حزب العمال الكردستاني أعلن عن تمديد فترة العمل بقرار تجميد العمليات العسكرية الهجومية حتى 15 تموز القادم. القرار كان قد أتخذ في 13 نيسان، على ان ينتهي مفعوله في الأول من حزيران، في حال رفض الحكومة التركية التجاوب معه وتقاعسها في طرح مشروع مشجع يهدف إلى حل القضية الكردية في تركيا. ولكن الحكومة لم تحرّك ساكناً. رئيس الحكومة ورئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم رجب طيب أردوغان فضل الصمت وتجاهل خطوة الكردستاني. رئيس الجمهورية عبدالله غول أطلق 3 تصريحات متباينة، اشارّ في الأول إلى أن quot;اشياءً جيدة ستحصل في تركياquot;، واشار في الثاني إلى ان quot;القضية الكردية هي أهم قضية في تركيا وينبغي حلها، لأن تجاهلها سيجلب الضرر على البلادquot;، واشار في الثالث إلى إنه quot;لم يقصد بالحل الحوار مع منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابيةquot;!. ورغم التراجع في موقف غول، إلا انه قرر اللقاء بالنائب أحمد ترك رئيس حزب المجتمع الديمقراطي( 22 نائباً في مجلس النواب) وتناقشا حول quot;القضية الكرديةquot; وquot;آفاق الحل السلميquot;.
قبل ذلك كان مراد قره يلان رئيس اللجنة القيادية في منظومة المجتمع الكردستاني قد حدد سقف مطاليب الجانب الكردي في أي حوار مقبل مع الحكومة التركية، هدفه حل القضية الكردية. قره يلان وفي حوار مطوّل أجراه معه الصحفي التركي حسن جمال لصالح صحيفة ( ملييت) في شهر أيار الماضي، قال بان الجانب الكردي quot;لم يعد يريد الدولة الكردية المستقلةquot;، وquot;لايهدف إلى تغيير الحدود الدولية الحالية لتركياquot;، ولكنه quot;يريد حل القضية الكردية في إطار الجمهورية التركية، وضمن صيغة حكم ذاتي موسع، أشبه بالإنموذج الإسكوتلندي، مع إعتراف دستوري بهوية الشعب الكرديquot;.
المقابلة الصحفية أثارت هذه ردود فعل كبيرة في تركيا على الصعيد الإعلامي، وعلى صعيد الفعاليات الشعبية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، كانت اغلبها إيجابية، دعت الحكومة إلى quot;الحوار والتحرّك لوقف النزيف الذي تعاني منه تركيا، والإنطلاق نحو المستقبل الزاهر والتنمية بقوة، بعد إقفال الملف الكرديquot;.
الزعيم الكردي الأسير عبدالله أوجلان( المحتجز في سجن جزيرة إيمرالي منذ عام 1999والذي لم يتوقف يوماً عن إطلاق مشاريع ومقترحات السلام والحل الدائم) أيدّ تصريحات قره يلان، وقال بان الجانب الكردي مستعد للتفاوض وابداء المرونة من اجل إنجاح مساعي الحل الديمقراطي. أوجلان دعى أردوغان للتحلي بشجاعة الرئيس التركي الأسبق تورغوت أوزال، وإعلان الحوار مع حزب العمال الكردستاني لإنهاء القضية دون المزيد من الحرب والعمليات العسكرية. كما أعلنّ اوجلان عن نيّته في طرح quot; خارطة طريقquot; أواخر شهر آب القادم، تضمن نقاطاً أساسية لحل القضية الكردية، وإنهاء حالة الكفاح المسلح، التي قادها حزب العمال الكردستاني منذ عام 1984.
حزب المجتمع الديمقراطي بدوره أعلن تحركاً ميدانياً كبيراً، فعقد على الفور مؤتمراً كردياً موسعّاً في ديار بكر شارك فيه أكثر من 600 شخصية كردية وتركية طالبوا كلهم الحكومة بالتحرك والبدء باجراءات عاجلة من اجل حل القضية الكردية ووقف حالة الحرب الأهلية في البلاد. وقد انبثقت لجنة دائمة عن المؤتمر ستعمل بالتعاون مع quot; مجلس السلام في تركياquot; من اجل حشد الدعم الشعبي والنخبوي لمبادرة السلام والحل الديمقراطي التي طرحتها حركة التحرر الكردستانية مؤخراً.
الحكومة التركية ماتزال تفضل الصمت على كل مايجري. أردوغان يطبق سياسة quot;خطوة للأمام، أثنتين للوراءquot; فيما يخص القضية. هو مايزال يركز على برنامج حزبه فيما يخص quot;حل القضية الكرديةquot;. إعتاد أردوغان أن يشير في هذا المقام إلى ( مشروع GAP التنموي) الذي quot;رصدّت له الحكومة 2 مليار دولارquot;، وإلى ( فضائية TRT6) الناطقة باللغة الكردية، إضافة إلى إفتتاح أقسام للغة والثقافية الكرديتين في الجامعات التركية، كأهم أجراءات quot;الإنفتاح على الأكرادquot; في البلاد. لكن سياسة أردوغان وحزب العدالة والتنمية هذه لم تعجب الناخب الكردي فصوّت، رغم كل تلك quot;الإنجازاتquot;، لصالح حزب المجتمع الديمقراطي( الذي يوصف بانه الجناح السياسي للعمال الكردستاني) في الإنتخابات البلدية التي جرت في 29/03/2009، حيث خسرّ الحزب الحاكم بلديتي quot;سيرتquot; وquot;وانquot; الكبيرتين لصالح المجتمع الديمقراطي والذي نجح في زيادة عدد البلديات التي يسيطر عليها من 56 إلى 98 بلدية.
