بعد أن أعلنها صراحة الولي الإيراني الفقيه السيد علي خامنئي بالرفض الواضح و الصريح للتشكيك برئاسة محمود أحمدي نجاد و تطوعه الكامل بإسباغ المباركة عليه و إعتباره رئيسا شرعيا إلهيا و مقدسا أيضا ! تكون الأحداث المستقبلية في إيران قد إتخذت إتجاهات أخرى و دخلت في نفق أزمة ستكون خانقة للجميع و ستفتح أبوابا واسعة لإحتمالات مستقبلية غير مريحة بالمرة لإيران ذاتها و حتى لدول الجوار الإقليمي ، فالمرشد الإيراني ألأعلى بعد أن صمت دهرا نطق كفرا!!
و قد إستبق قراره بحسم شرعية رئاسة نجاد القرار الشكلي لمجلس صيانة الدستور الذي وعد بإعادة النظر في فرز بعض الصناديق!! و هو وعد شفوي و معنوي لاقيمة له أبدا فقد حسمت كلمة المرشد كل الكلام و ألغت كل الوعود، و من الملاحظ أن السيد علي خامنئي و منذ أن نجحت مناورات الداهية هاشمي رفسنجاني بتجاوز العديد من العقبات و تنصيبه كمرشد و خليفة للقائد الإيراني الراحل السيد الخميني كان يلتزم الصمت في العديد من المواقف و الأزمات لكونه كان يشعر بأن ملأ الفراغ القيادي لشخصية قيادية و كاريزمية مثل الخميني ليست بالأمر اليسير و لا السهل ، و ليس سرا أن تنصيب الخامنئي كخليفة للخميني لم يكن لإعتبارات علمية و لا فقهية حوزوية محضة بل كانت لإعتبارات سياسية في تلك المرحلة التاريخية الحرجة ( 1989 )!
و كان الخامنئي و طيلة سنوات طويلة ماضية يعيش في حالة من عدم الثقة الكاملة بمقدرته القيادية و كان في وضعية قيادية مهتزة نظرا لجسامة المسؤولية في قيادة بلد محوري و مهم مثل إيران التي تهز هتافات شوارعها الوضع الإقليمي برمته ، إلا أن الخامنئي بعد خطاب يوم الجمعة التاسع عشر من حزيران / يونيو قد أظهر شخصية مختلفة بالمرة و طرح ولايته الفقهية أمام العالمين بشكل فاعل ، وحسم بصورة نهائية الجدل الطويل و المعقد حول قضية رئاسة نجاد التي قسمت الشارع الإيراني و أحدثت شرخا واضحا في بنية النظام القيادية و في وحدة صفوفه المعنوية ، حيث كانت الحملة الإنتخابية الرئاسية الأخيرة شرسة بشكل واضح و أساءت لرموز قيادية في تاريخ السياسة الإيرانية كالشيخ رفسنجاني الذي تبدو أسهمه اليوم رغم مديح الولي الفقيه له في هبوط واضح فما تعرض له من إهانة من طرف نجاد لا يجب أن يقل ثمنها عن إقصاء نجاد عن الساحة السياسية إلا أن ذلك لم يحدث بل على العكس تثبت وضعه بصورة حاسمة من لدن الولي الفقيه و أمتلك شرعية و حصانة مقدسة ستكون من أقوى أسلحته في ملف و معركة إدارة الصراع الداخلي الإيراني ، فرفسنجاني قد تم تحييده بالكامل و سوف يقصى تدريجيا عن منصب رئيس مصلحة تشخيص النظام ، كما سيفرض الولي الفقيه من الآن فصاعدا سطوته المطلقة بعد أن إنحاز للتيار المتشدد في الحرس الثوري و بقية المؤسسات القمعية التي هي الحصن الأخير للنظام الديني الذي وصل لطريق مسدود لا تنفع معه الإجراءات الترقيعية و لا أساليب المجاملة ، فقد أعلنها الخامنئي إستبدادية مقدسة لا تمتنع عن الذهاب لأبعد المديات في معاقبة مخالفيها ، لأن من يخالف الحكومة الإلهية يكون معارضا و محاربا لصاحب الزمان المهدي المنتظر الذي يكون الخامنئي وكيله في الأرض حتى يظهر!!
