قبل ثلاثين عاما أيد قائد الثورة الإسلامية في إيران آية الله الخميني وثلاثة من مراجع الدين الشيعة الكبار مسودة دستور الجمهورية الإسلامية، وهم آية الله كلبايكاني وآية الله مرعشي نجفي وآية الله شريعتمداري. وقد أعدت المسودة من قبل كبار رجال القانون في إيران تحت إشراف أحد رجال الثورة الدكتور حسن حبيبي. وقال جميع هؤلاء، وفق رؤاهم الدينية الفقهية والقانونية، أنهم لم يجدوا في مسودة الدستور الجديد ما يخالف الدين الإسلامي. وبعد فترة قليلة أقرت quot;الجمهورية الإسلاميةquot; في استفتاء شعبي، لكن مسودة الدستور لم تتضمن إشارة إلى نظرية ولاية الفقيه، وبعد ثمانية أشهر من ذلك تم إدخال النظرية في المسودة من قبل مجلس الخبراء.


كان ذلك بداية لمرحلة حكم فردي جديد ذي نكهة دينية بعد الإطاحة بالحكم الفردي الملكي للشاه محمد رضا بهلوي. وتمثلت الفردية الجديدة في عدم التوافق ما بين شعار quot;الجمهوريةquot; ونظرية ولاية الفقيه. ويقول المراقبون أن ظروف الانتخابات الرئاسية الأخيرة عكست مرحلة متقدمة من الحكم الفردي، في حين كانت الفردية في عهد الخميني متوافقة إلى حد ما مع مطالب تحقيق quot;الجمهوريةquot; على الرغم من الكم غير القليل من التجارب التي تدل على تطبيق صارم للفردية، وبالذات التعاطي مع المعارضة غير الدينية والمواجهة مع النائب السابق لمرشد الثورة آية الله منتظري الذي أقيل من منصبه لأسباب عدة منها معارضته لعمليات الإعدام في السجون الإيرانية.


وفجّر الموقف المساند لولي الفقيه آية الله خامنئي من نتائج الانتخابات الأخيرة ووقوفه إلى جانب الرئيس محمود أحمدي نجاد، التناقض ما بين مفهومي الجمهورية والولاية. فمفهوم الجمهورية يبدو انعكاسا لرأي الأكثرية النابع في جزء منه من مفهوم الديموقراطية وآليتها، فيما مفهوم ولاية الفقيه هو بمعنى أن الرأي الأول والأخير في البلاد هو للولي الفقيه لا للجمهور.


وقد شارك الإيرانيون في الانتخابات بصورة مكثفة فاقت جميع التوقعات، حتى أن الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي أعلن دهشته من ذلك على الرغم من أنه حصد نسبة كبيرة جدا من الأصوات في الانتخابات الرئاسية عام 1997الأمر الذي أزعج التيار المحافظ. لكن نسبة المشاركة الجماهيرية في انتخابات عام 2009 فاقت عن نسبتها في عام 1997، وكان الهدف من المشاركة المكثفة هو التغيير، حيث كان الإيرانيون يتأملون تغييرا في وضع بلادهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يهيمن عليه التيار المحافظ من خلال قيمهم الدينية المتشددة. لكن وقع نتيجة الانتخابات كانت شديدة على الإيرانيين بحيث اتهموا السلطات الحاكمة بالتزوير ونددوا بتأييد الولي الفقيه لنجاد قبل وبعد ظهور النتائج وخرجوا إلى الشوارع في مظاهرات احتجاجية سلمية أملا في تغيير الأمور. في حين كان واضحا في ظل تحليل بسيط وغير معقد لنتائج الانتخابات وأرقام التصويت أن الرأي الأول والأخير في البلاد هو ليس للجمهور.


