الأزمة الداخلية العنيفة و المتصاعدة في إيران، و الصراع الساخن بين أجنحة النظام الإيراني المحافظة و البراغماتية ستفرض على النظام الإيراني مستحقات و أساليب لإدارة دفة الصراع الداخلي لن تختلف عن الأساليب السلطوية الإيرانية المعروفة و التي جربناها و شخصناها طيلة ثلاثين عاما من عمر النظام و الذي إكتسب حصانة طبيعية وقدرة هائلة على التعامل مع الأزمات رغم الإفلاس الفكري و السياسي و الدبلوماسي الذي وصل إليه النظام حاليا، ولعل الأسلوب الأنجع و الأقل كلفة هو محاولة نقل الصراع الداخلي المحتدم لآفاق خارجية!! و محاولة الإيحاء و التأكيد أيضا على ملف المؤامرات الخارجية و التدخلات الدولية و عصابات و أموال ( الأمريكان و إنكلستان )! كما يقولون؟ لا بل أنهم لا يترددون عن إتهام العالم بأسره بالتآمر ضدهم! لمحاولة الخروج من عتمة النفق الذي قادت الإنتخابات المزورة و المطبوخة البلد إليه، وغني عن الذكر مدى تفاهة و تهاوي تلكم الإتهامات في ضوء أن المتنافسين جميعا كما نعلم ليس فيهم عميل أمريكي أو صهيوني واحد ؟ فهل السيد مير حسين موسوي عميل للغرب وهو الذي أدار دفة الحرب مع العراق بعد سلسلة الإغتيالات الرهيبة التي طالت كبار القياديين وقتذاك؟

و كان رئيسا للوزراء في عهد تثبيت أقدام النظام في زمن الخميني الراحل؟ وهل رئيس البرلمان الأسبق ورئيس حملة الحج ( المسيسة بقوافل الحرس الثوري ) الشيخ مهدي كروبي هو عميل أيضا؟ وهل أن محسن رضائي أحد كبار مؤسسي مؤسسة القمع الثوري أو الحرس الثوري التي تحكم إيران و الذي قاد الصفحات المهمة من الحرب ضد العراق هو عميل أيضا..؟ منطق سلطوي متهاوي و بائس يحاول العبور الفج على إرادة الشعب الإيراني الحرة، و الذي هو في النهاية شعب حر وحيوي و متجدد الأفكار و الرؤى و التطلعات لا يمكن أن ينام على ضيم و لا أن ترهبه تلك الأساليب الإبتزازية الفقيرة و البائس و التي لا تتناسب أبدا لتكون واجهة للمؤسسة الدينية التي أستبيحت مكانتها بهذه التصرفات،فالمؤسسة المرجعية في قم قالت كلمتها و نزعت الغطاء الشرعي و المرجعي عن النظام ؟ كما أن كبار المراجع حددوا معالم الصورة، ومع ذلك يصر النظام على أطروحتة و التي لن تجد صداها بطبيعة الحال إلا في العراق المجاور و الضعيف و المترنح الذي يحاول إسترداد السيادة من الأمريكان بينما مفاتيح القوة في ملف الصراع العراقي الداخلي ما زال النظام الإيراني يتحكم بالكثير من مغاليقه و أسراره و بواباته، بدون شك فإن المعارضة الإيرانية في العراق و الممثلة بتنظيم ( مجاهدين خلق ) ستكون في فوهة المدافع الإيرانية المباشرة مع الإنسحاب الأمريكي من المدن و الحواضر العراقية و بما يعني بحكم الضرورة رفع الحماية ألأمريكية المباشرة عن معسكر أشرف للاجئين الإيرانيين في العراق و الذين هم في البداية و النهاية ووفقا للقوانين الدولية المتعارف عليها و منها إتفاقية جنيف لعام 1951 و التي يستفيد منها ملايين اللاجئين العراقيين في العالم أيضا هم ضيوف على الشعب العراقي و لا يجوز أبدا التعدي على أوضاعهم أو إهانتهم أو تعريضهم للخطر، و جميعنا يعلم بأن النظام الإيراني يحتاج لعزاء ليلطم به!! و ليس هنالك أفضل مكان للطم الحرس الثوري من معسكر أشرف، وحيث تشير ألأنباء إلى قيام الحكومة العراقية بمنع إدخال المواد الغذائية و الصحية للمقيمين فيه!! أضافة لسلسلة فظيعة من التعديات و الهجمات السابقة إبتدأت بقطع المياه و التيار الكهربائي و بمحاولات الإقتحام العسكري عنوة و مضايقات أخرى في ظل إصرار السيد موفق الربيعي الذي لا أعلم تحديدا ما هو منصبه الحالي بعد إلغاء مستشارية ألأمن الوطني المثقوب على تحقيق ( أم معاركه ) في سحق المعسكر و تدميره على رؤوس قاطنية إستجابة لنداء النظام الإيراني الذي لا يقدم على أي خطوة لمنع جحافل فرقه السرية و الخاصة من التغلغل في العراق! و الذي لا يتوقف أبدا عن تدريب و إحتضان عصابات الموت الطائفية التي تساهم في تدمير العراق، كما أنه لا يتورع أبدا عن الإضرار بالعراق من مختلف النواحي بدءا من الزحف على الابار البترولية العراقية ومحاولة قضمها، و ليس إنتهاءا بتحويل مجاري الأنهار الإيرانية التي تصب في شط العرب كنهر الكارون مثلا و بما أدى لأضرار و كوارث بيئية لا تتحدث عنها الحكومة العراقية الحالية و لا تعتبرها تشكل أي تهديد للأمن الوطني و القومي العراقي و العربي، نؤكد مرة أخرى على أن ورقة المعارضة الإيرانية في العراق هي من أهم أوراق القوة لدى الجانب العراقي، و إن رعاية أهل أشرف هو واجب إنساني وديني فهؤلاء ضيوف لا يمتلكون من أمرهم شيئا، ودعونا من حكاية وكذبة مشاركتهم في قمع الجماهير العراقية في أحداث 1991 فتلك من أساطير المخابرات الإيرانية و لو كانت الحكومة العراقية الحالية الصديقة و الحليفة لطهران تمتلك الأدلة فلتقدمها و تحاكم علنا العناصر الإيرانية المتورطة إن كانت ثمة أشياء من ذلك القبيل!! و لكنها أكاذيب رخيصة و تاريخية ترددها أجهزة الدعاية الإيرانية و يعيد تكرارها حلفاء النظام الإيراني في العراق الذين يعرفه الجميع!! كما أنه لا يخفون شخصياتهم!!

