، العملاقquot;.


أضف لكل هذا قمة السخف عندما يجيَر إنتصار منتخب أو فريق عربي إلى أنه إنتصار للأمه العربيه، وأحيانا تضاف لها الإسلاميه، أو ان ذاك اللاعب او الفريق قد شرف الأمتين العربيه والإسلاميه. أضف الى كل هذه الإضافات ذكر إسم quot;اللهquot; مع كل شاردة ووارده، مع ان الحكايه في النهايه هي لعب كوره ليس إلا. ولعل لاعبي كرة القدم تأثروا انفسهم في السنوات الأخيره بهذا الزخم الديني اللاشعوري ليبتكروا السجود بعد تسجيل كل هدف وكأن المسأله ممارسة شعيرة دينية ستضيف لهم بعض الحسنات.

آخر السخافات شيء من ما يقال في إستديو التعليق وبالتحديد حكاية quot;الكابتنquot; تلك (لم أفهمها ولا ادري لماذا تقرفني خاصة عندما يوجًه الكابتن فلان سؤاله للكابتن علان فيرد له quot;والله ياكابتن زي ما تعرف مثل ما قال الكابتن lsquo;إكسrsquo; قبل قليل بأن الكابتن lsquo;إفrsquo; بأنه لولا إصابة الكابتن lsquo;إخrsquo; لما اتيحت الفرصه للكابتن lsquo;فشrsquo;quot;...الخ).

أخيرا وبالرغم من محدودية ما أشاهده من مباريات كرة القدم، إلا انني اعتبر نفسي محظوظا لأن فرص الحياة اتاحت لي ان اكون قادرا على فهم المعلقين الإنجليز وهو ما أحرص عليه عند مشاهدتي لمباراة دولية، حتي لو كان المنتخب السعودي طرفا فيها، لأنه لا يوجد معلق عربي حسب معرفتي يرتقي الى مستوى معلقي اللغة الإنجليزية.


شكرا لعصر النقل الفضائي الذي اتاح لنا هذا الخيار وأراحنا من محنة الإستماع للمعلقين العرب والذين يبدون وكأنهم قد تخرجوا من نفس المدرسه، حيث لم يشذ ولو معلق واحد عبر كل هذه السنين وكل هذه القنوات التلفزيونيه، ومنذ أيام المرحوم اكرم صالح منذ أكثر من عشرين عاما، لينفرد بثقافة عاليه ومعها القدره على التعليق بلغة سليمة وراقية تحترم عقلية المشاهد وتضفي مزيدا من متعة مشاهدة مباراة كرة قدم.

محمد العضاضي
كاتب سعودي
[email protected]