لقد تبينت في خطبة الولي الفقيه كل الخيوط البيضاء من السوداء ، فالكلمة بقدر ماكانت هجومية محضة ضد المخالفين بقدر ما كانت تتسم بالسذاجة المفرطة و لسوء التقدير و التفسير للعديد من ألأمور و الأمثلة و النظريات!! ، فهو تحدث بصيغة الآمر الناهي الذي وصل لدرجة المعصومية!! كما أنه دافع بإستماتة غريبة عن شرعية نجاد ، و هاجم السياسة الغربية ووصفها بالخبيثة رغم أن الولايات المتحدة بالذات في عهد أوباما لم توجه أي رسائل عدائية للنظام الإيراني و لم تتدخل في الأحداث أبدا إلا أن الولي الفقيه و في محاولة لإستعادة الشعبية و لركوب الموجة و خلط الأوراق شن عليها هجومه الإعلامي المعتاد ، و الطريف أن الولي الفقيه قد إعترف بوجود الفساد في أروقة الدولة الإيرانية و لكنه قلل من تأثيراته بصورة مأساوية ! بل و أورد مقارنات غير صحيحة و لا منطقية حينما تحدث عن الفساد في البرلمان البريطاني مثلا!!! رغم أنه حالة بسيطة و بأرقام متواضعة جدا لا تتجاوز مليونا من الجنيهات أنفقها النواب الإنجليز في السكن و التنقل و ليس في تهريب الأموال للخارج!! و هو فساد لا يقارن أبدا بالميزانية الإيرانية المنهوبة و لا بالمليارات ( المباركة ) التي تستنزف على الحلفاء و الأحباب في لبنان و الخليج و العراق و أماكن أخرى!! فالفساد البريطاني يبقى في النهاية قشة في بحر فساد دولة الولي الفقيه!! المقدسة ، فمؤسسة الحرس الثوري يد النظام القمعية الضاربة سجلت في السابق حالات لضياع مليارات من الدولارات لم يعرف مصيرها و لا من شفطها!! و مع ذلك كان الصمت سيد الموقف!!
و العجيب أن الخامنئي و هو يحاول إقناع الناس بأن الدول الغربية تقمع شعوبها أورد مثلا بائسا و غريبا متعلقا بطائفة ( الداودية ) التي أسماها و هي طائفة المجنون الأمريكي ( ديفيد كورش ) الذي جمع حوله الأتباع و أقام في معسكر خاص و بشر بقرب قيام النهاية ثم قام بحرق نفسه و أتباعه في إنتحار جماعي معروف و لم تحرقه الحكومة الأمريكية كما هو معلوم!! إلا أن الرواية التي وردت على لسان الولي الفقيه الجامع للشرائط مخالفة للحقيقة تماما و تفتقد لأدنى درجات المصداقية!!
و الغريب أن الولي الفقيه تنصل تماما من مسؤولية الدماء الإيرانية الشابة التي أريقت في شوارع المدن الإيرانية و لم يتحمل أبدا مسؤولية تلك الدماء العبيطة بل لم يشر إليها بشكل واضح !! و سمح لنفسه بإتهام ملايين المحتجين بكونهم جواسيس و عملاء للغرب الكافر و هو في تصريحاته العنترية تلك يذكرنا بتصريحات صدام حسين الذي كان يعتبر كل منتقد له عميل يستحق الإعدام حتى حول العراق لمزبلة و هو نفس الطريق المظلم الذي يقود الولي الفقيه إيران نحوه بكل حماسة و إندفاع!! ، و تزييف الحقائق كان واحدا من أكبر إبداعات الخطبة العصماء التي ألقاها الخامنئي ، و حيث يبدو أن الولي الفقيه منقطعا عن العالم و يستمد أخباره كسائر أقرانه من أهل الحوزة و الفقهاء من مصدر واحد فقط وهو راديو لندن / القسم الفارسي!! لأنه لا يعلم بأن العالم قد تغير ، و أننا نعيش في مطلع الألفية الثالثة و لسنا في عام 1978 حينما كان ( الكاسيت ) سيد الموقف!! ،
لقد ضيع الولي الفقيه المقدس السيد علي خامنئي اللبن في صيف طهران الملتهب ، وفتح الطريق بالكامل لتكريس دكتاتورية دينية مستبدة ومقدسة ستكون دموية مفرطة لأن التنازل كلمة لا وجود لها في قاموس العمائم المتشددة!!
بكل تأكيد لقد فتحت أبواب جهنم الإيرانية ، و بكل تأكيد أيضا فإن الشباب الإيراني سيستمر في إحتجاجاته و سنشهد سيناريوهات مستقبلية تحبس الأنفاس ، فإعلان قيام الدكتاتورية المقدسة يعني بالضرورة قيام مقاومة شعبية شبابية ضارية لها ، فعصر محاكم التفتيش قد ولى للأبد ، و من لا يستوعب التاريخ سيسحقه التاريخ ، و تلك الأيام نداولها بين الناس..
داود البصري
[email protected]
التعليقات