كنت في زمن مضى قد كتبت كثيرا عن العلاقات البينية بين السلطات العربية. وكغيري من الكتاب لازلنا نبحث، في هذا المضمار المتشعب، وهذا الحقل الخاص، الذي يحتاج إلى مراكز للدراسات، وربما ليس لمراكز دراسات، بل إلى محققين دوليين! جد خاصين، وماهرين في تقصي، هذا الاستثناء الفريد في العالم.

عندما بدأنا البث في قناة زنوبيا، كان توقنا أن نكون صوتا مختلفا، ولا نعرف إن كنا حققنا شيئا من هذا الطموح أم لا؟

عندما بدأنا بتشكيل طاقم العمل، كانت تواجهنا معضلة، أن القناة للسيد عبد الحليم خدام، وكذلك أنها لجبهة الخلاص، وكذلك أنها ستكون بروباغندا لهذا الطرف أو ذاك، وواجهنا العلمانيون أيضا، أنها ليست علمانية متشددة. وواجهنا الإسلاميون، إنها تعرض أفلاما أجنبية وأغاني هابطة!

هل كنا واجهة إعلامية لطرف ما؟ حاولنا ألا نكون كذلك، وإنما كنا نتوخى الحذر في ألا نكون غير سوريين، كنا نلاحق الهم السوري، أو ما نراه نحن أنه هم سوري محض، ولم يتدخل أحد في عملنا، ولم يستطع أحد أن يفرض علينا أجندته، ألهذا السبب يجب أن نتوقف؟

ربما هاجمنا طرفا ما لأنه يدعم المزيد من قهر شعبنا ومن نهب ثروته، ربما أخطأنا في بعض القراءات السياسة والفكرية، ولكننا كنا حريصين على أن نتيح الفرص لكل القراءات بما فيها القراءات التي، تصب في خدمة النظام في دمشق، ربما جاملنا أطرافا لبنانية، ليس رغبة في المجاملة ولكن لقراءة خاصة لطبيعة المرحلة التي تحتاجها بلدنا، لأن انتصار الدولة في لبنان، كان مصلحة شعبية سورية، كما كنا نرى، رؤيتنا خاطئة أو صائبة هذا متروك لتاريخ الحدث.

أخطأنا في إدارة بعض الأمور الإدارية والمالية،ولكن الموضوع أكبر من ذلك.
كنا نلمس تواطأ إعلاميا مخيفا، على صوتنا هذا، لم يتطرق أحد لما كنا نعانيه من تشويش ليبي، أربع مرات كان كفيلا باستنزاف بعضا من ماليتنا القليلة أصلا، يستنزفنا لأن العودة للبث كانت دوما مكلفة.

الخطأ في القراءات لا يعني أن الصوت يجب أن يحجب! لأن الرأي يبقى رأيا خاطئا أم صائبا.

لقد عملنا بشكل عام وكانت القناة طفلتنا التي اتفقنا الجميع على تبنيها.كطاقم عمل متواضع وبإمكانيات متواضعة، وبدخول أيضا متواضعة لا ترقى لدخول أية وسيلة إعلام عربية أو أجنبية، وكنا راضين بذلك، لأننا طلاب حرية أولا وأخيرا.

ربما أخطأنا في قراءتنا للوحة السياسية الدولية والإقليمية والعربية، أيضا هذا وارد، ولكننا أبدا لم نخطأ في أننا كنا ندرك أن هذا الصوت، لم يعجب أحد من الفاعلين الدوليين والإقليميين، وبعض المعارضين الأفذاذ،والذين سيشمتون الآن بالتأكيد!

وهذا كله اتضح لنا بعد بث لمدة شهر، في تدارسنا لأمور المحطة، نحن الذين لا نملك سوى صوتنا، كنا ندرك أن المعركة أكبر منا بكثير، ولكننا كنا مصرين على أن نكون ذاك الصوت المفقود.

