القسم الاول


المقدمة :
مع اقرار برلمان (اقليم كردستان!) ما سمي بـ (دستور الاقليم!) هبت موجة سياسية عاصفة، تداخلت فيها مستويات القراءة للدستور ما بين قراءة عابرة او قراءة مهتمة او قراءة مشفوعة بالتقاط (مساقط الدستور وسوءاته) من نصوصه، او ما خلف نصوصه، وتضاداته مع الشاخص الدستوري العراقي، وتبعاً لمستويات القراءة تلك حصلت ردود افعال، بعضها ذاتي وبعضها موضوعي، وبعضها الثالث احتراسي، لكن الاغلب الاعم لتلك القراءات انها كانت مجزوءة فأهتمت بالطافي من النص واهملت غاطسه، ولما نحن هنا نعتزم ان نضع قراءة شمولية (للنص ورواكسه) متتبعين منهج الفحص والاستدلال والمقارنة، حري بنا ان نتوقف قليلاً عند ماهية الدساتير في الدول وأقاليمها او ولاياتها.


تعارف دولياً على ان الدستور الاتحادي، في اية دولة اتحادية، هو الدستور الاعلى والاسمى، وان اي دستور لاي اقليم او ولاية ضمن تلك الدولة لا يسن الا على قواعد الدستور الاتحادي، ولو حدث ان نصاً في الدستور الاقليمي اجترح امراً يتقاطع مع روح الدستور الاتحادي او نصه، فلا يعتد بهذا الامر، وبذلك تكون الدساتير الاقاليمية ناتجاً طبيعياً ايجابياً للدساتير الاتحادية وليست ناتجاً عرضياً سالباً، ففي الولايات المتحدة الامريكية مثلاً نصت المادة السادسة من دستورها الصادر عام 1787 على ان (دستور الولايات المتحدة وقوانينها التي ستصدر في ما بعد طبقاً له ستكون القانون الاعلى في البلاد، ويكون القضاة في كل ولاية ملزمين بها ولا تقوم قائمة لما يرد في دستور اية ولاية من الولايات او في اي قانون من قوانينها مناقضاً له).


ووفقاً لما اجمع عليه فقهاء القانون فأن اي دستور خاص بأي اقليم يجب ان يكون مقيداً بروح واحكام الدستور الاتحادي وفلسفته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبمقتضى هذا التقييد فان اي تعديل على النص الدستوري الاتحادي يستتبعه الزام قيام السلطات التشريعية او التاسيسية في الاقاليم بأجراء تعديلات تتناغم وتتوافق مع جوهر التعديلات ونصها.
ومن هذا، وتأسيساً على القواعد الدستورية العراقية النافذة، فأن المخاوف التي عبرت عنها بعض الاطراف الشعبية والسياسية وان توفرت على وجاهة موضوعية ووطنية، الا ان تكريسها في تداول الموضوع ومعالجته لا تبدو منطقية ازاء حقيقة ان ما اقره البرلمان (الكردي!) ليست له اية قابلية للسريان والنفاذ لتقاطعه المبرم مع الدستور العراقي، بل واجتراحه مخالفات وخروقات لا يمكن للمشرع العراقي الذي سن الدستور الاتحادي قبولها او تجويزها او تمريرها.


هذا جانب من صورة المشهد، وفي الجانب الاخر تبدو قراءة الدستور (الكردي!) والتعاطي معه بمعزل عن الوقائع الموضوعية السابقة والمحايثة له، قراءة منقوصة، تحتم الضرورة اتمامها بالحقائق التالية:


اولاً: ان اقرار هذا الدستور جاء عقب الاختلالات البنيوية الحادة في قيادات الحزبين الكرديين الحاكمين، والانشقاقات الخطيرة التي اعترتهما، وكان على رأس بعضها شخوص يعدون حسب المنطق الاعلامي والسياسي الرسمي الكردي الى وقت قريب من (القيادات التاريخية)، الامر الذي يعني حصول ارتجاجات في البنى التنظيمية قد تفضي مع قليل من الوقت الى اهتزاز مواقع (الزعامات الرأسية) للحزبين الحاكمين.


ثانياً: تزايد التململ الشعبي الكردي من سياسات الحزبين الحاكمين واستئثارهما بالسلطات، وتهميش الكرد غير الحزبيين او الكرد المتقاطعين مع الحزبين منهجاً وفكراً واهدافاً، واقتران هذا التململ بتزايد نقمة الشعب الكردي على السياسات الاقطاعية المتبعة في الزراعة والصناعة على وجه الحصر.


