موقف غريب ومتناقض عبر عنه أحمدي نجاد، قبل عدة أيام، حينما وجه رسالة إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما يطالبه فيها بعدم التدخل في الشأن الإيراني الداخلي، وموقف أكثر غرابه من أجهزة الأمن الإيرانية التي أعلنت متزامنة مع تصريح وتحذير رئيسهم بأن الاستخبارات الأمريكية دفعت بحوالي مائة وخمسون مليون دولار للمتظاهرين، في الشارع الإيراني من أجل إعلان رفضهم لنتائج الانتخابات الرئاسية، التي نظمها وهندسها وخطط لها وأخرجها أصحاب الملالي والعمم السوداء والبيضاء في طهران، وجاءت النتيجة مفاجئة وغير متوقعة، أصابتهم بكثير من الارتباك والحيرة، ليبدو الشأن الإيراني واضحاً وصريحاً ضمن مرات معدودة حدثت على مر تاريخه الحديث، ويوجه رسالة معبراً فيها عن مدى حالة الغضب والاحتقان بين مواطنيه، ورفضهم الصريح لكثير من القرارات والخطوات التي تتخذها حكومته.


لقد حاول النظام في إيران أن يقدم صورة نموذجية لما عليه إيران اليوم، حاول أن يقف على أرضية غير موجودة بالأساس، ويصور للعالم الخارجي خاصة أمريكا وأوروبا، أن السياسة الإيرانية لاتسير في معزل عن رغبات الشارع الإيراني، أراد أن يقدم نموذج من الديمقراطية غير موجود في الأساس، فكانت النتيجة أن فضح الشارع النظام، وخرج عليه في مظاهرات ومواقف احتجاجية، راح ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى، ليرتد نجاد باحثاً عن مخرج عاجل وسريع وينطلق بلا تفكير نحوالادعاء القديم بأن وراء هذه الأحداث أياد خارجية، تحمل مسميات ووجوه مختلفة ومغايرة مرة أمريكية وأخرى أوروبية، ادعاء ساذج ينقل مدى الازدواجية في هذا النظام، الذي يرفض مجرد التعليق من كاتب أو محلل أو حتى جهة سياسية ما حول اضطرابات ناتجة عن غليان في الشارع يروح ضحيتها مدنيين أبرياء، في الوقت الذي يتبجح فيه ndash; ضمناً- نفس هذا النظام ليل نهار، بأن حل الأزمة العراقية في يديه، وبأنه نجح في أن يزرع في خاصرة المنطقة نظامان يمثلان عنصراً مهماً في إثارة الفتنة في الشارع العربي وقتما يشاؤن ووقتما يريدون، هما ورقة حزب الله في لبنان وحماس في الأراضي المحتلة، فهل التعليق على الأحداث الدامية في الشارع الإيراني في أي مكان بالعالم ومن أي جهة بالعالم يعد تدخلاً في السياسة الإيرانية الداخلية، ولا تعد تصريحاتهم بخصوص العراق ولبنان وفلسطين تدخلاً في الشأن الداخلي لدول ذات سيادة؟ ثم لماذا المسكنات التي تطلقها الآن بعض الأنظمة الأخرى بعضها بكل أسف خليجي، التي التفت بكل تغييب لعقولنا على كل التحذيرات الصادرة بشأن خطورة النظام الإيراني الحالي على المنطقة بأكملها وليس على بلد بعينه، وأخذت تبرر وتنظر وتدعم وتروج للسياسة الإيرانية وتظهرها على أنها سفينة نوح التي ستنقذنا من الغرق، والتي ستأخذ الفلسطينيين إلى بر الأمان، والتي ستعيد للتاريخ العربي بهاؤه وحضوره وأضواءه، والتي ستعيد للعراق ولبنان استقرارهما، ولا أعرف حتى اللحظه من الذي يتصور صدقية هذا الادعاء والزعم الغريب، ومن الذي يستطيع تخيل أن تأتي الحلول لكثير من القضايا العربية على صهوة الحصان الفارسي الذي يربت بين وقت آخر بعض الدول الشقيقة، على كتفه.


السؤال الآن هو إذا ما افترضنا جدلاً سقوط النظام الإيراني الحالي، وهو أمر بالنسبة لقاريء تاريخ طهران السياسي غير مستبعد، وممكن الحدوث في أي لحظة، فأين ستتجه إيران؟ هل ستتجه نحو الملالي مجدداً، وتختطف من جديد، للزعم بوجود عملاق ورقي، يخلق بؤر إضافية في المنطقة مليئة بالتوتر والإرهاب والقلق للضغط والحصول على مكاسب تؤيد مشروعاته غير المشروعة على الساحة الدولية؟ أم ستتجه إيران نحو إدارة حكيمة وواقعية تغير من أجندتها الدموية لإدارة أخرى أكثر سلام واستقرار؟ ثم ماهو موقف بعض الدول والأحزاب التي صنعتها طهران؟ وإلى أين ستأول هذه التركه؟ وهذا الإرث الكبير؟ وهل سيصيب تفككها أو خلق تحالفات جديدة الشارع العربي عموماً بشيء من عدم الاستقرار؟ ربما الأيام القليلة القادمة ستقودنا نحو الإجابة بكل وضوح وشفافية.


مساعد الخميس
[email protected]