في اجتماعنا الأخير كإدارة لخصت ما واجهنا من ضغوط في الشهرين الأخيرين، من أجل أن نتوقف، بأن كل الأعدقاء* لا يريدوننا على الأثير.

كنا نختلف، وكنا عرضة لبعض قليلي الذمة والضمير، من ناهبي المال، ولكن أصرينا على أن لا ينعكس كل هذا على شفافيتنا مطلقا، لسنا أنبياء أبدا بل نحن بشر عاديون، لم تعد تعني لنا الحياة سوى كلمة حرة.

هاجمنا الأصدقاء واعتبروا أن القناة تبيض صفحة خدام، قلنا لهم تعالوا وتحدثوا كل هذا على الهواء مباشرة. ولكنهم رفضوا الحوار والاختلاف وبقوا في العتمة، كخفافيش الليل. ربما يخافون أن يصبح خدام رئيسا وهذا مجرد وهم! أو يخافون من سقوط النظام وهذه تدعو للعجب أكثر!

والآن نحن سنبقى نحاول لكي نعود قريبا إلى الأثير، مهما كلفنا هذا الأمر، وإذا لم نعد يكون عزاؤنا أننا حاولنا. وحتى المحاولة تعيش فيها الحرية، وهذا عزاء أضافي.

لست محبطا أبدا. هل مكتوب على شعبنا على أن يبقى أسيرا حكما واحدا من الإزل وحتى الأبد..؟ لا أتحدث هنا عن شخوص، لأن هذا لا يعنيني في الحقيقة، بل أتحدث عن جملة من العلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والأخلاقية والسلوكية.

والنظام الآن ربما خرج من عزلته الدولية، بفضل إيران وقطر بالطبع، ولكن من حق هذه الدول أن يكون لها استراتيجياتها الخاصة والباحثة عن مصالحها، ومن حقها أن تستخدم سورية أرضا وشعبا من أجل تحقيق هذه الأهداف، فيما لو استطاعت إلى ذلك سبيلا. مهما كانت الأمور فلم تعمل المعارضة السورية في تاريخها بظرف أفضل من هذا الظرف رغم ما يبدو أن قوة النظام تمنع أي تغيير.

كنا مصرين على ثقافة الحوار والتسامح والشفافية، وحتى لو كان مدح الذات أمرا غير مرغوب ولكننا كنا نحاول أن نكون كذلك.

سنحاول أن نعود إلى البث قريبا، ولكن بعد أن يتخلص بعضنا من مراهنات سياسية غير صحيحة، وتتكشف أكثر وهم السياسات المتبعة الآن تجاه أحداث المنطقة.
كانت تأتينا ملاحظات نقدية كثيرة على عملنا سواء من ناحية المضمون أو من ناحية الشكل الفني، والأداء وكنا نحاول أن نستجيب لها ونتلافها قدر إمكانياتنا.

ولكن يبقى الحكم في النهاية للمشاهدين من شعبنا الذين أتحفونا برسائلهم، دعما وتوقا لكي يستمر هذا الصوت.

نم كنا نشاهد داخل سورية وبكثرة جعلت أولي الأمر من الأعدقاء يخافون، هذا هو محصلة الموضوع. كتب مقدمنا الشهير السوري فيصل قاسم لبرنامجه الأكثر شهرة في العالم العربيquot; الاتجاه المعاكسquot; عبر قناة الجزيرة، مقالا أكد فيه أنه لايوجد إعلام في العالم حر ونزيهquot; قول فيه من الصحة كما فيه من الخطأ الكثير، كلعبة تدوير الزوايا.

سنعود للبث قريبا جداً، وبغير معادلات غير مفهومة، كما كنا نحاول، وبإعلام حر.
أعذرونا هذا ما استطعناه.

* الأعدقاء هم جمع عربي ودولي منquot; الأعداء والأصدقاء معا.

غسان المفلح