في ظل أعقد وضع سياسي و عسكري و حتى مصيري يعيشه العراق وهو يتهيأ لدخول مرحلة جديدة من تاريخه بعد الإنسحاب العسكري الأمريكي من المدن العراقية و التمهيد للإنسحاب الكامل بنهاية عام 2011، إضافة للظروف الإنسانية الرهيبة التي يعيشها الشعب العراقي بمختلف طوائفه و ملله و نحله من جراء تصاعد الإرهاب الأعمى و الجبان الذي يستهدف المدنيين و الفقراء و المستضعفين، وفي الحين الذي تعيش فيه المنطقة بأسرها على إيقاعات واسعة و ضخمة من إحتمالات التغيير أو إعادة التكوين مع تطورات الوضع في إيران و صراعاتها الداخلية التي ستكون مدخلا مستقبليا لمرحلة إقليمية قادمة جديدة، نرى الأحزاب الكردية في العراق و خصوصا الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني ( جماعة برزاني )، و الإتحاد الوطني الكردستاني ( جماعة طالباني ) وهما خصوم و أعداء متنافرين حتى الثمالة، و لكنهم جمعوا قواهم ووحدوا صفوفهم للإجهاز على العراق الضعيف و محاولة إلتقاط و إنتهاز الفرصة التاريخية السانحة للإضرار به و بوحدته الجغرافية ووحدة ترابه و شعبه و الإستحواذ على ما يمكن الإستحواذ عليه من أراضي و حقوق يتصورونها و إمتيازات خيالية من خلال دستورهم الجديد الذي صوت عليه برلمانهم و أعدوه بليل بهيم و جعلوا من إقليمهم بلدا عملاقا تمتد حدوده حتى حافات البصرة الجنوبية!! و لا أدري ربما سيطالبون مثلما فعل صدام حسين بحقوق الأكراد في الكويت و لربما البحرين أيضا!! فمن يعلم كل الإحتمالات قائمة في ظل حالة التفرعن الواضح للأحزاب الكردية بميليشاتها المسلحة التي هي في الواقع عصابات مسلطة على رؤوس الشعب الكردي الشقيق، التصرف الميليشاوي الكردي بطريقة إنفرادية و المغالاة في المطالب إضافة للإبتزاز الذي يشهرونه بوجه كل مخالف لهم عبر وصفهم له بالشوفينية والعنصرية العربية هو حالة إبتزاز ينبغي أن تتوقف، كما أنها للأسف حالة شبيهة بالإبتزاز الصهيوني لكل مخالف للمشروع الصهيوني حينما يصفونه بالعدو للسامية!!! رغم أن العرب بأسرهم هم من ( الساميين )!!
و للأسف لم أشأ أن أورد تلك المقارنة المؤسفة و التي أرجو أن لا يساء فهمها!! و لكن هذا هو الواقع!! فالتمدد السياسي و المعنوي و المادي للأحزاب الكردية منذ الإحتلال الأمريكي في إبريل 2003 قد تجاوز كل الخطوط و الحدود و اصبح يفرض ثقله الكارثي على الواقع السياسي العراقي الذي شاءت الإرادة الأمريكية أن تتحكم به الأحزاب الطائفية التعبانة الإيرانية الأصل و التكوين من الجانب الشيعي أو الأحزاب الدينية الفاشلة و المنقرضة من الجانب السني و أن يقسم الشعب العراقي ليس على أساس وطني جامع مانع و موحد بل على أساس الإنتماءات الطائفية الضيقة التي أفرزت عراقا مهلهلا ضعيفا زاحفا على بطنه تتحكم فيه و في موارده و مقدراته عصابات و ميليشيات طائفية أو شوفينية قومية مزقت نسيجه الحيوي و أجهزت على كيانه الوطني و انتجت حكومات ضعيفة لم تبرع في شيء قدر براعتها في النهب و السلب و عدم الكفاءة و الفساد الكبير حتى تحول العراق لأكبر دولة فاشلة في التاريخ المعاصر، و لأول دولة في الفساد و الإفساد و لأكبر دولة مصدرة للاجئين الهاربين من جنة الديمقراطية ألأمريكية الطائفية التحاصصية التي حولت العراق لقطعة من الجحيم، فلا أمن و لا أمان و لا راحة و لا كهرباء و لا ماء نظيف و لا خدمات حضارية، بل ترك الحبل على الغارب في