بصراحة لن تكون مهمة الشيخ سعد الحريري سهلة في تشكيل حكومة وحدة وطنية في لبنان، كما أنها في الوقت نفسه لن تكون مستحيلة، فرغم اتفاق رؤساء الكتل النيابية على التعاون لمواجهة المخاطر المحيطة بلبنان، إلا أن اصرار المعارضة على الحصول على حق (الفيتو) يجعل من ولادة الحكومة الجديدة مشكلة مستعصية.

وطبقا للمشاورات الأولية التي اجراها الحريري فمن الواضح أن تقاسم المقاعد الوزارية بين الفرقاء اللبنانيين ليس العقبة الرئيسية أمام تشكيل الحكومة، وإنما quot;الثلث الضامنquot; الذي تريده المعارضة بهدف الاستحواذ على ثلث المقاعد الوزارية زائد واحد، ورغم التطمينات والضمانات التي قدمها سعد الحريري بخصوص سلاح المقاومة إلا أن حزب الله وحلفاءه تمسكوا بالثلث الضامن باعتباره الكفيل من وجهة نظرهم بحماية المقاومة وسلاحها.

وهكذا لم يعد هناك بديل لتجاوز هذه المعضلة إلا بالأخذ بالاقتراح الذي طرحه فريق من الأكثرية لتقوية دور رئيس الجمهورية في النظام اللبناني عن طريق منح مقاعد وزارية إضافية لحلفاء الرئيس ميشال سليمان ، بهدف استعادة الدور المسيحي الغائب في لبنان رغم ما قد يترتب على ذلك من تراجع لأدوار كل من الأكثرية والمعارضة.

او الأخذ بالاقتراح الذي قدمته المعارضة لضمان حصولها بشكل غير مباشر على الثلث الضامن، من خلال منحها عشرة مقاعد في الحكومة الجديدة (إذا كانت تضم ثلاثين مقعدا) على أن يتم القبول بتسميتها لصاحب المقعد الحادي عشر بحيث يتم اختياره ضمن حصة رئيس الجمهورية.

وعلى أية حال فإن تشكيل الحكومة الجديدة يتوقف على ما سوف يبديه الفرقاء اللبنانيون من مرونة، وما يمكن ان تسفر عنه الجهود الدبلوماسية المكثفة التي تبذلها حاليا الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالملف اللبناني، وفي مقدمتها السعودية وسوريا وفرنسا والولايات المتحدة بهدف التوصل إلى حلول وسط.

بالطبع كان يمكن للشيخ سعد الحريري أن يشكل حكومة من الأكثرية اعتمادا على تيار 14 آزار الذي حقق فوزا كاسحا في انتخابات 7 يونيو بحصوله على 71 مقعدا مقابل 57 مقعدا حصل عليها تيار 8 آزار، لكنه اختار الانفتاح والتعاون مع المعارضة بدليل تأييده لإعادة إنتخاب السيد نبيه بري رئيسا لمجلس النواب ولقائه بأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله للاتفاق على التهدئة.وفي المقابل

والمؤكد أن ما وصل إليه الوضع اللبناني خلال السنوات الأربعة الماضية ، هو الذي دفع الحريري لتبني خيار الحكومة الوطنية، التي تبدو بالفعل ضرورة ملحة لمواجهة الملفات السياسية الشائكة وعلى رأسها التهديدات الإسرائيلية والعلاقة مع سوريا والحكم النهائي في قضية اغتيال رفيق الحريري والفتنة بين السنة والشيعة وتحرير مزارع شبعا بالوسائل الدبلوماسية والقاء السلاح الفلسطيني خارج المخيمات والاستيعاب التدريجي للمقاومة في إطار الجيش اللبناني.

أضف إلى ذلك ما هو مطروح من تحديات اقتصادية هائلة في بلد يعيش أكثر من 25 % من سكانه في فقر نسبي و5% منهم في فقر مدقع بعد ان بلغ إجمالي الدين العام 43 مليار دولار وتجاوز العجز في الموازنة 10% من الناتج المحلي ووصل التضخم إلى 43 % في نهاية عام 2008.

لكن الحريري الحاصل على شهادة إدارة الأعمال من جامعة جورج تاون بواشنطن، والذي يدير مجموعة من اكبر شركات البناء والاتصالات والأعمال في الشرق الأوسط، لديه مؤهلات يمكن أن تساعده على النجاح في مهمته الجديدة، بدليل ما حققه على الصعيد السياسي عقب اغتيال والده رفيق الحريري عام 2005، حيث نجح في تشكيل تحالف 14 آزار الذي قاد ثورة الأرز وأخرج القوات السورية من لبنان وشكل المحكمة الدولية وحصل على الأكثرية البرلمانية في الانتخابات الأخيرة.

نجاح الشيخ سعد الحريري في مهمته الصعبة ضمان حقيقي لأمن وتقدم واستقرار لبنان!

عبد العزيز محمود