الغالبية العظمي من شوارع السياسية في الغرب ووسائله الإعلامية مشغولون بالشأن الإيراني ليس فقط بسبب الوقائع التي واكبت انتخابات رئيس الجمهورية، ولكن لأن ما لحق بها من سجالات أزاح الستار عن ملامح جديدة أصبحت تميز المجتمع الإيراني.. مما جعل غالبية المحللين في الغرب عموما يؤكدون أن الجمهورية الإسلامية مقبلة علي مجموعة من التغييرات الحادة التي ستقود حتماً إلي مزيد من التشدد لفرض ثوريتها!! لأن البديل أى الإصلاح السياسي المرتبط بالشأن الداخلي معناه في رأيهم إفلاس النظام وانتحاره..

توقعات البعض بأن ينحاز المرشد الأعلى للجمهورية إلي الشارع ومطالب الجماهير المنادية بإعادة الانتخابات أو علي الأقل النظر في الشكوى المقدمة باسم المرشحين الثلاثة الذي خسروا النتيجة، لم تكن في محلها لأن علي خامنئي هو القوي الأكبر ضمن هيكلية النظام.. وبعد خطابه الشهير يوم الجمعة ( 19 يونية ) أصبح مؤيداً لما يصفه الخاسرون بالتزييف والتزوير الذي شاب عملية انتخاب رئيس الجمهورية الأخيرة..

كان من الصعب أن ينحاز علي خامنئي لدعاوي التزييف لأنها عنده بلا دليل ولا بينة كما جاء علي لسانه في خطبة الجمعة.. لذلك وجد المعارضون والإصلاحيين وغالبية المتظاهرون أن مطالبته بإتباع السبل الشرعية فيه اقصاء لها وتهميش لدورها..

الحقيقة البادية للكافة والتي يُجمع عليها الغالبية، أن الطريق يبدو مسدوداً أمام نظام الجمهورية الإسلامية في إيران.. للأسباب التالية:

1 ndash; عدم اقتناع المعارضة والتيار الإصلاحي ونسبة لا يستهان بها من الشعب الإيراني بنتائج الانتخابات، وفي المقابل يتمسك النظام بضرورة أن يلجأ المتضرر إلي السبل القانونية التي يمسك هو وحدها بأطرافها..

2 ndash; رفض النظام لمطلب تحكيم جهة داخلية مستقلة الذي تنادي به المعارضة، وإصراره علي أن ذلك يتطابق مع أبعاد المؤامرة التي تتعرض لها إيران..

3 ndash; أساليب العنف التي يقول النظام انه اضطر للجوء إليها وأدت إلي مقتل نحو عشرون برئ تحولت واحدة منهم ndash; ندا سلطان ndash; إلي رمز وصفه البعض بالشاب الصيني الذي تحدي دبابة ميدان تينانمين عام 1989، تجعله حتى علي مستوى بعض أطرافه غير حكيم في تعامله مع الأزمة ومن ثم لا يثقون في خطواته التالية..

4 ndash; تحميل الأطراف الخارجية ndash; الغرب عموماً - كل ما حدث فيه إجحاف بالتطورات التي شهدها المجتمع في ظل الثورة التي مضي من عمرها 30 عاما كاملة، وهذا يعني ببساطة انه كنظام جماهيري كان بعيداً عنها من ناحية وانه لو تنبه لها لعمل ما في وسعه للقضاء عليها في حينه من ناحية ثانية..

يؤكد الخبراء أن هذا الطريق المسدود لا بد أن يقود إلي أحد أمرين..

أ ndash; إما أن يقوم نظام الجمهورية الإسلامية الشمولي - الذي يستغل ايديولوجيتة لدعم مركزيته الحاكمة - بإقرار بعض التعديلات المنهجية التي تسمح ببعض من الحريات السياسية والفكرية ضمن آليته الذاتية..

ب ndash; وإما أن يزيد من حجم تعامل أجهزته الأمنية المُسيسة وعلي رأسها الحرس الثوري العنيف غير المتهاون مع الجماهير المعترضة علي نتائج الانتخابات والرافضة لأجزاء كثيرة من خطاب مرشد الثورة علي خامنئي الذي ألقتاه يوم الجمعة ( 19 يونية )..

