المشاهد الأخيرة للإحتفالات المسلحة بين طرفي رئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة بما يمثلان من رئاسة لحركة أمل الشيعية وتيار المستقبل السني في بيروت والضاحية، والتي وصلت إلى مستوى الإشتباك بين الطرفين، لم تشكل ارتدادا إلى السابع من أيار عام 2008 ولا يمكنها تحقيق ذلك.

الإرتداد أعمق بكثير من مجرد عام واحد حدثت فيه quot;الحرب الأهلية المصغرةquot; وطبخت بعدها الأزمات اللبنانية بقدرة قادر؛ فأسقطت حكومة، وشكلت أخرى، وأوصلت رئيسا للجمهورية، ونظمت انتخابات، وألفت مجلسا نيابيا جديدا برئيس متجدد، وأسقطت حكومة أخرى، ليتسلم بعدها رئيس جديد لها مهمة التكليف.

كان عاما انقلابيا بالكامل أرخى سلما سياسيا انعكس على الشارع تهدئة رغم الكميات الكبيرة من الأسلحة تتوزع في معظم بيوت اللبنانيين من كافة الأطراف. لكن 7 أيار وما بعده ليس نموذجا يحتذى في معمعة الحكم اللبنانية، ولو أنه يبقى مفيدا لبعض الأطراف في تذكيرها به في حالات معينة.

أما الإرتداد الحقيقي الذي يشهده لبنان اليوم فيبنى على أساس عدد من النقاط أهمها:
- تفرد حزب الله بعديده وعدته بالبنية التحتية الشيعية، وحركة أمل عبر نبيه بري برئاسة مجلس النواب.
- وصول الحريري إلى رئاسة الحكومة والقبول الشعبي الذي يلاقيه بالإضافة إلى دعم بري بالذات له.
- تواجد رئيس للجمهورية، رغم أنه من مدرسة الرئيس السابق العماد إميل لحود نفسها، إلا أنه يبدي تمايزا عنه في عدد كثير من السياسات والإستراتيجيات، وصولا إلى حد التباين الكامل.
-تمثيل مسيحي خجول (ولو ظاهريا) في السياسة العامة للبلاد وغير مؤثر في القرارات الكبرى، ورضوخ للمسيحيين -بإرادتهم- لهذا المستوى من التمثيل.
-بناء الجيش اللبناني والقوى الأمنية، وتمكينها من فرض الأمن والسلم الأهلي على امتداد الأراضي اللبنانية.
-الدور الأميركي الدائم وخاصة في مرحلة الإنتقال من رئيس جمهوري إلى رئيس ديمقرطي، والمحاور الإقليمية المستمرة سورياً وسعودياً وإيرانياً.
-التهديدات الصهيونية واحتلال جزء من الأراضي اللبنانية.

أما عن الإرتداد فهو يعود بنا إلى عام 1992 حيث حكمت البلاد quot;ترويكاquot; شهيرة تألفت من الهراوي- بري- الحريري (الأب) بإدارة أميركية، ومحاور سعودية إيرانية، وبإشراف دائم من سوريا، وغياب التمثيل المسيحي قسرا، والتغاضي عن حزب الله في مواجهته للصهاينة.

quot;ترويكاquot; أطلقت يد رفيق الحريري في تحويل البلاد إلى ورشة مشاريع كبرى أدت إلى ما أدت إليه من هدر وفساد ودين عام يقف للمواطن اللبناني كالمطاوع للصلاة. وquot;ترويكاquot; تعود حاملة معها هذه المرة ويلات جديدة على اللبنانيين الأكثر فقرا.. أولئك الذين لا يجدون هذه المرة حتى من يمثلهم بعد غياب الأحزاب اليسارية، والحزب الشيوعي اللبناني بالذات، عن الساحة حتى بأول أيارها، واختراق الأحزاب للنقابات والإتحادات العمالية وتجيير روزناماتها المطلبية إلى شؤون أخرى.

مرحلة جديدة- قديمة سيكون من علاماتها توجيه الشعب اللبناني نحو الإلتهاء بأمور أخرى لتنفيس كبته وزخمه الطائفي وطاقاته الصراعية فيها. وفي هذا الحال سيتم إعادة فتح ملاعب كرة القدم أمام الجماهير وتأجيج الصراع مجددا بين الفرق يتشاتمون ما شاءوا. وستعود quot;بهجةquot; الوقوف أمام السفارات الأجنبية أغزر مما كان في السنوات القليلة الماضية. وستظهر مجموعات تواجه رفضا من كافة أطياف المجتمع اللبناني بتأثير دائم من زعمائه وقادته وسياسييه، كعصابات السرقة والقتل والإغتصاب، وتجار المخدرات، وعملاء الصهاينة، وجواسيس بعض الدول الأخرى، وكذلك كالجماعات التكفيرية المسلحة.

المرحلة الآن مرحلة تخدير متجدد يتنفسه السياسيون ويفرغون الشعب من طاقته عبر توجيه محدد.. تخدير يأمل كل من يدمنه ألاّ يقلق حزب الله ساعات نشوته.


عصام سحمراني
[email protected]