ثالثاً: سقوط مشاريع التمدد الجغرافي الاستحواذي التي اتبعها الحزبان الحاكمان بقصد التأثير على القرار السياسي العراقي ووصول النقمة على هذا السلوك عند الطبقات السياسية العراقية الحاكمة او المشاركة في الحكم، وعند الاطياف السياسية خارج الحكم (معارضة او موالاة)، وعند الشعب العراقي عموماً، الى مستوى بليغ عبرت عنه انعطافة 22 تموز المعروفة، وما تبعتها من نهوضات شعبية وسياسية طالبت بالحد من تمادي الحزبين الكرديين الحاكمين وغلوهما الشوفيني العنصري وتطلعاتهما الانفصالية غير الوطنية.
رابعاً: اقتراب الانتخابات البرلمانية في المحافظات الشمالية الثلاث واستشعار الحزبين الحاكمين اهمية تشديد قبضتهما، وكبح جماح التململات السياسية والشعبية، لفترة ما بعد الانتخابات، الامر الذي يشعر المراقب ان نتائج هذه الانتخابات معدة سلفاً ومفصلة على قياسات الحزبين الحاكمين وتطلعاتهما واهدافهما المشتركة او الفردية.

ملامح بدئية عامة لـ (دستور الاقليم!)

طفح دستور (الاقاليم!) بملامح عامة تبدو في مجملها مقدمة لسمات مرحلة وعورة سياسية مقبلة في المشهد السياسي العراقي اللاحق.
ولعل ابرز هذه الملامح هي:
1.تعامل الدستور مع الحكومة العراقية المركزية او الاتحادية كما لو انها قرينة موضوعية ودستورية لحكومة (الاقليم!) وليست الحكومة الحاكمة لكل العراق ومن ضمنه (الاقليم الكردي!)
2.الحضور الطاغي لنبرة الشعور بالفوقية والتعامل الشوفيني ذي النعرة الانفصالية في العديد من مواد الدستور.
3.تركيز عناصر ذات ابعاد انفصالية بعدية في بعض فقرات ومواد الدستور وبتحديد تناغم (رسمياً) مع بعض الدعوات الانفصالية التي كانت تفسر في حينها على انها ردود افعال على افعال غامطة لحقوق الاكراد او لتطلعاتهم مرة او على انها سقوف عالية لتجاذبات سياسية هدفها الحفاظ على (المطلوب الكردي!) وهو في مرتبة ادنى من تلك السقوف.
4.عجالة واضحة مشوبة بانفعال سياسي غير راكز ذي مسوح شوفينية، طبعت كتابة الدستور واقراره، ولاهداف سياسية.
5.تكريس نزعة التمدد الجغرافي على حساب الحاضنات القومية الاخرى بغايات اغماط حقوق القوميات الاخرى او استخدامها كمؤثثات لتنوع قومي مزعوم على (ارض كردية!) او اعتبارها مصدات استباقية في حال انهيار العلاقة (المتساكنة الملتبسة المحترسة) بين المركز و (الاقليم).
6.انعدام مبدأ التوافق والتحاصص في دستور الاقليم خلافاً لما يركز عليه ساسة الحزبين الكرديين في الحكومة المركزية ويرفضون استبداله رغم سوءاته ومضاره، مما يعني كيلهم بمكيالين وبروز الازدواجية في تعاطياتهم السياسية.
7.ضمور حقوق المكونات القومية غير الكردية في دستور (الاقليم!) مقابل حقوق كبيرة للاكراد في الدستور الاتحادي.
8.اخراج مدن عديدة من الخارطة (الاقليمية!) مثل تلعفر وبدرة وجصان التي كنت حاضرة في مسودة الدستور الاول، بغاية ملافاة اية زيادة عددية للمكونات القومية غير الكردية في هذه المناطق على العدد الكردي مما يعني مع التقادم الزمني حصول اشكالية ضعف وضوح الاغلبية العددية في الاقليم للاكراد.

