بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام ألفين وواحد أحتلّت مسألة ضرورة مساهمة ألمرأة في الحياة السياسية ودخول دهاليزها المظلمة أهميةً أستثنائيةغير مسبوقة، وشغلت حيَزاً واسعاً من الجدل ألمتباين لدى ألكثير من الأوساط الدينية والفكرية والسياسية. وقد تصادمت هذه الفكرة مع الكثير من المعتقدات ألدينية ألمتطرفة والعادات والقيم لاسيما في مجتمعات يغلب عليها الفكر الذكوري والعشائري كبلدان مثل العراق ودول الخليج والاردن ودول أسلامية محيطة.

ولو رجعنا الى سنين التاريخ الماضي لوجدنا أن الدستور العراقي لعام 1985 قد وضع اللبنة ألاولى لحق مساواة ألمراة مع الرجل، لذا فإن المرأة العراقية قد نالت حقها بالتصويت منذ عام 1958، كما شهد العراق لعام 1959 اول وزيرة عربية (نزيه الدليمي ) وبهذا كان العراق من أوائل البلدان ألعربية التي طبّقت اللائحة الدولية لحقوق الانسان لعام 1948 والتي تنص على ( إنّ كل فرد له الحق في المساهمة في إدارة شؤون وطنه ).

في السنوات الاربع الماضية إزدادت عجلة السباق المارثوني لمشاركة المرأة للمجالات السياسية لدى الكثير من الدول العربية ولاسيما الخليجية منها، خاصة بعد المشاركة النسوية العراقية المحوظة بنسبة 25% داخل البرلمان العراقي ونيلها ستة مقاعد وزارية في حين لم تتجاوز نسبة مشاركة المرأة الفرنسية داخل البرلمان الفرنسي سوى 12% والبريطانية داخل مجلس العموم 19% بعد أن ابتدات مشاركتها عام 1948 بنسبة 1% بينما تحتل مشاركة المرأة الفلندية 46% داخل البرلمان، اما المراة في كل من مصر والأردن ودول الخليج فلن تتعدى مشاركتها أكثر من 3% ولا زالت تعاني في بعض البلدان الاقليمية من حق الترشيح وأحياناً حتى التصويت.

كلّنا تابعنا الحملات الدعائية للمتنافسين الاربع الايرانيين كيف ان المتنافسين واعدوا المرأة الايرانية بحقائب وزارية اثناء حملاتهم الدعائية فأحدهم واعدها بنيل حقيبة وزارة الخارجية، الوزارة الاكثر اهمية في رسم سياسة البلد خارجياً، ولآخر واعدها بالأعلام وآخر بنيل أربع وزارات حكومية في حال فوزه بالانتخابات.

كما لاحضنا كيف ان المرأة الكويتية في انتخابات عام 2008 التي حُرمت من حق التصويت والترشيح حتى عام 2005 قد فازت بأربع مقاعد نيابية عن طريق التنافس الانتخابي وليس على طريق التمثيل النسبي. وبالرغم مايكتنف هذا النظام من سلبيات إلاّ انه أسس في العراق الى ارضية لتغعيل دور المرأة وضمن مشاركتها في ادارة الدولة واعُتبر خطوة الى الامام في طريق تحقيق المساواة بين المرأة والرجل.

وإذا اعترفنا بأن المرأة هي من تصنع الحياة واعترف الشق الآخر وهو الرجل بكامل حقوقها ومنحها الفرصة في اداء دورها الاجتماعي والسياسي بصورة صحيحة فإنها ستساهم بقدر كبير وبشكل إيجابي في صناعة وصياغة الانسان والمجتمع. صياغة تبتعد كثيراَ عن التشوهات الفكرية والمنحرفة وما أعنيه هنا وفي بلاد الرافدين التشوهات الفكرية والطائفية منها والعرقية.

التاريخ العراقي ظلم المرأة العراقية. فالجاهلية الحديثة وما يقرب من تسعين سنة على نشوء الدولة العراقية لعام 1921 لاقت المرأة العراقية اوجاعًٌ وجراحات عديدة من الظلم والحيف والجور والارهاب جراحات لم تشهدها نساء العالم كلّه ادت الى مصادرة حقوقها المشروعة، مرّة بحجة الدين والتقاليد والقيم والعوز فابتعدت قسراً من نيل حقّها للتعليم والثقافة فبدلاً من تثقيقها وتوعيتها نراها تجوب الطرقات والشوارع للتسول ولبيع الحاجيات لسد رمق العيش الذي اصابها نتيجة الحروب التي فُرضت على الشعب العراقي والحصار الاقتصادي وماكنة الارهاب الطاحنة، فابتعدت عن بناء المجتمع بناءاً روحياً واعياً وسليماً خالياً من الافكار المتخلفة إضافة الى انها بقيت محاطة بهالة من الظلام لا تعي مايحيط بها،

اضافة الى الجانب الثقافي صودر منها حق آخر بعدم اشراكها المجالات السياسية بحجة خديعة الدين المتطرف والمعتقد العشائري.

