في العديد من الأنظمة غير الديموقراطية، عادة ما تجرى انتخابات صورية بهدف تحقيق نتائج مختلفة، من ضمن تلك النتائج التلاعب برأي الشعب وتوظيف ذلك في سبيل تأكيد الشرعية الديموقراطية والقانونية المزيفة للنظام، كذلك تصوير النظام أمام العالم بأنه حريص على تطبيق الديموقراطية ولو أفضى ذلك إلى عكس ما تنتجه الديموقراطية الحقيقية والحرة وضد ما يتأمله الشعب، وثالثا التأكيد على أن إيديولوجيا النظام، كما في ولاية الفقيه المطلقة بالجمهورية الإسلامية في إيران، تتبنى ديموقراطية مختلفة عن تلك الموجودة في الغرب، كالديموقراطية الليبرالية على سبيل المثال، وبالتالي فإن نتائجها لا تفضي بالضرورة إلى ما تفضي إليه الديموقراطية الليبرالية أوغيرها من الديموقراطيات الحقيقية والحرة.
إن الانتخابات التي تجري في إيران تمنع حتى المؤمنين بنظام ولاية الفقيه من الترشح، لأن بعض هؤلاء يحمل أجندة سياسية إصلاحية تختلف مع أجندة الولي الفقيه الساعية إلى السيطرة والوصاية على مختلف شؤون البلاد، ويتبنون برامج تخالف مفهوم الولاية المطلقة.
إذن، ليس فحسب غير المؤمنين بولاية الفقيه ممنوعون من الترشح للإنتخابات، بل الكثير من الإصلاحيين المؤمنين بولاية الفقيه ممنوعون أيضا من الترشح حيث ترفض طلبات ترشحهم مباشرة من قبل مجلس صيانة الدستور أو تصلهم رسائل من أطراف مرتبطة بالولي الفقيه تطالبهم بعدم الترشح.
إن الديموقراطية إن لم تفض إلى تداول للسلطة ستعتبر فاقدة أحد أسسها الرئيسية، وهذا ما يحصل مع الإنتخابات في ظل نظام ولاية الفقيه المطلقة، إضافة إلى فقدان أسس أخرى كالتعددية السياسية والفكرية وحرية النشر والتعبير واحترام حقوق الإنسان. فتداول السلطة ووصول رئيس جديد أو حكومة جديدة، عادة ما يفضي إلى تغيير الخطوط العريضة لبرنامج الإدارة الحكومية القديمة، وهذا ما تؤكده تجارب المجتمعات التي تجري فيها انتخابات حرة وحقيقية.
وقد لمسنا ذلك في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة ورأينا كيف اختلف برنامج باراك أوباما عن برنامج جورج دبليو بوش، ليس في التكتيكات السياسية فقط إنما في الخطوط العريضة المرتبطة بإدارة أمور البلاد، على سبيل المثال، في كيفية معالجة القضايا الإقتصادية والبيئية المحلية والعالمية وقضايا السجون والتعامل مع المعتقلين وتعذيبهم وقضية المثليين وأبحاث الخلايا الجذعية وكيفية التعامل مع قضية الإرهاب والقضية الفلسطينية والبرنامج النووي الإيراني والعلاقات مع طهران والوجود العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان.
لكن في إيران لا يتغير شيئا رئيسيا حينما يأتي رئيس جديد إلى السلطة، لأن الخطوط العريضة تبقى في أيدي المرشد الأعلى أو الولي الفقيه الذي لا يتغير، إذ هو الذي بيده تغيير تلك الخطوط من عدمه، بالتالي لا تأثير لانتقال السلطة في إيران على السياسات الرئيسية الداخلية والخارجية.
وقد رأينا في تشيلي كيف أفضت محادثات الدكتاتور السابق الجنرال أوغيستو بينوشيه مع المعارضة واتفاق الاثنين على إجراء انتخابات حرة في البلاد، إلى انتقال السلطة إلى المعارضة. ويحكم تشيلي في الوقت الراهن ميشله باجلت وهي إحدى المعتقلات السياسيات التي كان بينوشيه قد سجنها. وإذا ما جرت في إيران انتخابت حرة وحقيقة في الوقت الراهن فإن ذلك قد يفضي إلى تغيير الخطوط العريضة للسياسات لا إلى تغيير الرئيس فقطِ.
إن الأنظمة المطلقة لا تستطيع أن تتعايش مع الديموقراطية وتوابعها، كالحرية والتعددية والاختلاف والتنوع واحترام حقوق الإنسان، لأنها ستفقدها صورتها الفردية ووجهتها المطلقة. فالحاكم المطلق يكره الحرية، لأنها تضيّق الظروف على حكمه وتعرضه لانتقادات هو لا يرفضها فحسب بل لا يريدها أن تتواجد في المجتمع. كذلك يخشى التنوع، لأنه يساهم في مشاركة الآخرين معه في سلطاته وبالتالي سيفقده ذلك إرادته الفردية. ويخشى احترام حقوق الإنسان، لأن ذلك يجبره على تقديم تنازلات جمة قد تفقده هيبته وقدسيته ثم سلطته.
في المقابل، لا يمكن للحاكم المطلق أن يحظى بشعبية من قبل معظم أفراد المجتمع، بل القلة القليلة هي التي تقف وراءه، القلة المؤمنة به أو المتمصلحة منه أو التي تنفذ سلطاته إنطلاقا من إيمانها الديني المؤدلج.
وللأسف نجد أن الفهم الديني السياسي (الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي) يتوافق في مجمله مع الحكم المطلق ويعادي الديموقراطية الحقيقية والحرة ويتعارض مع الحرية والتعددية واحترام حقوق الإنسان. ومن الطبيعي أن يخرج أحد المدافعين عن الحكم الديني المطلق (حجة الإسلام أحمد خاتمي في صلاة الجمعة بطهران يوم الجمعة الماضي) ليؤكد أن الراد على الولي الفقيه كالراد على الإمام المعصوم وهو كالراد على الله. وبالتالي من يدعو أو يشارك في مظاهرات الاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية فإنه لم يخالف القانون الإيراني فحسب بل خالف الله أيضا، لأنه خالف أوامر الولي الفقيه.. هل يمكن لتلك الثقافة أن تتعايش مع الحرية والتعددية والديموقراطية؟ إن ذلك إنما يعكس تثبيت السلطة الفردية والدفاع عن السلطان المنصوب من قبل الله الآمر باسمه والمنزّه عن أي نقد وسؤال.
فاخر السلطان
كاتب كويتي
[email protected]
التعليقات