(الدستور الاقليمي واللعب على تناقضات الدستور الاتحادي)

بعد ان تسبب الدستور العراقي الاتحادي نتيجة نصوصه الملتبسة ومتعددة التأويلات والتفسيرات في العديد من الاختناقات والازمات السياسية، يضيف الى سجله ازمة اخطر بصدور دستور (الاقليم!) الذي افاد مشرعوه من نصوصه المفخخة كثيراً ولعبوا على حبال تعدد مؤدياتها اللغوية والبلاغية والقانونية والتأويلية والدلالية ليمرروا نصاً دستورياً لدولة قيد الاعلان بدل ان يكون نصاً دستورياً لاقليم ضمن دولة قائمة ودستورية.


لقد نصت المادة (3/ اولاً) من دستور (الاقليم!) على ان (لدستور اقليم كوردستان وقوانينه السيادة والسمو على جميع القوانين التي تصدر من الحكومة العراقية خارج الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية..) ونصت المادة (3/ ثانياً) على ان (لا ينتقص من سيادة وسمو دستور اقليم كوردستان وقوانينه ولا يحد من صلاحيات سلطات الاقليم الواردة في المادة (115) والفقرة (ثانياً) من المادة(121) من الدستور الاتحادي تناول القانون الاتحادي اموراً ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية الواردة في المادة (110) من الدستور الاتحادي واخرى خارجة عنه) ونصت المادة (4) من دستور (الاقليم!) على ان (لبرلمان كردستان ndash; العراق انفاذ اي قانون اتحادي في الاقليم خارج عن الاختصاص الحصري للسلطات الاتحادية المنصوص عليها في المادة (110) من دستور جمهورية العراق الاتحادية) وكما نصت المادة (120/ اولاً) على ان دستور الاقليم لايعدل إلا وفقا للأجراءات الواردة في هذه المواد على ان لايمس هذا التعديل سلامة النظام السياسي البرلماني الجمهوري الديمقراطي لكردستان ndash; العراق وسلامة اراضيه وان برلمان الاقليم له حق الموافقة وفق المادة (53/ ثالثاً) على التعديلات الدستورية ويشمل ذلك تعديلها إلغاءها في جميع الامور باستثناء المسائل التي تقع كلياُ ضمن الاختصاصات التشريعية الحصرية للسلطات الاتحادية وفق المادة (110) من الدستور الاتحادي.


وقد تبدو هذه المواد متطابقة الى درجة ما مع المواد الدستورية الاتحادية (115) و (121/ ثانياً)، لكنها تتناقض جملة وتفصيلاً مع مواد دستورية اتحادية اخرى مثل المادة (13/ اولاً و ثانباً) التي نصت على اعتبار الدستور الاتحادي هو القانون الاسمى والاعلى في العراق وبالزاميته لكل السلطات الاقليمية والمحافظاتية في جميع العراق دون استثناء وعدم جواز سن اي قانون يتعارض مع الدستور الاتحادي ويعد باطلاً كل نص خلاف روحه ونصه)، والمادة (120) من الدستور العراقي الناصة على جواز قيام الاقليم بوضع دستور له شريطة ان لا يتعارض مع الدستور الاتحادي، والمادة (5) التي نصت على ان (السيادة للقانون والشعب مصدر السلطات وشرعيتها) ومعلوم ان المراد بالشعب هنا جميع الشعب العراقي وليس جزءاً منه حيث الارجحية لارادة الكل (الشعب العراقي) على ارادة الجزء (شعب الاقليم) اذا ما تعارضت الارادتان.
واذا امعنا النظر في المادة (93) من الدستور الاتحادي الناصة على اختصاص المحكمة الاتحادية العليا بالرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة، نجد ان مشرعي دستور (الاقليم!) قد ارتكبوا خرقاً واضحاً وكبيراً للدستور الاتحادي عندما صوتوا عليه قبل خضوعه لتقويم ورقابة المحكمة الاتحادية، مما يعني عدم دستورية وقانونية التصويت عليه واقراره.