في غضون ذلك وفي فترة مابعد التغيير وبعد ربع قرن من الديكتاتورية وثقافة الحزب الواحد أُريد للمرأة العراقية ان تواكب، ان تواكب الديمقراطية على عجل، فعلى غفلة من الزمن دخلت المعترك السياسي، دخلت مجلس الحكم الانتقالي وضحت بنفسها بشهادة تمثلت في الشهيدة عقيلة الهاشمي، ودخلت الجمعية الوطنية والبرلمان العراقي عن طريق( الكوتا ) ورغم ماتتحفظ بعض الاوساط السياسية والاجتماعية والفكرية لهذا النظام إلاّ انه استطاع ان يلبي بعض الطموحات في تلك الفترة لكنه من ناحية اخرى شكّل هذا النظام الذي عُمل به في مصر كأول دولة عربية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، شكّل في العراق عبئاً على المرأة العراقية في تلك الفترة داخل البرلمان.

فلم تكن المرأة مهيئة سياسياً، ولم تكن الارضية مهيئة لها، لقد وجدت نفسها بدخولها المفاجيء هذا إنها تقف في منتصف طريق يُرش بوابل من الصراعات بين الفرقاء السياسيين..صراعات انعكست مردوداتها بلوحات الذبح وقطع الرؤوس ورميها بالطرقات..


وقفت وسط ذروة الجنون الطائفي والتصفيات والمفخخات. وسط هذه الاجواء المروعة وعلى عجالة تقاذفتها التيارات والكتل والاحزاب وكان لابد لها ان تتخذ القرار وان تساير الديمقراطية وان يكون نصيبها من التمثيل التسبي ال25% عن طريق الكتل السياسية وعبر المحاصصة. فلا بد لها ان تختار ولا من خيار آخر يحميها من حمم الصراعات غير الارتماء العشوائي لإحدى الكتل المطروحة. فلا مجال للإستقلاليتها إلاّ ماندر.


لقد ابتعدت المرأة العراقية في ذلك الوقت عن استحقاقها الذاتي الذي يُبنى ويُؤسس على مبدء الكفاءة والقدرات والمؤهلات وهذا الاتهام ينطبق على الرجل ايضاً ومن هنا لابد ان نلمس تغييراً جذرياً حتى وإن استمر العمل بنظام التمثيل النسبي، فهناك الكثير من الدول الاوربية والعربية تعمل به كفرنسا ومصر ودول اوربية اخرى لكنّ استخدامه يتم على اساس الكفاءة والتأهيل والنزاهة.


إنّ المراة العراقية في حال إعدادها وتأهيلها ستكون قادرة ان تحقيق ذاتها السياسي وستكون قادرة على اتخاذ القرارات الحاسمة، لكنّ السؤال المطروح اليوم وبعد ست سنوات من التغيير وبعد كل هذا الحيف والقهر والظلم والاستبعاد الذي نال من كرامة المرأة في بلاد الرافدين.


تُرى هل استطاعت بحضورها السياسي في داخل البرلمان أو الوزارات ان تنال مستحقاتها السياسية؟ فهناك لايزال من يتهم هذا الحضور داخل قبة البرلمان بأنه لايزال حضوراً شكلياً لا يشكل إلاّ رقماً جاء على عجل لملي الفراغ وأرضاء الديمقراطية.

هناك مطالبات من داخل البرلمان العراقي. اصوات نسائية تطالب أين دور المراة العراقية من القرارات الحاسمة؟.. وأين حضورها في الحوارات الحساسة؟.. وأين تواجدها امام العدسات الاعلامية؟..ولماذا هي غائبة في مشروع المصالحة الوطنية؟.. وما هو حجم تمثيلها في السلك الدبلوماسي للمناصب العالية؟..وهل اُختيرت يوماً أن تترأس وفداً مفاوضاً لبلد خارجي؟.. وهل نالت حقها في نسبة التكافيء في مجال الحوارات داخل البرلمان كما هو حاصل ومتاح لعضو البرلمان؟. ولماذا لم تًتح لها منصب رئاسي ُّ او مستشارة لإحدى الرئاسات العليا الثلاث

لابد من الذكر في هذا المجال إنّ الفترة الوحيدة التي وُعدت فيها المراة كمستشارة لرئيس الوزراء كانت فترة رئاسة السيد الدكتور ابراهيم الجعفري.


