ماجرى في ايران من مظاهرات كبيرة ومن اتجاهين معاكسين بين مؤيد ومعارض لنتائج الانتخابات الرئاسية هيمن على الاعلام العربي بشكل يدعوا للدهشة والاستغراب، وانقسم العرب ايضا بين مؤيد لنجادي وداعما لموسوي وفئة اخرى quot; شامتهquot; بهذا الوضع الايراني الى حد تصور ان انقلاب جوهري سيحدث في تركيبة quot; جمهورية ايران الاسلامية quot; وحقيقة الامر كل هذه المواقف والتصورات تعطي صورة واضحة عن التخبط العربي الرسمي والشعبي على حد سواء.
لذلك مثلا اصطف كل كتاب وصحفي بعض البلاد العربية ليدينوا وينتقدوا اجراءات الحكومة الايرانية اتجاه المتظاهرين وفي نكته قمة بالهزل لايفوت هولاء ان ينتقدوا ايضا quot; الاليات الديمقراطية المتبعة في ايران quot;. ولو سمعنا وقرأنا هكذا اخبار ومقالات في الاعلام الغربي لامكن التفاعل معها والنظر اليها بعين من الجدية والمتابعة على اعتبار ان هذه المقالات تصدر من بيئة ديمقراطية لها تقاليدها وسماتها وتاريخها الذي يشار له بالاحترام والتقدير مع الاخذ بنظر الاعتبار ان بعض هذا الاعلام الغربي له ايضا مصالحة المعاكسة عن الواقع الايراني الحالي. لكن ان تسمع كل هذه الحملات المتعددة والبث التلفزيوني وهذا الكم الهائل من التحقيقات والمقالات الصحفية من البلدان العربية فمثل هكذا امر يدعو للتأمل المصحوب بالحسرة على واقع امة بدات تكذب على نفسها بشكل علني وصارخ. فنحن ومع كل الاسف الشديد الامة الوحيدة بين كل أمم الارض التي لاتعرف للديمقراطية طعم او نكهة باستثناء نموذج لبنان والذي حشره العرب انفسهم في ديمقراطية الطوائف و نموذج العراق والذي مازال ومنذ ستة اعوام يدفع دماء برئية كثمن لمقاومة العرب لهذا العملاق العراقي الديمقراطي القادم لامحال.
ان الذي جرى ويجري في طهران هو في واقع الامر محنة حقيقية للعرب وليس لغيرهم. واسباب هذه المحنة ان quot; العدو الصفوي quot; المصطنع للعرب خرج اكثر من 40 مليون من مواطنيه لانتخاب رئيس جمهوريتهم وهذا ماتفتقده الدول العربية والاهم ماجرى بعد الانتخابات ونزول المواطن الايراني للشارع للدفاع عن صوته بغض النظر اذا كان من فريق موسوي او من فريق نجاد فالاثنين كانوا حاضرين والسؤال المنطقي الى كل مواطن عربي من المغرب الى المشرق. اين صوتك انت؟ وماذا فعلت منذ عقود طويلة وحتى يومنا هذا؟ ولماذا عليك ان تتفرج على النموذج التركي والايراني المجاور لك لكنك تعيش بنفس الوقت وفي هذا الجانب بالذات في العصور الوسطى!!. لماذا حتى الاسرائيلي يتمتع بفرصة الانتخاب والاختيار بينما انت تحرم منه؟
الاجابة على مثل هكذا اسئلة قد تعطي تفسيرات تكون مصادر لتحفيز الفكر العربي الذي اصابه الخمول والصدأ و قد تكون هذه احد اهم اسرار الموقف السلبي والتحريضي للاعلام العربي بخصوص تفاصيل تجربة ايران الانتخابية. ناهيك عن البعد الطائفي الضيق والذي هيمن على العقل والسلوك العربي بشكل يدعو للاستغراب والدهشة. ان نظام الحكم في ايران اقوى بكثير من مثل هكذا تحركات او تحريضات كما ان موسوي ونجاد هما في واقع الامر طلاب نشيطين من ضمن حدود دائرة الثورة الاسلامية في ايران وهذا ينفي كل علامات الانقلاب الجذري الذي بشرنا به الاعلام العربي والذي تجاهل بشكل صارخ النتائج السلبية لهذا الانفلات ان تطور وسط طهران حيث سيكون له نتائج غاية في الخطورة على الوضع الاقليمي وهذه مثلما هي دائما قراءة عربية متخلفة وخاطئة. لقد تمادى بعض الكتاب العرب المعروفين ليبشرونا بنهاية حزب الله وجماعة الحوثي بل وحتى حماس السنية وكأن هذه الحركات والمنظمات نزلت من السماء وليس لها قواعدها السياسية والشعبية والاجتماعية في بلدانها. بل ان تمادي احدهم وصل مهللا بنهاية مااطلق عليه quot; حكم الشيعة في العراق!!quot; وكأن نسبة 70 % من اهل العراق الشيعة قد جاؤا من شقوق الارض وليس هم اهل العراق والوطن والوطنية. او كأن ارتباط اهل العراق الشيعة بايران وليس بوطنهم الذي يمثلون غالبيته المطلقة دون أدنى منافس. وفات على هولاء الطائفيين الجهال ان كل عمامة شيعية كريمة عاصمتها النجف الاشرف منبع العروبة والفكر والفقه والدين وليس غيرها.
ان اغلب دور الاعلام العربي هو دور خطير وعابث وهو دور يشكل عامل مساعد للانظمة الشمولية والديكتاتورية وهو نفسه الاعلام الذي حرض بل وخاض بدماء انباء العراق الكرام من خلال تجميل وتغطية اعمال الارهاب والارهابيين.
لقد لعب الاعلام العربي دورا خطيرا هذه الايام عندما تجاهل بقصد كبير وواضح الخطاب الخطير لرئيس وزراء اسرائيل نتنياهو والذي حرق ودمر كل المبادرات العربية للسلام واعلن بشكل صريح عدم احترامه للعرب و لمقدساتهم. فبدلا ان يبحث الاعلام العربي عن القدس التي اعلن نتنياهو انها عاصمة اسرائيل الابدية،. بدأ هذا الاعلام يقدم للمواطن العربي المسكين الكادح الأمي المغلوب على أمره وجبة صباحية اسمها موسوي واخرى مسائية اسمها نجاد. بل ان بعضهم كتب ونشر قصائد لمديح المظاهرات الايرانية!! ولم يكلف نفسه هذا الاعلام ان يطرح سؤال واحد من عدة كلمات. وماذا عن طبيعة انظمة الحكم في بلادنا العربية!؟ واين هو صوت المواطن العربي!؟ واين احتجاجات ومظاهرات المواطن العربي!؟
واين نموذج ندى الايرانية في الشارع العربي!؟ يبدو واضحا ان الاجابة على هذه الاسئلة هي المحنة الحقيقية للعرب وليس لغيرهم. ولكن هذه المرة محنة تؤشر و تلوح وتحفز المواطن العربي من وسط شوارع طهران.
محمد الوادي
[email protected]
التعليقات