وهكذا نجد ان الثغرات الكبرى التي حفل بها الدستور الاتحادي وفرت ارضاً وغطاء لتمرير هكذا نص دستوري انفصالي في اهدافه وغاياته، رغم محاولات التمويه والتضليل التي اعتمدها المشرعون للايهام بأنه نص لدستور اقليمي وليس نصاً دستورياً لدولة قيد الاعلان ويتجسد هذا بشكل واضح وجلي، بل ويهيىء قاعدة موضوعية لتمرد انفصالي متوقع، في المادة (8) من دستور (الاقليم!) التي نصت فقرتها (اولاً) على عدم نفاذ المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تبرمها الحكومة الاتحادية مع اية دولة او طرف اجنبي تمس وضعية او حقوق اقليم كوردستان اذا لم تقترن بموافقة الاغلبية المطلقة لبرلمان (كردستان)، ونصت فقرتها (ثانياً) على عدم نفاذ المعاهدات والاتفاقيات التي تبرمها الحكومة الاتحادية مع الدول الاجنبية بحق اقليم كردستان اذا تناولت اموراً خارجة عن الاختصاص الحصري للحكومة الاتحادية، وجوزت نفاذ نفاذها بحصولها على الاغلبية المطلقة لبرلمان كردستان، ونصت فقرتها (ثالثاً) على حق اقليم كردستان في عقد اتفاقيات مع دول اجنبية او اقاليم داخل دول اجنبية بشان المسائل التي لا تدخل ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، وتتماهى فقرتها (رابعاً) من الفقرات السابقة.


والواضح الذي لا يقبل الدحض ان الغاءً عمدياً قد مارسه مشرعو دستور (الاقليم!) للسلطات الحكومية الاتحادية بل وغيبوها تماماً عن ممارسة تلك السلطات على ارض (الاقليم!)، فقد غيبوا الشخصية الدولية للسلطات الاتحادية واسبغوها على سلطات الاقليم، وثلموا الاختصاص الحصري للحكومة الاتحادية في استئثارها الدستوري بالسيادة الخارجية والاتصال والعلاقات الدولية.


ان من المتعارف عليه في جميع الانظمة الاتحادية في العالم المعاصر ان الوحدات التأسيسية للدول الاتحادية (الاقاليم او الولايات او الامارات او المحافظات) لا تحمل ولا تتمتع بأية شخصية دولية لانها ليست دولاً ذات سيادة بالمعنى المنصوص عليه في القانون الدولي حيث السيادة واحدة ومطلقة لاتجوز تجزئتها.


ولذلك نجد ان ايغال مشرعي دستور (الاقليم!) في اسقاط صفة الدولة على سلطات الاقليم، اضافة الى كونه مخالفة وخرقاً واضحاً للدستور العراقي الاتحادي، فأنه يعد سابقة في العرف الدولي الذي يؤكد على ان الاتفاقيات تعقد بين الحكومات ذات الاهلية الدولية التي تجعلها ملزمة بتأدية ما لها وما عليها في الاتفاقيات، وعدم جواز ابرامها وفق الكيفية التي اجترحها دستور (الاقليم!)، وهي الكيفية التي حاول مشروع لجنة القانون الدولي لقانون المعاهدات الفقرة الثانية من مادته الخامسة تجويز تمتع الدول الاعضاء في الاتحاد الفيدرالي باهلية عقد المعاهدات الدولية اذا ما تضمن الدستور الفيدرالي نصاً على ذلك وفي الحدود المبينة فيه، لكنه تراجع عن ذلك وحذف هذا النص نهائياً من معاهدة فيينا بغية تفادي التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

الدستور الاقليمي والنزعة العنصرية الانفصالية:

لقد انطوى دستور (الاقليم!) على ابعاد غاية في الخطورة تمثلت في توكيد نزعتي العنصرية والانفصالية للاكراد على حساب المكونات الاخرى التي نص الدستور على وجودها في الاقليم وكونها جزءاً مما اسماه بـ (شعب الاقليم!)، وهنا نحاول الاحاطة ببعض تلك الانطواءات العنصرية والانفصالية:

اولاً: اختزلت ديباجة الدستور ما سمي بالمظالم التاريخية بالاخوة الاكراد واغفلت اية مظالم اخرى عانتها المكونات المتعايشة مع الاكراد على (ارض الاقليم!) ومع انه لم يحدد (بالتنصيص) ذلك الا ان ذكر (حلبجة والانفال وباليسان وكرميان وبهدينان والبارازانيين) وهي عنوانات لـ (مظالم كردية!) واغفال ذكر اي عنوان آخر يشير الى احدى مظالم المكونات الاخرى، كان دالة عميقة على انحياز الدستور لواضعيه (الاكراد)واهمال سواهم، وتعزز هذا حينما اشادت ديباجة الدستور بدور رموز وقادة اكراد فقط وقالت بالحرف الواحد (وتقديراً منا لقادة ورموز الحركة التحررية لكردستان ومناضليها البيشمركة وشهدائها الابرار وتضحياتهم ) واعرضت عن ذكر رموز وقادة وشهداء المكونات الاخرى.