الجيش التركي على نقيض الحكومة والرئاسة تماماً. رفض هدنة العمال الكردستاني جملة وتفصيلاً. الجنرال إلكر باشبوغ رئيس هيئة أركان الجيش إعتبر الهدنة quot;ترجمة لمقدار الضعف الذي يمر به الكردستانيquot;. باشبوغ قال بان quot;هجمات الجيش التركي الحقت ضربات قوية بالكردستانيquot;، لذلك وهو الذي يجد نفسه في موقف عسكري ضعيف، قد إختار الهدنة وقرر تجميد quot;العمليات العسكرية الهجوميةquot;. لكن الكردستاني رفض ادعاء باشبوغ هذا، وقال بانه في أقوى مراحله، وبشكل خاص بعدquot;النجاح السياسي الكبير في الإنتخابات البلدية، والنجاح العسكري الباهر في دحر الجيش التركي أثناء حملته الكبيرة على اقليم كردستان العراق في شهر شباط 2008 وتكبيده عشرات القتلى والجرحى اضافة الى اسر 8 من جنودهquot;.
الضربة القاصمة لمبادرة السلام الأخيرة التي طرحها حزب العمال الكردستاني جاءت من الجيش التركي. هذه الضربة وقعت على مستويين: الأول: تكثيف الجيش للعمليات العسكرية، أثناء فترة هدنة الكردستاني، والتي أدت إلى فقدان هذا الأخير 30 من مقاتلاته ومقاتليه، إضافة إلى مقتل 15 جندياً تركياً في عمليات رد، قال الكردستاني إنها quot;مشروعة وتأتي للدفاع عن النفسquot;. والمستوى الثاني: التصريحات النارية التي أدلى بها الجنرال باشبوغ مطلع شهر حزيران الماضي، أثناء تواجده في العاصمة الأميركية واشنطن، والتي توعّد فيها الكردستاني بمزيد من الحرب quot;حتى القضاء على آخر مقاتل من مقاتليهquot;. واللافت ان الجنرال مايكل مولن، رئيس أركان الجيش الأميركي، كان راضياً عن كلام باشبوغ ومضى في تشجيعه حينما قال: quot;ان الولايات المتحدة ملتزمة بتعهداتها بالتعاون مع تركيا في محاربة إرهاب حزب العمال الكردستانيquot;.
أيام معدودة على إنتهاء مدة الهدنة التي أقرها الكردستاني. وفي ظل صمت الحكومة والرئاسة ومجلس النواب التركي، وعلّو صوت الجنرالات وحشد المزيد من القوات على الحدود التركية العراقية، لايبدو أي بصيص أمل. لاسلام ولاحوار يبدوان في الأفق. فعوض أن يتكلم أردوغان وغول في القضية، فإن الجنرال باشبوغ تكفل بحسم الموضوع وإعلان استمرار الرهان على سياسة الحسم العسكري. تكلم باشبوغ فسكت أردوغان. هذا الذي حصل في تركيا أخيراً.
الآن، الجيش التركي يستعد لعملية عسكرية كبيرة ويطالب الحكومة، في رسائل سريّة، بالتضييق على حزب المجتمع الديمقراطي وإعتقال المزيد من قادته وكوادره( أكثر من 300 أعتلقوا حتى الآن)، بينما يستعد الكردستاني للدفاع quot;عن نفسه وعن الشعب الكرديquot;. أما أوجلان، من جانبه، فأعلن بأن محاولة السلام هذه ستكون الأخيرة. وانه شخصياً سيتراجع للوراء ويترك زمام الأمور بيد قيادة الحزب، لتتعامل مع التطورات بحسب ماتراه مناسباً، ويكون فيه quot; مصلحة للشعب الكرديquot;...
الدولة التركية تخدع نفسها في حال اعتقادها بأن الحرب ومزيد من العمليات العسكرية سيجبران الشعب الكردي وحركته التحررية على التنازل والتقهقر. هذا وهم ولغو فارغ. حزب العمال الكردستاني يتقوّى في كردستان الشمالية وتركيا وبالأرقام والشواهد. وهو كذلك يتقوّى في عموم كردستان الكبرى وبين ابناء الشعب الكردي في المهجر. رصيده تضاعف بعد النصرين الكبيرين الذين قدمهما للأمة الكردية. نصر حزب المجتمع الديمقراطي في الإنتخابات البلدية الأخيرة، والنصر العسكري الكبير في ملاحم quot; زابquot; ودحر ثاني أقوى جيش في حلف ( الناتو). لذلك لابديل عن السلام والحل الديمقراطي العادل. على تركيا ان تعي بان حل القضية الكردية سيكون في مصلحتها قبل أي طرف آخر. تركيا بدون حل القضية الكردية هي تركيا ضعيفة ومنهكة القوة وخائرة أمام القوى الأجنبية. لكن تركيا بحلها للقضية الكردية، هي تركيا قويّة وموحدة الداخل، وقريبة من الإتحاد الأوروبي ايضاَ...
طارق حمو
[email protected]
التعليقات