دبي: مع انقضاء موسم الدراما العربية، واحتفاليتها الرمضانية، يتأهب موسم المهرجانات السينمائية العربية للانطلاق. إذ من المنتظر أن نشهد خلال ثلاثة أشهرمقبلة غالبية المهرجانات السينمائية العربية التي تحتضنها المدن العربية الأبرز في مجال النشاط السينمائي. سيكون مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي في أبو ظبي، أولها، إذ سيتم الافتتاح عشية يوم 8/10، فيما لن يتأخر مهرجان الاسماعيلية للسينما التسجيلية والقصيرة سوى يومين، لينطلق مساء يوم 10/10، لتتوالى بعدهما المهرجانات في مشرق الوطن العربي ومغربه.
وفي الوقت الذي يقرّ جميع السينمائيين العرب، وغيرهم ربما، بأن مهرجان دمشق السينمائي الدولي بات منذ سنوات يأخذ مكانته الخاصة، وهويته المميزة، واحترامه اللائق.. إلا أن من اللافت للنظر، والمثير للدهشة أو الاستغراب، أن بعض الأصوات، في سوريا، ما زالت تثير سؤال: هل مهرجان دمشق السينمائي حاجة؟.. بل هو ضرورة أصلاً؟..
ومثار الغرابة في هذا السؤال، أنه في الوقت التي تتطلع مدن عربية مختلفة، لأخذ مكانتها على خارطة المهرجانات السينمائية العربية، وتبذل جهدها في سبيل ذلك، يأتي من يتساءل عن جدوى مهرجان دمشق السينمائي، اتكاء على بعض الملاحظات التقنية أو الإدارية التي لا يرون المهرجان إلا من منظارها.
هنا يبدو الأمر، وكأنه بدل التفكير بصوت عالٍ بصدد أي ملاحظة يمكن للمرء أن يراها، وبدل تقديم النقد البناء الحريص على هذا المنجز، وبدل الدعوة إلى تطوير المهرجان، فتذهب بعض الأسئلة باتجاه ما يمكن فهمه ببساطة ووضوح، أو بشكل مضمر، إلى ما يشبه الدعوة إلى إعدام المهرجان والتخلص منه!..
مهرجان دمشق السينمائي الدولي، وهو يبلغ هذا العام الثلاثين من عمره quot;الدورة الأولى انطلقت عام 1979quot;، يستحق المزيد من العناية والحفاوة والدعم، ليس فقط باعتباره عرسًا سينمائيًا، وموعدًا للقاء السينمائيين العرب وغير العرب في قلب دمشق، بل أولاً وأساسًا باعتباره منجزًا وطنيًا، له إسهاماته الواضحة في تقديم صورة سوريا التي نريد ونطمح إلى العالم، وشكلاً من أشكال التواصل مع الآخر، الانفتاح عليه والحوار معه واكتسابه إلى جانبنا، وإبراز جوانب من صورة سوريا الحضارية، وحقيقتها، وتطلعاتها، من خلال واحدة من أهم وسائل الاتصال والتعبير، في عصر ثقافة الصورة، من خلال السينما.
وإذا كنتُ واحدًا من أولئك الذين تابعوا مهرجان دمشق السينمائي منذ دورته الأولى، وعبر دوراته المتتالية، متابعًا ومهتمًا، بداية، ومن ثم ناقدًا، تاليًا، فلي أن أؤكد، ومن خلال التجربة، على حقيقة أن السفر خارج سوريا، والتجوال في العديد من مدن العالم، والمشاركة في مهرجاناتها، إنما أكد بوضوح على تلك الأهمية الاستثنائية التي يمتلكها مهرجان دمشق السينمائي الدولي، ومدى الاحترام الذي يستجلبه هذه المهرجان لنا.
إنها منجزات كبيرة جدًا، خاصة إذا ما قورنت بتلك الميزانية المحدودة التي يتكلفها المهرجان، ليس فقط قياسًا بما يمكن للمرء مشاهدته في العديد من المهرجانات التي تخطو خطواتها الأولى، وتتعثر، بل أيضًا بما ينبغي أن نبذله في مجال الفعل الثقافي والإعلامي اللازم، والذي ليس من المغالاة القول إنه الصنو الضروري للفعل السياسي والديبلوماسي.
مهرجان دمشق السينمائي الدولي، حاجة وضرورة لابد منها لسوريا، لسينمائييها، ومثقفيها، وللمهتمين والمتابعين.. وإذا كانت الانتاج السينمائي السوري ما زال ضيق النطاق، محدود الكم، فالحل يكمن بإيجاد الوسائل والطرق التي توسع من دائرة الانتاج السينمائي، سواء عبر تدعيم القطاع العام، أو المشترك، أو عبر تحفيز القطاع الخاص، وحثّ رؤوس الأموال، ورجال الأعمال، والمستثمرين، والبنوك الخاصة، والشركات والمؤسسات الكبرى، للدخول في هذه العملية التي يتداخل فيها الفن بالصناعة بالتجارة، والتي فاقت الصناعات الثقيلة في بعض البلدان.. الحل يبدأ من هناك، وليس عبر إعدام مهرجان دمشق السينمائي الدولي، وإطفاء نقطة مضيئة في صورتنا.
- آخر تحديث :
التعليقات