ثانياً: نصت المادة (11/ اولاً) على ان (لأقليم كردستان ndash; العراق علم خاص يرفع الى جانب العلم الاتحادي وله شعار ونشيد وطني وعيده القومي نوروز وينظم ذلك بقانون). ومن فحص دلالات بعض مفردات هذه الفقرات نكتشف نعراتها العنصرية والانفصالية فمفردة (وطن) تعزز فرضية النزعة الانفصالية للاقليم وتكسبها صفة الحقيقة وتسم الدستور بسمة المقدمة الموضوعية والقانونية الممهدة لاقامة كيان مستقل.


وكذلك لا يعدو تعبير (القومي) الا ان يكون عنصري النزعة يكرسه وضع كل شيء في الدستور لصالح القومية الكردية دون سواها، واصرار المشرع على توكيد وجود شعار وعلم ونشيد.
واذا اضفنا دلالة اختيار (نوروز) عيداً (قومياً!) لما سماه الدستور بـ (شعب الاقليم!) نجد الايغال في اهمال رموز ووجود المكونات الاخرى قد بلغ ذروته، من جهة، وتقاطع مع الدستور الاتحادي الذي عالج في مادته (12) وضع النشيد الوطني والمناسيات الدينية والوطنية

ثالثاً: في معالجتها لمكونات (علم الاقليم!) نصت المادة (11/ ثانياً) من الدستور الاقليمي على ان (يتكون العلم من اللون الاحمر فالابيض فالاخضر وتتوسطه شمس بلون اصفر ينبعث منها واحد وعشرون شعاعاً) واذا اغفلنا الدلالات اللونية فأننا نجد في (الواحد والعشرين شعاعاً) مدلولاً رمزياً كردياً محضاً يسقط مزاعم تمثيل الدستور لجميع مكونات شعب الاقليم (!) في هاوية الكذب والتدليس والتضليل العمد.

رابعاً: في سابقة لا يحسد عليها مشرعو (دستور الاقليم!) اشترطت المادة (19/ ثامن عشر/ اولاً) احترام علم كردستان ونشيده الوطني قاعدة دستورية لتأسيس الاحزاب، وهذه ايماءة واضحة الى ان المشرعين يقرون بوجود رفض شعبي يخشون خروجه عن طوق التبكيت، ولذا عمدوا الى قمعه منذ البدء دستورياً، ولعل هذه من المفارقات التي انطوى عليها الدستور واسقطته في فخ تناقض مواده مع بعضها، فالاشتراط ذلك ينسف كفالة حرية تأسيس الاحزاب من جهة، ويضع عقبات ويملي اشتراطات عقيمة حتى قبيل ان يشرع قانون الاحزاب الاتحادي.


فالى ماذا يرمي المشرعون بهذا الاشتراط الغريب الذي يتناقض مع حرية الرأي وحقوق الانسان وابسط مفاهيم الديمقراطية بوصفها الليبرالي؟

خامساً: بنظرة عنصرية شوفينية يصح معها وصف (خصخصة الضحايا بقومية واحدة هي القومية الكردية) وبشكل متناف مع المادة الخامسة من الدستور الاقليمي، نصت المادة (23/ اولاً) منه على كفالة حكومة الاقليم رعاية عوائل شهداء الحركة التحررية لشعب كردستان والبيشمركة وعوائل ضحايا الانفال والقصف الكيمياوي والمصابين بالعاهات المستديمة جراءها، وواضح من منطوقها ان حصر الضحايا بالاكراد مناف للوقائع والاحداث، وموضوعية وحقيقية التشريع، ومصاب بلوثة انزياح عنصري شوفيني جوهري لن تضلل الاهتداء اليه معزوفات التعايش والتماثل والمساواة المشروخة في متون هذا الدستور التي كتبت لذر الرماد في العيون ليس الا.

سادسا: في محددات صلاحيات رئيس الاقليم نصت المادة (65 سابعا) على ان من مسؤولياته (اصدار مراسيم لها قوة القانون بعد التشاور والاتفاق مع رئيس البرلمان ورئيس مجلس الوزراء اذا تعرض الاقليم ونظامه السياسي او الامن فيه او مؤسساته الدستورية لخطر داهم يهدد كيانه) واضافت له المادة (65 ثامنا) مسؤولية( اعلان حالة الطوارئ في حالات الحرب او الاحتلال او العصيان او الفوضى او الكوارث الطبيعية او انتشار الاوبئة).


