قدمت المقال بهذا العنوان قاصدا تسميتها بالمسألة الإيرانية لا أكثر لأنني لا أراها أزمة أبدا كما يروج لها الغرب بأكمله ومعه المقلدون لولايته من الإعلام العربي. هي ليست بأكثر من مسألة تستدعي تسليط ضوء ما عليها مخالف لكل الأضواء المسلطة والمستخفة بالعقول والقلوب معا.

إيران ثورة العام 1979 أي المحتفلة هذا العام بالذكرى الثلاثين لإحتلال السفارة الأميركية، وإيران الجمهورية الإسلامية وإيران الخميني والخامنئي المتحدية دوما والمحاصرة دوما والمنتصرة دوما والنووية أيضا لا يمكن أن تكون في أزمة.

وآمال العرب، وتشبثهم بالبيت الأبيض وما يروّج من أحلام لهم بخصوص المسألة الإيرانية، ليست أكثر من وهم لن يقود إلاّ إلى خيبات عربية جديدة وإغراق جديد متجدد في الأحلام والأوهام. وفي الجهة المقابلة نجد العمل والعمل وحده يسير في إيران نفسها بتتابع لا يحدّه حصار إقتصادي، ولا قرارات مجلس أمن، ولا تجميد أموال، ولا تحريك أطراف قومية فيها ومدها بالسلاح ودعمها بالمال.

إيران رغم كل شيء بقيت كما هي طيلة ثلاثين عاما من عمر الجمهورية الإسلامية. وquot;الشاه ماتquot; خارجها وعائلته وولاية عهده تبعثرت فوق رقعة شطرنج العالم، وفي إيران استبدلت اللعبة بأكملها بلعبة أخرى محظور على أي شاه دخولها. إيران كما هي؛ بحرب عراقية عليها وغزو أميركي للعراق بعدها.. وإيران كما هي بخميني وخامنئي.. وكما هي بمنصب رئيس وزراء ودونه.. وكما هي برئيس إصلاحي ورئيس محافظ.

إيران كما هي تحارب وتنتصر وتساوم وتفاوض وترفض المس بسيادتها والتدخل بشؤونها. تحلق بعيدا في التحدي وتفتتح المشاريع العلمية وبرامج التسليح والطاقة وصولا إلى النووي ولا تأبه بأي ضغوطات. إيران كما هي تعتقل طاقم زورق للبحرية البريطانية، وتسجن quot;جاسوسةquot; أميركية، وتدعم حركات شيعية وغير شيعية مسلحة في المنطقة وأفغانستان ولبنان وفلسطين منها على وجه الخصوص، وتؤكد مرة تلو المرة على لسان أحد مسؤوليها أنّ quot;البحرين أرض إيرانيةquot;، وتنتج فيلما عن السادات بعنوان quot;إعدام فرعونquot; تتباهى فيه بالحدث، وتجري المناورات العسكرية والسياسية، ولا تهتم بتصريحات عربية بالية في الخليج تتحدث عن خطرها السياسي، وفي الأردن عن هلالها الشيعي، وفي المغرب عن نشرها التشيع فيه.

إيران كما هي يا جماعة... إذاً ما الذي تغير الآن؟ أو ما الذي يدعونا للإعتقاد أنّ شيئا قد تغير؟

أعلم عن معظم التحليلات والإستطلاعات والتعليقات.. أقرأ حتى التخمة منها ولا أجد إلاّ كتّابا يستخفون بعقول البشر. بشر يستحقون ذلك على كل حال فهنالك مثال لبناني يقول: quot;مثل هذه الكنيسة يلزمها مثل هذا الخوريquot;. فبنظرة مختلفة، حتى عمن اعتبر أنّ المسألة الإيرانية لا شيء فيها رادا الأمر إلى أن كل المختلفين أبناء المدرسة الخمينية، أجد احتمالات قد تكون حقيقية ولو أنها مختلفة كليا عن كل ما طرح:

-الإحتمال الأول أن أحمدي نجاد ومير موسوي حليفان في عباءة الخامنئي يحركان الشارع ليكشفا الأمور قبل تفاقمها، ويتخذ النظام بعدها الإجراءات اللازمة عبر التخلص من جهات معينة إعتقالا ومراقبة ورصدا إذا ما كان هنالك تيارات جديدة أو أفكار انضمت إلى المعارضات الكلاسيكية وباتت تشكل نوعا من التهديد.
-الإحتمال الثاني كذلك يفرض تهميش دور أحمدي نجاد وكل المرشحين أمامه ومنهم مير موسوي حيث يهدف إلى الإهتمام بجانب نفسي في الشعب الإيراني. يمكن القول انه يهدف إلى quot;تنفيسquot; هذا الشعب وتفريغ الطاقات المكبوتة فيه عبر تظاهرات إيرانية- إيرانية كما هو الحال في المباريات الشهيرة بين الأزرق والأحمر ناديي العاصمة في كرة القدم بيروزي والإستقلال.
-الإحتمال الثالث أنّ إيران تجس نبض الولايات المتحدة تجاه ساحتها الداخلية للتحرك على صعيد ما لاحقا، ولا أحد في هذا الإطار سوى الولايات المتحدة وحدها المستهدف، فلا بريطانيا تهتم بها إيران ولا الإتحاد الأوروبي بأكمله، وفي الوقت نفسه تحول اتجاه البوصلة عن الملف النووي إلى شؤون أخرى تختص بالديمقراطية وحقوق الإنسان وهي أمور يبدي الغرب لنا دوما هوسه فيها وإدمانه عليها.

لست أجزم بحقيقة تلك الإحتمالات، لكنني في الوقت نفسه أرفض ما يسوقه الإعلام العربي يوما بعد يوم، واعتبر أن توسيع الدائرة عن تلك التبعية وذلك الجمود المرهون للبيت الأبيض في الإعلام العربي ربما يكون مفيدا ولو للبعض فقط لا غير.

يبدو أن إيران ستبقى كما هي مجددا ومجددا..

عصام سحمراني
[email protected]