سفسطائيات برلمانية و في جدل بيزنطي بينما غرقت القطاعات ألكبر في الجماهير في عوالم الوهم و الخرافة وأضحت لا تملك سوى اللطم الشامل و الزحف على البطون و إنتظار قدوم أو ظهور المخلص و المنقذ المنتظر و الذي هو موجود و لكن لا تراه العيون التي حرفتها الخرافة و أقصد بذلك المهدي المنتظر تحديدا هو الوحدة الوطنية و غسل القلوب و ركل الطائفية المتخلفة العمياء و التصدي للشوفينيين الهادفين لتمزيق العراق خدمة لأطماعهم، الأحزاب الكردية كانت المستفيد ألأكبر من كل الدمار العراقي، فهي قد صادرت و هيمنت على الوزارات السيادية في الدولة و على الممثليات الدبلوماسية و على العديد من القطاعات الحيوية، فميزايتهم الخاصة تبلغ 17 % من الميزانية العراقية إضافة لما حصدوه من عوائد بسبب تعاقدهم بشكل غير قانوني مع الشركات النفطية الدولية اللصوصية كالشركات النرويجية وغيرها، وهم يهيمنون على مؤسسة الرئاسة ووزارة الخارجية و الموارد المائية ورئاسة أركان الجيش و السفارات العراقية في العالم! كما تمكنوا في حواسمهم التي أعقبت نهاية النظام السابق في الهيمنة على العديد من العقارات و البيوت في بغداد و المدن العراقية ألأخرى و أمور أخرى لا نرى داعيا لتعدادها و رصدها لأنها ستخرجنا عن الهدف، ورغم أن تلكم الأحزاب لم تترك وسيلة في الماضي القريب إلا و أنتهجتها في سبيل تحقيق مصالحها ولو كانت عبر التحالف مع نظام صدام حسين كما فعل جلال طالباني مرات عديدة في تحولاته التحالفية أو كما فعل مسعود بارزاني ذاته في 31 آب 1996 حينما طلب المعونة من قوات حرس صدام الجمهوري لتحسم له موضوع الصراع على أربيل و التي سلمها صدام حسين كهدية للبرزاني بعد أن إنتزعها من هيمنة عصابات طالباني!! و كيف رد بارزاني الجميل بتسليم عشسرات المعارضين العراقيين لنظام صدام و إعدامهم!!
هذه هي صفحات التاريخ القريبة للشوفينية الحقيقية و ليست المصطنعة! أو المفبركة في معامل الدعاية الصهيونية التي نعرف و تعرفون!!، القيادات الكردية التي هيمنت على شمال العراق من عام 1991 وحتى 2001 بسبب حماقات و غباء وتهور صدام حسين إنكشف اليوم وجهها الحقيقي رغم أنها في مرحلة ماقبل الإحتلال ألأمريكي كانت نشيطة للغاية في عقد الصفقات التجارية من تحت الطاولة وفوقها مع عدي صدام حسين.
ويعلم الجميع بأن السيد نيجرفان بارزاني حينما كان يقابل عدي كان يظهر له كل الإحترام و التبجيل!!
أما الشعب الكردي المظلوم فهنالك جرائم رهيبة تحدث بإسمه، وهنالك إبادة حقيقية لكل الشرفاء الأكراد الذين يرفعون أصواتهم ضد العصابات الحاكمة! أنظروا للتصرفات العنجهية لأبناء كبار المسؤولين و لحالبات الفساد الواسعة في كردستان العراق التي لا يجرؤ الإعلام العراقي المريض الراهن أبدا على تسليط الأضواء عليها، إن سجون كردستان تضم آلاف المناضلين الأحرار الأكراد و كذلك العرب لا بل أن كردستان قد تحولت في عرف الستراتيجية الأمريكية لمعتقل للمناوئين للسياسة ألأمريكية أيضا. ثم بعد ذلك نتساءل لماذا تتفرعن الأحزاب الكردية و تصدر دساتيرها المثيرة للسخرية و الغثيان في ظل حكومة الفشل الطائفي العراقية الكئيبة... فعندما يحكم حزب الدعوة و شركاه العراق، وعندما تظهر العصابات الكردية أسنانها و تبرز مخالبها في ظل الرعاية ألأمريكية المباشرة... فقولوا على العراق السلام....!
داود البصري
[email protected]
التعليقات