ينبغي التعامل مع ملف أهل أشرف بكل حساسية و مسؤولية مهنية و أخلاقية و إنسانية، و الإنسحاب العسكري ألأمريكي يجب أن يكون الفرصة السانحة للحكومة العراقية لإظهار قدراتها الحقيقية في معالجة و إدارة الملفات الصعبة و الحساسة و بعيدا عن التأثر بإبتزاز النظام الإيراني المفلس الذي يحاول نقل صراعه الداخلي للمحيط المجاور و للعراق تحديدا، اللاجئون الإيرانيون في العراق هم أصدقاء و ليسوا خصوم أبدا و من يمتلك الدليل فليشهره علنا بدلا من لغة الإتهامات الرخيصة.

وحماية المعارضة الإيرانية في العراق هو واجب أخلاقي فعلينا أن لا ننسى بأن العديد من دول العالم قد حمت العراقيين في المنافي وقد وصلت أعادهم للملايين حاليا، النظام الإيراني يعبش تداعيات متغيرات داخلية خطرة، وليس من الحصافة أو المصلحة الوطنية وضع كل البيض العراقي في سلته!! فتلك خيانة وطنية واضحة لمصالح العراق، و التواصل مع المعارضين الإيرانيين ضمانة حقيقية لمستقبل السلام الإقليمي، وفي التصرف بهذا الملف سنحكم على قدرة الحكومة العراقية، فهل هي حكومة بلد أم حكومة ميليشيات طائفية ترتبط بتنفيذ أوامر الولي الفقيه الحائر و الطاير في هذه الأيام!!.. سنراقب و نرى..!

داود البصري

[email protected]