ومن التمعن في مدلولات هاتين الفقرتين لا نجد عناء في ان هذا الدستور قد منح رئيس الاقليم قدرا كبيرا من الحرية لممارسة أسوأ انواع الديكتاتورية فالمفردات مفتوحة الدلالات ومتعددة التأويلات وقابلة للتطبيق على اية حالة مثل (العصيان) و(الفوضى) و(تهديد النظام السياسي) وغير قابلة للحصر اللغوي والدلالي الذي يوفر حصرا قانونيا واجرائيا الامر الذي يتيح استخدامها ضد اعتصام طلبة في جامعات على قدر متساو مع عصيان مسلح، كما يتيح استخدامها ضد تظاهرة سلمية صغيرة عزلاء على قدر متساو مع تظاهرة كبيرة مسلحة وكذلك يتيح استخدامها ضد اي شخص ذي فكر او قضية او رسالة يتجمع حوله مواطنون بتهمة التحريض على الفوضى او العصيان او تهديد النظام السياسي.


هذا هو جوهر هاتين الفقرتين في اشتغالاتهما داخل الاقليم، اما خارجه فأنهما ترميان الى اطلاق يد رئيس الاقليم في مواجهة الحكومة العراقية المركزية وفقاً لتحسبات المشرعين الاكراد من احتمالات تدهور العلاقة الملتبسة مع بغداد، ونزوعهم الدائم الى تفجيرها او ايصالها الى مرحلة القطيعة الممهدة لاعلان انفصال كيانهم.


واضافة لذلك فأن اطلاق هذه الصلاحيات لرئيس الاقليم يخرق نصوص الدستور العراقي الاتحادي التي ضمنت حماية امن الاقليم ونظامه السياسي وامنه من ايما خطر دائم بكفالة ومسؤولية الحكومة الاتحادية، وحصرت اعلان حالة الطوارئ بمجلس النواب العراقي وفقاً للمادة (61/تاسعاً) من الدستور الاتحادي.

سابعاً: في اليمين الدستوري التي اقر (دستور الاقليم!) واجب تأديتها على كل من رئيس واعضاء البرلمان ورئيس ونائب رئيس ووزراء الاقليم، نجد تركيزاً على مفاهيم (وحدة شعب وارض كردستان) و (احترام دستور الاقليم) و (حماية مصالح شعب الاقليم) ولانجد ايما اشارة الى وحدة شعب وارض العراق واحترام دستوره الاتحادي وحماية شعبه الموحد، واذا تذكرنا انتفاضة الزعماء والساسة الاكراد على اليمين التي اداها ابراهيم الجعفري واعضاء حكومته لانها اغفلت عبارة (العراق الاتحادي الفدرالي) والازمة الكبيرة التي اثاروها آنذاك نكتشف اتجاهين: الاول يمثل ارادتهم في فرض خياراتهم على شعب العراق وحكومته، والثاني يمثل ارادتهم المضادة لخيارات شعب العراق وحكومته، وفي هذا نزعة عنصرية لا تقل خطورتها عن خطورة النزعات والعنصرية الشوفينية التي نادى اصحابها بتفوق ونقاء دمائهم على دماء سواهم من البشر.


لقد فضحت هذه المواد زيف تبجحات الزعماء والساسة الاكراد في احترامهم للدستور العراقي واحتكامهم لنصوصه بشكل اسقط في ايديهم اية محاولة مقبلة للاحتجاج به ازاء اي امر يحدث.

ثامناً: في خرق مكشوف للمادة (27/ اولاً) من الدستور العراقي الحالي الناصة على حرمة الاموال العامة، وواجب حمايتها على كل مواطن، نصت المادة (17/ ثانياً) من دستور الاقليم على ان الاراضي والممتلكات العامة في الاقليم هي ملك شعب كردستان العراق، وهذا تنصيص واضح المرامي والاهداف على وضع مهاد اقتصادي (مشرعن) لأنفصال مقرر سلفاً، فالثروات الطبيعية مثلاً في (الاقليم!) هي ملك لشعب العراق كله وليس (لشعب الاقليم!) فقط كما هو الحال مع الثروات الطبيعية في البصرة وميسان والموصل والانبار وغيرها، وكما هو الحال ايضاً مع اية ثروات وطنية اخرى.

