في علم الرياضيات نجد أن النظريات العلمية التي تعالج مشاكل علمية معينة تتسارع في تطورها بطريقة دراماتيكية مذهلة حتى أنك لا تكاد تتعرف على آخر نظرية حديثة في موضوع بعينه حتى تجد أنها باتت قديمة، فقد ظهر ما هو أحدث منها.

والنظرية عادة ما تتكون من جزئيين أساسيين الأول يمثل المشكلة قيد الدراسة بكل معطياتها ومتغيراتها المتشابكة و مدى ارتباطها بالمكان والزمان،والجزء الثاني يتعلق بفك الاشتباك بين المعطيات المطروحة وتحليل النتائج وتقديم الحلول التي تعالج المشكلة.

ولأن الزمن في حالة تغير مستمر لا ينقطع لحيظة واحدة فيتغير بالتتابع المكان أي تتغير البيئة المادية (الغذاء، الصحة، الصناعة والتكنولوجيا..) كما تتغير البيئة غير المادية ( الأخلاق، العادات والتقاليد، والأيدلوجيات، الوعي الإنساني، الأفكار،...) الأمر الذي يحتم البحث عن نظريات جديدة تتفق مع المعطيات الجديدة وهكذا نجد أن نظرية تنسخ نظرية بشرط أن تلبي النظرية الأحدث المتطلبات والمعطيات الجديدة وتقدم الحلول المناسبة والأفضل. فإذا تغيرت المعطيات (given data) وظلت النظرية كما هي دون مراعاة للتغير الذي طرأ على المعطيات باتت نظرية خاطئة تقدم حلولاً خاطئة.

ففي حالة الخمينيةٌٌ ُوضعت معطيات النظرية ـ إبان حكم الشاه ـ تحت قيود الأيدلوجيات الأصولية فتحولت إلى معطيات غير صحيحة أدت في النهاية إلى حلول خاطئة وغير واقعية.

والمدقق في قراءة الأحداث الجارية الآن في إيران يجد أن الثورة الخومينية والتي تأست على مبادئ الأمام الخميني بدأت تنهار مثلها مثل الثورة البلشيفية والتي وضعت على أسس النظرية الشيوعية. إذ كانت المبادئ الظاهرية للنظريتين ترمي إلى السيطرة على المجتمع ومقدّراته لصالح أفراد المجتمع بالتساوي وكان القاسم المشترك بين النظريتين الخومينية والشيوعية هو quot;الشعبquot; بيد أن النظرية الخومينية اعتمدت على مصطلحquot;الشعب المؤمنquot; بينما النظرية الشيوعية اعتمدت على الشعب quot;غير المؤمنquot;.

وبالطبع فقد سقطت النظريتان إذ كان الحكم للفرد وليس الشعب، وكلنا يعلم كيف حكم لينين ومن بعده ستالين وكيف أن الخمينية تعتمد على quot;قدسية quot; الإمام quot; الفقيه quot; وسماوية أقواله الحق وأحكامه العادلة في كل مناحي الحياة وبغض النظر عن رضا الشعب أو عدمه وخير دليل على ذلك ما يحدث الآن.

فالمسألة الإيرانية ليست مشكلة خاسر أو ناجح في الانتخابات أو وجود تزوير من عدمه.. كلا فالمشكلة ليست في كل ذلك وإنما في سقوط النظرية الخومينية سقوطاً مدوياً ولعلك تشاهد الآن ما كنا نشاهده أيام سقوط الشيوعية عندما كان يتسابق الشعب في التخلص من بطاقات عضوية الحزب الشيوعي ورميها في الشوارع وحرقها. وكما كان هكذا يكون فنجد الآن في شوارع طهران أن الشعب وفي تحدي غير مسبوق يقاوم ولاية الفقيه ومعارضاً للقيم والمبادئ التي قامت عليها ومن أجلها الثورة الخومينية وفي المقابل تجد السلطة الخومينية تقمع الشعب وتقتله فخرجت بذلك النظرية الخمينية من التاريخ منهزمة كما خرجت الشيوعية لأنها لم تأخذ في الاعتبار التغيرات التي حدثت في الوعي الاجتماعي الشعبي الإيراني ورغبة الإنسان في القرن الحالي في أن يكون إنسان كوني حر وليس أسير نظم شمولية رجعية.

إن أية مبادئ ونظريات وحلول لا توفر للإنسان مناخ الحرية الشاملة (حرية الرأي والتعبير، والاعتقاد، والتفكير،..) والكرامة والديمقراطية.. فإنها حتماً سوف تسقط مهما طال الزمن ومهما انتشرت بين الناس لأنك لن تستطيع أن تقف ضد الطبيعية وقوتها الساحرة في جعل الناس يجتهدون في جعل الحياة أفضل.

ما أروع ما قال المهاتما (صاحب النفس العظيمة ) غاندي أن quot;الخطأ لا يصبح حقيقة بسبب تضاعف الانتشار، و لا تصبح الحقيقة خطأً لأن لا أحد يراها. الحقيقة تبقى كما هي.. فهي تعزز نفسهاquot; وأن quot; عظمة أي أمة وتقدمها الأخلاقي يمكن الحكم عليه بالطريقة التي تعامل بها حيواناتهم.

إميل شكرالله

* أستاذ الرياضيات بالجامعات المصرية
[email protected]