يقول شبلي ملاط، أستاذ القانون في جامعة يوتاه في الولايات المتحدة الأمريكية، في مقال له بعنوان quot;المرتكز القانوني للثورة الخضراء في إيرانquot; إن مؤسسة أمريكية قد نظمت استطلاعات للرأي في الأسابيع التي سبقت الانتخابات الإيرانية الأخيرة أظهرت أن أحمدي نجاد متفوق quot;بشكل ملحوظquot; على المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي، في حين استغرب ناقدو هذه الاستطلاعات صحتها نظرا للنتائج الغريبة في يوم الانتخاب (مجلس صيانة الدستور الذي يعتبر اليد القوية للمحافظين تحدث رسميا عن تجاوزات في التصويت بلغت ثلاثة ملايين صوت). وعلى أساس النتائج الرسمية أظهر الدكتور علي أنصاري من جامعة سانت إدروز في بريطانيا، مثلا، صعوبة القبول بأن المرشح الإصلاحي مهدي كروبي حصل على 5 بالمائة من الأصوات في منطقة لرستان، وكان قد فاز بأكثر من 50 بالمائة من الأصوات فيها عام 2005.


وينقل شبلي ملاط عن الباحثة لارند بروماند، وهي ناشطة معروفة في العمل الديموقراطي، التي شككت في صحة فوز أحمدي نجاد في الانتخابات عام 2005 وقالت نقلا عن أحد أفضل الباحثين في الشأن الإيراني الأستاذ بيل سامعي quot;بحسب النتائج الرسمية، حصل أحمدي نجاد على 5،7 مليون صوت في الدورة الأولى و17،2 مليون صوت في الدورة الثانية. كيف ازداد العدد إلى 11،5 مليون صوت في أسبوع واحد؟ وحتى لو كانت المشاركة هي ذاتها في الدورتين ونال جميع الأصوات التي حصل عليها المرشحان المحافظان الآخران (علي لاريجاني ومحمد باقر قاليباف) فإنه في مثل هذه الحال يكون قد حصل فقط على 5،8 مليون صوت إضافي. والمشاركة بحسب أرقام النظام كانت في الدورة الثانية أقل منها في الدورة الأولى، فكيف يحصل أحمدي نجاد على ثلاثة أضعاف عدد الأصوات مقارنة بالدورة الأولى؟quot;.


لقد اتهم الإيرانيون الرئيس أحمدي نجاد بأنه زوّر الانتخابات وكذّب عليهم، وأنه تبنى سياسات داخلية وخارجية تتضارب مع المصالح القومية الإيرانية، في حين وصف المرشد الأعلى أحمدي نجاد بأنه خادم الشعب، والشخص الصادق الذي يمكن الاعتماد عليه، وأنه شكل أفضل حكومة في إيران منذ الثورة عام 1979. إن هذا التناقض بين الرأيين إنما يدلل على أن رأي جمهور الشعب في واد ورأي الولي الفقيه في واد آخر، أو بعبارة أخرى يشير إلى وجود تعارض ما بين رأي الأكثرية النابع عن الديموقراطية وبين رأي الولي الفقيه. وتهدف الاحتجاجات التي تخرج في شوارع طهران وغيرها من المدن، إلى الحصول على إجابة للسؤال التالي: ماذا على الإيرانيين أن يفعلوا إذا حصل تعارض بين ولاية الفقيه ورأي أكثرية الشعب؟ هل يجب أن يرضخ الشعب لرأي الولي الفقيه، أم يدافع عن الرأي الذي أنتجته آلية الديموقراطية والذي يعكس مفهوم quot;الجمهوريةquot;؟ وفق مفهوم ولاية الفقيه quot;المطلقةquot; لابد أن يرضخ الشعب لرأي الولي الفقيه، حتى لو أتى ذلك بنتائج تخالف ما أراد الشعب أو جاء في الضد مما أفرزته صناديق الاقتراع. وباعتقادي أن المَخرج من هذا التعارض هو في تبنى المرشد لرأي أكثرية الشعب واعتباره مقدّما على رأيه، وبذلك يكون قد حافظ على مفهوم quot;الجمهوريةquot; باعتبارها تتقدم على مفهوم ولاية الفقيه من دون أن يؤدي ذلك إلى إلغاء نظرية الولاية. وبعبارة أخرى لابد ألاّ يتقدم رأي الولي الفقيه على رأي الجمهور وإلا فقدت إيران معنى الجمهورية.

فاخر السلطان
كاتب كويتي