تاسعاً: لعل من اغرب فقرات الدستور الاقليمي هي الفقرة (18/ خامساًً) من المادة (19) التي حظرت كل كيان او نهج يتبنى الفكر الفاشي اوالعنصري او الارهابي او التكفيري او التطهير العرقي او الطائفي او يحرض او يمهد او يمجد او يروج او يبرر له) حيث اذا امعنا النظر في نصوص هذا الدستور (الفاشية والعنصرية) وممارسات سلطات الاقليم في التطهير العرقي قبل وبعد الاحتلال، نجد ان اول المدانين بموجب تلك الفقرة هم مشرعو هذا الدستور والسلطات الحاكمة في الشمال، واذا اضفنا ان الزعماء الكرد الذين شاركوا في مؤتمري لندن وصلاح الدين قبيل وبعد الاحتلال قد كانوا ابرز المحرضين على تقسيم عرب العراق على اسس طائفية، نجد ان يد مواد دستورهم تطولهم بسبب التحريض على الطائفية والترويج لها وتبريرها.

عاشراً: حول اسطوانة حق تقرير المصير نصت المادة السابعة من الدستور الاقليمي على ان (لشعب كردستان - العراق الحق في تقرير مصيره بنفسه وقد اختار بارادته الحرة ان تكون كردستان العراق اقليماً اتحادياً ضمن العراق طالما التزم بالنظام الاتحادي..)


وفي هذه المادة نلاحظ مغالطتين مفضوحتين الاولى تاريخية والثانية دستورية، وفي الاولى مارس مشرعو هذا الدستور قلباً للحقائق التاريخية عندما زعموا اختيار برلمان كردستان ان تكون كردستان اقليمياً اتحادياً بشكل يوحي بأنها لم تكن جزءاً من العراق وشاء برلمانها جعلها جزءاً منه، واذا كانت هذه العبارة قد بررها البعض لاسباب عدة فأنها في وعائها اللغوي والابلاغي تحمل مداليل خطيرة خاصة وانها تأتي ضمن نص وثائقي مبرز له قوة تداولية واحجية قانونية فيما لو تم نفاذه، مستقبلاً، اما المغالطة الثانية فقد ورد اشتراط غريب من الجزء على الكل، فالجزء الكردي يشترط استمراره (اقليماً اتحادياً) في (الكل العراقي) اذا التزم هذا الكل بـ (اتحاديته وفيدراليته) واضافة الى المنحى الاخلاقي المتدني الذي عبر عنه هذا الاشتراط فأنه تمادى في استصغار واستضعاف (الكل العراقي) الذي لم يشترط في دستوره الاتحادي مثلاً (استمرار تمتع الاقليم بأقليميته اذا احترم وحدة العراق ارضاً وشعباً من زاخو الى الفاو).

حادي عشر: تمادى الدستور الاقليمي في تعامله الاستضعافي والاستصغاري مع الحكومة الاتحادية العراقية حينما نص في مادته (23/ ثانياً) على تحمل حكومة العراق الاتحادية مسؤوليتها الدستورية والقانونية والادبية تجاه ضحايا سياسات القمع للحكومات المركزية المتعاقبة من المذكورين في فقرة سابقة بما فيهم السجناء والمتضررون بتعويضهم.. وهذا التمادي يشير الى محاولة تكريس ما يلي:
1. اعتبار العراق كياناً مجاوراً آخر لكردستان والتعامل معه تعاملاً ندياً كما هو الحال في تعامل الكويت مع العراق.
2. ترتيب مسؤولية دستورية وقانونية وادبية على حكومة اتحادية عراقية لا علاقة لها من بعيد او قريب مع سياسات القمع وربما كانت هي او بعضها ضحايا هذه السياسات.
3. تحميل شعب العراق وزر سياسات القمع تلك واثقال كاهله بتسديد تعويضات عنها مع ان لا ناقة له ولا جمل في وضع وتنفيذ تلك الساسات.
4. تشبه هذه المحاولة الى حد كبير الاستنزافات المالية والاعتبارية الكبرى التي ما زالت تثقل كاهل المانيا عن مزاعم الافران اليهودية (الهولوكوست) مما يعني ان ثمة ازمات طويلة ومتعددة ستشوب العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومات (الاقليم!).

- يتبع -

آيدن آقصو