من خلال متابعاتي لهذا الكم الهائل من الاسئلة وصلتُ الى قناعة شخصية وهي إنّ فكرة انخراط المرأة داخل البرلمان أو في مجالات ساسية اخرى لازالت عند الرجل العراقي في بداياتها ولا تزال فكرة مشوشة وغامضة لاتتفق مع المروث الاجتماعي والتطرف الديني.


تُعلق بعض النائبات حول هذا الموضوع واسباب الاخفاقات الحاصلة لدى المراة داخل البرلمان هو إن رؤساء الكتل يحاولون منع النائبات المنتميات عن ابداء الرأي أو مشاركتهن في الحوارات والقرارات ذات المواضيع الحساسة حيث تناط المهمة فقط لرؤساء الكتل والاحزاب أو من ينوب عنهم من الرجال.


كما ان العامل الآخر الذي أثّر على اخفاق صوت المراة السياسي داخل الحكومة العراقية هو تسلّط الرئاسات الثلاث وتركيزها حصرياُ على الرجل وقد ظهر جليّاً عندما استُبعدت احدى البارزات السياسيات من منصبها إضافة الى استبعادها عن الاضواء الاعلامية عندما ادلت بتصريح يخص صلاحيات رئيس الجمهورية فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على حالة الانكماش التي تعيشها المرأة السياسية في العراق.


من هنا وبعد ست سنوات وبعد تحسن الملف الامني الملموس وبعد المتغيرات الكبيرة التي حصلت على الساحة العراقية والمتغيرات الدولية ايضاُ، فالعراق اليوم ليس عراق ماقبل أربع او خمس سنوات، خروج القوات الامنية ووجود الاتفاقية الامنية مع امريكا وخروج العراق من البند السابع وقرب الانتخابات التشريعية نهاية هذا العام كُّلها عوامل تؤسس الى حكومة قوية اكثر استقراراً، فلا بد من الاشارة الى بعض التوصيات لتأهيل المراة العراقية سياسياً حتى تستطيع ان تواكب عجلة الحياة الدائرة في العراق مستقبلاً وبكفاءة عالية.


1 خلق نظام مالي تحفيزي للكيانات السياسية من قبل الدولة لإستمالة وجلب الصوت النسوي داخل كياناتهم وتياراتهم وهذا ما عملت به الكثير من الدول النامية ومنها موريتانيا فحقق هذا النظام تقدماً ملحوظاً حيث ازدادت نسبة مشاركة المراة داخل البرلمان الموريتاني بنسبة 20% حتى نهاية عام 2006.


2 ضرورة توفير المناخ الملائم للمرأة ودعمها من قبل رؤساء الكتل والاحزاب والتيارات واعطاءها الفرص المتكافئة بأبداء الاراء ومشاركتها الفعالة في الحوارات الهامة.


3 اعتماد آليات داخل الاحزاب والتيارات تقوم على اساس خلق مراكز دراسية تُقدم دراسات احصائية وبحوث تخص واقع المراة سياسياُ وتحفيزها على المشاركة.


4 في حال اعادة اعتماد قانون القوائم والتمثيل النسبي لابد من استحداث لجنة مستقلة بعيدة عن التوجهات الحزبية والطائفية تعمل بنزاهة تُكلّف بوظيفة تقييم ودراسة وخلفيات الاسماء من النساء والرجال المرشحة والي تطرحها التيارات السياسية في الانتخابات القادمة، دراسة تعتمد الكفاءة والقابلية ونزاهة العمل لأجل الوطن فقط.

5 أستحداث ورشات عمل من قبل الدولة والتيارات السياسية في مجال التمكين السياسي للمراة وتطوير مستواها ووعيها الثقافي في هذا المجال.


6 دعم منظمات المجتمع المدني لإستحداث برامج سياسية ومناهج تحفيزية لتوعية المرأة سياسياً.


7 تدريب وتحفيز طالبات الجامعات على المشاركة السياسية.


8 لابد من تشكيل لجنة نسوية تخص عضوات البرلمان او من خارج العملية السياسية تعمل لذاتها بمشروع وطني متميز بعيداً عن كل التخندقات الطائفية والعرقية والحزبية، مشروعاً اجتماعياً او اقتصادياً أو حتى تصالحياً خاصاً باللجنة النسوية


ليلى البحراني