لو ان النظام وافق علي الاستجابة لمطالب الجماهير في حدها الأدنى ونعني به إعادة فرز الأصوات علي مستوى الدوائر التي حامت حولها الشكوك.. ولو أن المرشد الأعلي جعل من نفسه حكماً عدلاً بين المرشحين كلهم بلا استثناء.. ولو انه ثمن بشكل منهجي حركة الجماهير واستمع إلي شكواها وابتعد عن العنف في رده عليها، لكان من المأمول فيه أن يبدأ في التفكير في اتخاذ بعض الخطوات الإصلاحية السياسية..

لذلك يجزم غالبية المحللين أن نظام الحكم الإيراني الذي يتمسك حتى اللحظة بنزاهة نتائج الانتخابات وينصح المعترضون باللجوء إلي المنافذ الشرعية، لن يتراجع عن موقفه وسيتمسك بما أعلنته حتى لو اضطر إلي المزيد من العنف..

علي الجانب الآخر يتنبأ البعض بأن حركة الجماهير التي لم تتوقف ( حتى كتابة هذه السطور ) ستخمد قليلا ثم تبدأ من جديد..

لكن علينا ان نوضح أن هذه الحركة ليست تطبيقاً نموذجياً للوقائع التي قادت لإشعال الثورة الإسلامية ذاتها عام 1979.. صحيح أن طهران ذاك العام شهدت مليون متظاهر يهتفون باسم الإمام الخميني، وصحيح أن نفس الشوارع شهدت بالأمس القريب تظاهرة مليونية أيضا، لكن شتان بين التاريخين:

اليوم يفتقد المجتمع الإيراني للتحالف الذي ضم ndash; في السابق - الإسلاميين والماركسيين
ويفتقد للشخصية القيادية الكاريزمية ( الإمام الخميني )
ويفتقد للموقف المحايد الذي اتخذته القوات المسلحة
ويعاني من انقسام حاد فيما بين معسكر الإصلاحيين
وانقسام مماثل بين شرائح المرأة والشباب اللتين صنعتا علي عين النظام
التشابه إذن في الشكل وليس في المضمون، خاصة وان نظام الجمهورية الإسلامية المؤسساتي غير التقليدي تتداخل فيه السلطات الثلاث بحيث يكون لها من ناحية حق التدخل المباشر ضمن آليات صنع القرار وصياغته في شكله النهائي، وبحيث يصبح من الصعب اختراقه أو تبديله من ناحية ثانية..

قلة من الخبراء يتوقعون أن تؤدي السجالات الحالية إلي تغيير في رؤية quot; الثورة الإيرانية quot; لمفهوم quot; الدولة في إيران quot; خاصة بعد تزايد عدد المطالبين بالإصلاح والتغيير من أمثال رفسنجاني.. قادة الجمهورية الإيرانية الإسلامية وفق تصورات هذا الفريق من الخبراء يدركون أن الأمر يحتاج لمزيد من الانفتاح الإصلاحي علي المستويين السياسي والاقتصادي، ولا بد في رأيهم أن يبادر النظام quot; الثوري quot; إلي البدء في تنفيذ هذا التوجه حتى يقطع الطريق علي قوي أخري داخل المجتمع أن تقوم به نيابة عنه!!..

علي الجانب الآخر هناك من يساوي بين رفض بعض المرجعيات الدينية في مدينة قم quot; الالتزام quot; برأي المرشد الأعلى لأول مرة، وبين قدرة الإصلاحيين علي التعبير لفترة قادمة عن مطالبهم الجماهيرية.. لكن المساواة هنا ليست في محلها لأن رفض بعض المرجعيات لا يعبر عن خروج عن لائحة البيت الواحد، كما أن مدي نجاح الإصلاحيين في توقيف حركة الشارع الإيراني لصالح توجهاتهم محكوم بقدرة الحرس الثوري علي تنفيذ تهديده..

علينا أن نعترف أن المجتمع الإيراني الذي عاش الثلاثون عاماً الأخيرة من عمره في حضن الثورة يعاني من عدة عقد اجتماعية وسياسية تجعله هو أيضا منقسم بين:

أهمية الإبقاء علي الثورة بشكلها الشمولي كإطار يعبر عنها وعن مركزيتها وأيديولوجيتها ضمن محيط وبيئة إقليمية لا يمكن الاستغناء عنها..
وبين حتمية التحول إلي نظام الدولة القائم علي علاقات بين قوي شعبية تعبر في مجملها عن مصلحة عليا، عليها أن تبدأ بالاهتمام بالداخل أولاً وقبل كل وأي شيء..

الدكتور حسن عبد ربه المصري
استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا
[email protected]